الغطرسة البريطانية تنتهي من حيث بدأت
زكريا الشرعبي – المساء برس|
مشهد غرق السفينة البريطانية “روبيمار” ليس مشهدا عاديا وليست مجرد سفينة، لكنها الغطرسة تغرق في المكان الذي تشكل منه نفوذها الأول، وامتد لتصبح مملكة لا تغيب عنها الشمس.
لا يذكر أحدنا متى كانت آخر مرة تم فيها إغراق سفينة بريطانية بهذه الطريقة قبل روبيمار ولا متى تم قصف سبع سفن بريطانية وإغراق الثامنة في أقل من شهر، على مدى التاريخ الحديث.
وفي التاريخ شواهد وعبر، فبريطانيا التي نزلت إلى البحر كقوة تجارية عبر شركة الهند الشرقية الإنجليزية (1600) لم يهدأ بالها حتى تمكنت من السيطرة على الأجزاء الجنوبية من البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وخاضت لأجل هذه السيطرة حروبا عديدة شرسة مع البرتغاليين والإسبان والهولنديين والفرنسيين والعثمانيين، ومع اليمنيين أيضا.
عندما احتلت فرنسا مصر 1898م أرسلت انجلترا قوة من بومباي لاحتلال جزيرة بريم(ميون)، ثم احتلت سقطرى، واتجهت شمالا لحصار الفرنسيين في ميناء القصير، وهو الحصار الذي انتهى بخروجهم، ورغم أن بريطانيا لم تستقر في مصر بعد جلاء الفرنسيين إلا أنها لم تتنازل عن جنوب البحر الأحمر، فدخلت ميناء عدن والمخا بمعاهدات تجارية أولا مطلع القرن التاسع عشر، ومالبثت أن صنعت الذرائع لفرض الاحتلال الكامل، والتمركز الذي طال لمدة 129 عاما كان فيه خليج عدن هو مركز التجارة البريطانية والنفوذ الإمبراطوري الإنجليزي، ومنه أديرت الحرب العالمية الأولى مع العثمانيين، وتشكلت جمهوريات الموز في الخليج.
يكفي أن تنظر إلى مشهد روبيمار اليوم وهي تغيب في مياه البحر الأحمر وحالة بريطانيا وهي تندب حظها وتعلن أنها تحتفظ بحق الرد، وحالتها أيضا وقد حولت نفسها من دولة هيمنة إلى ناشط في حقوق البيئة يجادلنا هل إغراق السفينة يضر بالبيئة البحرية أم لا، وأن تتذكر في المقابل حين أتى الرجل الإنجليزي بأساطيله لاحتلال عدن بذريعة لا أساس لها هي إغراق اليمنيين لسفينة «داريا دولت»، في مياه خليج عدن.
تدرك بريطانيا والأمريكيون معها أن يمن اليوم غير يمن الأمس، وأن اليمنيين يفعلون اليوم ويعلنون بفخر ويتوعدون بالمزيد، وهذا ما لم تشهده بريطانيا من قبل، وقد يكون نموذجا مصغرا لما ستشهده مستقبلا إن لم تكف عن حماقتها وغباءها.
هكذا يكفر اليمنيون عن ذنوب أجدادهم الذين تساهلوا مع بريطانيا قبل مئتي عام فتحولت بتساهلهم إلى إمبراطورية.
* نقلًا عن “الخبر اليمني”.