غزة “سفينة نوح” هذا العصر.. فمن سينجو من العرب ؟
حلمي الكمالي – وما يسطرون – المساء برس|
في خضم التهديدات الإسرائيلية باقتحام مدينة رفح الفلسطينية، التي يقطنها قرابة مليوني فلسطيني نازح من جحيم العدوان على غزة، فإن العرب شعوباً وأنظمة اليوم أمام آخر فرصة لوقف العدوان والمذبحة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وهي فرصة مصيرية تحدد مستقبل الأمة ليس فقط من باب إنقاذ آدميتها المشنوقة على أبواب السفارات الأجنبية، بل لإنقاذ الوجود العربي الذي يشهد مخاطر وجودية على وقع العداء والخيانة.
هذه التهديدات الإسرائيلية التي تأتي اليوم بعد ضوء أخضر أمريكي للكيان للمضي في مخطط تهجير أبناء غزة إلى سيناء، لا تهدف لتصفية الوجود الفلسطيني وحسب، بل تستهدف أيضاً الوجود العربي ككل، فما يحدث هو ضمن مخطط شامل وأوسع أعدّه كهنة الصهيونية العالمية منذ عقود لالتهام الجغرافية العربية وتشتيت شعوبها من النيل إلى الفرات كمرحلة أولى.
أمّا وقد بدأ الاحتلال الصهيوني ترتيباته لاجتياح رفح والشروع بتنفيذ هذا المخطط، فإن الدول العربية مطالبة اليوم باتخاذ موقف جاد وصريح والتحرك بشكل عاجل وفعال لمنع حدوث ذلك، ليس بدافع الإيمان والإنسانية والعروبة وحسب، وهذا ما يفترض، ولكن أيضاً لما تقتضيه المصلحة العليا لهذه الدول، وعلى رأسها مصر، المستهدفة اليوم بأمنها القومي والإستراتيجي.
الموقف الجاد والتحرك العاجل المطالب به الدول والشعوب العربية على حد سواء، يجب أن يخلع عباءة الإدانات ودعوات الاستغاثة المهينة الموجهة للمجتمع الدولي ومنظماته المتواطئة مع الجلاد ضد الضحية، وأن يكون تحركاً ميدانياً فعالاً على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، أمّا الركون على تصريحات خجولة وسفسطة فضفاضة،فهي لا تقدم ولا تؤخر، بل تشير إلى مزيد من الخذلان.
والحقيقة، أن ما يحدث من صمت مخجل للنظام العربي الرسمي أمام كل هذا الجرم الصهيوني منقطع النظير في غزة، يتطلب انتفاضة شعبية كبرى من المحيط إلى الخليج، تُسقط هذا النظام العميل والمطبع والعاجز عن إدخال قنينة ماء إلى أكثر من مليوني إنسان عربي مسلم محاصر في غزة، إذ أنه إذا ما استمر هذا البلاء المسمى “النظام العربي” على هذا المشهد من الهوان، فإن الأمة العربية والإسلامية ستلفظ أنفاسها الأخيرة في هذه اللحظة الحرجة.
بالتالي، فإن على الشعوب العربية أن تقول كلمتها اليوم، اليوم وليس غداً، وأن تلتحق سريعاً بمسيرة البنادق الوطنية الأصيلة التي تقارع أعداء الله والإسلام وأعداء الإنسانية جمعاء، وأن تلتف حول الشعوب والقوى العربية والإسلامية التي تشارك في هذه المعركة المقدسة وعلى رأسها محور المقاومة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا وإيران، كخيار وحيد للدفاع عن وجود الأمة قبل أن نتساقط تباعاً إذ ما سقطت غزة.
على إمتداد الحروب السابقة، لم يحدث قط أن خذلت البندقية العربية أصحابها، طاولات الساسة التي دبرت في ليل دامس، هي التي خذلت العرب واختطفت النصر من أفواه البنادق وسواعد الأبطال ووضعته في أرشيف السلام المزيف، من “كام ديفيد” إلى “أوسلو”. هذا زمن البندقية فالتلفوا حولها أيها العرب، ودعوها تمضي حتى النهاية التي ستضمن النصر الموعود والعظيم لكل العرب والمسلمين.
وإذ تتجه الشعوب العربية للحاق بدرب الشرفاء والأحرار في المعركة المقدسة، فإن ذلك لا شك سيمهد تلقائيا لأن تستعيد الشعوب قرارها الوطني والسيادي، لتحرير توجهاتها وأرضها وثرواتها من سطوة الهيمنة الأمريكية الغربية، ومن ثم الانتصار لقضاياها العادلة وأوجاعها الدامية، وذلك يفتح الأمل لمرحلة جديدة من الاستقرار لدول المنطقة على كافة المستويات والأصعدة الداخلية والخارجية رغم كل التهديدات والتحديات.
إلى ذلك، فإن غزة اليوم هي الحقيقة الساطعة التي لا تقبل الحياد أو القسمة على اثنين، وهي الاختبار الحقيقي لمستقبل الآدمية، ومحور الارتكاز لفرز جينات وعينات المليارات من الناس، لمن يستحق البقاء من أسوياء البشر وأحرارهم، أو من يفضّل الخنوع والخضوع تحت مقصلة الصهيونية وأقذر آلات القمع والسلطوية على إمتداد العالم، بل هي كسفينة نوح في زمن الخيانة والتيه.. فمن سينجو من العرب ويحدد مصيره، فلا عاصم اليوم من أمر الله.