المقاومة شريك في سيناريو اليوم التالي
حسين سلامة – وما يسطرون|
ما دام أنّ اليوم التالي، بعد العدوان الصهيو-غربي على غزة، ما زال مبهماً، فإنّ رياح الحرب وكلّ الأسئلة حولها لا تجد أجوبة.الهمجية الإسرائيلية التي تشهدها غزة والضفة الغربية ولبنان، وما يرافقها من نفاق وعدوان غربيّين بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، كشفتهما مواقف واشنطن ولندن في مجلس الأمن الدولي، والدعم السخي الذي تقدّمه أميركا وحلفاؤها إلى الإجرام الصهيوني.
ذلك كله ينبّئ بأنّ بنيامين نتنياهو جديّ في إعلانه أن هدف الحرب تحقيق مشروع إعادة الرسم لخريطة الشرق الأوسط الكبير. هذا المشروع الذي كانت قد أعلنت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة عنه من بيروت، وقالت إنه يتحقّق على وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من عام 2006، الذي شُنّ لسحق المقاومة الإسلامية. فشل العدوان وهُزمت إسرائيل وسقط مشروع رايس.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن هذا المشروع بعد غزو العراق واحتلاله في عام 2003 ، الذي أعقب احتلالها لأفغانستان على وقع هجمات 11 أيلول / سبتمبر عام 2001. وقد عطّلت المقاومة في لبنان العزم الأميركي على تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد على الواقع، كما رسمها الصهيوني برنارد لويس ووافق عليها الكونغرس الأميركي في ثمانينيات القرن الماضي.
في غمرة انتصار تموز-آب اللبناني، راج عند البعض أن مشروع التقسيم المسمّى الشرق الأوسط الجديد، الذي يعيد تقسيم المقسم، قد فشل وانتهى إلى غير رجعة. ولم يدر في البال أن المشاريع الإستراتيجية التي تخطط لها أميركا، عندما تفشل محاولة تحقيقها، لا ترميها أو تتراجع عنها، بل تلجأ إلى العمل بسيناريو بديل.
ما يجري اليوم أصبح مكشوفاً بأنّ الولايات المتحدة تغطي الحرب الإجرامية للجيش الصهيوني على المكشوف، عبر استمرار تقديم كل أنواع الدعم له بالسلاح والذخائر، التي فرغت منها مخازنه، والهدف من هذا الدعم أن تستمرّ الحرب حتى آخر جنديّ إسرائيلي، على أمل إنهاء مشاريع المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، التي تحول دون تنفيذ الخارطة التي رسمها للمنطقة برنارد لويس. لهذا تؤمّن الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي الغطاء السياسي والإعلامي والحماية القضائية الدولية في مجلس الأمن باستخدام (حق النقض- الفيتو).
على المستوى السياسي الإقليمي، مترست الديبلوماسية الأميركية، بقيادة وزير الخارجية أنطوني بلينكن في المنطقة لحماية مشروع التطبيع لمعظم العرب بالطبع الصهيو-أميركي، من دون أن يقلقها بعض إيحاءات التردد المدفوع بالخجل، ليس اقتناعاً بخطورة المشروع المندفع إلى المنطقة، وما ينطوي عليه من تهديد لمستقبلها، وما يتطلّبه التطبيع من تفريط بحقوق شعوبها وأجيالها القادمة. هذا التردّد محكوم أميركياً بالعصا الغليظة المتمثّلة بإمكانية وضع يد الخزانة الأميركية على الأرصدة المالية، المودوعة في البنوك الأميركية أو على شكل سندات خزينة… في زمن يعيش العالم فيه سياسة الفحش الأميركي بفرض العقوبات على الدول والأفراد .
التجربتان الإيرانية والروسية في مواجهة العقوبات والصلف الأميركي، وتغليب المصالح الوطنية العليا بحفظ سيادة الدولة على أرضها وقرارها الحر، التجربتان لم تقدّما إلى الدول العربية ومسؤوليها عبرةً لكيف تكون الأمم حرّة، ولا يريد معظم العرب أن يرى جدوى هذه التجربة.
ربما تعطي هذه الدول لنفسها الحق في قرارها اللاوطني في حمأة الصراع الدائر. أو إذا أحسنّا النية، ربما تلعب الأرقام الفلكية لحجم أرصدة هذه الدول في البنوك الأميركية والخوف عليها دوراً في مواقف حكوماتها المشينة من الصراع عموماً ومن العدوان على غزة على وجه الخصوص، وربما أن كرامتهم تسمح لهم بركوب العار ليس فقط من أجل أموال دولهم كحقوق لشعوبها، بل والأهم من أجل أموالهم المنهوبة من ثروات النفط والمال العام السائب في معظم هذه دول، التي تغيب عنها الرقابة والمحاسبة.
الحرب الدائرة بأعتى أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة، المعروفة بحرب غزة، باتت معلومة الأهداف وهي صعبة التحقّق، إذا لم نقل أنّها مستحيلة.
حتى اليوم لا توجد إجابات عن بعض الأسئلة عن الحرب التي تشغل بال عامة الناس، فالإجابة عن السؤال الجوهري عن: ماذا بعد اليوم التالي؟ غير موجودة حتى عند الطرف الأميركي الذي يتحكم بالسياسة والدعم إلى حدّ كبير في المعارك على الجانب الآخر من الصراع . فالرئيس الأميركي يملك كل أشكال التدخّل، إلّا أنّه لا يملك الجواب عن سؤال متى تنتهي الحرب. هو قد يختلف مع نتنياهو وفريقه، المتطرّف والضالع في الإرهاب، على بعض التفاصيل التي يعطي الإسرائيلي لنفسه الحق بالتمسك برأيه فيها، من منطلق أن يده في النار ومستقبله في المجهول. لذلك يتجاوز الحاجة إلى الوقوف على خاطر عرب التطبيع، تاركاً للأميركي مسؤولية استخدام عدته لحماية ما تحقّق حتى اليوم على هذا الصعيد.
الأميركي الذي يشرف على إدارة الحرب، يعرف أنّها تدور مع المقاومة التي تصعب كثيراً، إذا لم نقل أنّها تستحيل هزيمتها.
كل مشاريع المقاومة والثورة في التاريخ الحديث انتهت بالانتصار وبهزيمة الجيوش التي تمثّل أداة الاستعمار أو الهيمنة.
الحرب في غزة تُخاض ضدّ محور المقاومة، الذي حقّق خلال العقدين الماضيين انتصارات باهرة، بدءاً من تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني على يد المقاومة اللبنانية، وصولاً إلى التحرير الأول للعراق من الاحتلال الأميركي وإلى تحرير سوريا والعراق من عصابات الإرهاب ذات الصناعة الأميركية بلبوس ومسميات إسلامية وبقيادة الاستخبارات الصهيونية والأميركية، وبانتظار التحرير الثاني للعراق من القوات الأميركية المتمدّدة إلى سوريا.
هذه المهمّة الملقاة على عاتق محور المقاومة، إضافة إلى مهمّته في مواجهة ما يسمّى حرب غزة، ترتّب عليه التمسّك بدوره في المشاركة بتحديد سيناريو اليوم التالي، الذي جعلته أميركا سؤالاً موجّهاً إلى نتنياهو رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، فيما يتعاطى المحور مع هذا الواقع تفصيليّاً حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
هذه الحرب لن تنتهي إلّا بخاسر، وبات يعرف الإسرائيليّ أنه هو الخاسر، لأنّ من لم يحقّق في خمسة أشهر أيّاً من الأهداف التي وضعها وأعلنها لحربه الإجرامية، لن يفلت من الهزيمة ولو بعد حين.