موقف اليمن المساند لغزة يفرض نفسه على ملف الحرب اليمنية السعودية (تقرير)
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
لم يكن للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن يتحرك لتحريك المياه الراكدة في الملف اليمني التي أرادت واشنطن أساساً جعلها راكدة وإبقاء الوضع في اليمن في حالة لا سلم ولا حرب مع عدم رفع الحصار نهائياً وإبقاء الحالة الاقتصادية في البلاد منقسمة، لم يكن لهذه المياه أن تتحرك لولا الموقف اليمني الذي تبنته صنعاء قولاً وفعلاً في مساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإعلان الحرب على الكيان رداً على العدوان الإجرامي الذي يشنه الكيان ضد الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
هذا الموقف الذي تبلور من مساندة شعبية وسياسية بالقول والموقف والكلمة والفعاليات الرسمية والشعبية، تجسد أيضاً كأفعال قوية ومؤثرة لم يسبق أن أقدمت على فعلها أي دولة عربية في القطر منذ أن بدأ الاحتلال اليهودي للأراضي الفلسطينية أواخر أربعينيات القرن الماضي وحتى ما قبل 7 أكتوبر 2023.
رأت أمريكا أن الذي دفع باليمن لاتخاذ موقف مساند لغزة بالقول والفعل وبفرض حصار بحري على الملاحة الإسرائيلية وقطعها تماماً من المرور بالبحرين الأحمر والعربي، هو عدم وجود ما يخاف اليمنيون عليه أن يفقدونه في حال اشتراكهم في الحرب، ولهذا دفعت واشنطن بتحريك المياه الراكدة في مسألة ملف الحرب في اليمن وبين اليمن والسعودية في خطوة ترى واشنطن أنها ستدفع اليمنيين نحو وقف عملياتهم في البحار ضد الملاحة الإسرائيلية وضد الملاحة الأمريكية والبريطانية للرد على الاعتداءات التي تقدم عليها أمريكا وبريطانيا في قصف اليمن من الجو ومن البحر.
فدفعت واشنطن نحو حل أبرز معضلة عالقة بين الرياض وأبوظبي فيما يخص المناطق الجنوبية لليمن التي يتقاسم البلدان الهيمنة والنفوذ عليها، وهو ملف الحكومة التي كان يرأسها معين عبدالملك (شكلياً) والذي أزيح بتعيين أحمد عوض بن مبارك (وزير الخارجية في هذه الحكومة) كبديل عن معين عبدالملك، وبن مبارك هو ربيب السفراء الأمريكيين السابقين لدى اليمن منذ 2011 حتى اليوم.
ما لم ينتبه له أحد أن قرار تعيين بن مبارك المعروف بتبعيته للولايات المتحدة الأمريكية رأساً، جاء في اليوم نفسه الذي زار فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المملكة السعودية والتقى في تلك الزيارة الخاطفة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث كان سبب الزيارة الضغط على السعودية ودفعها للمساهمة في منع توسع الصراع في المنطقة، وتقصد أمريكا بعبارة “عدم توسع الصراع” عدم اشتراك اليمن في مساندة غزة عسكرياً.
يبدو أن الحل من وجهة النظر الأمريكية لإشغال صنعاء عن مساندة الشعب الفلسطيني وعن استمرار فرض حظر على الملاحة الإسرائيلية من البحرين الأحمر والعربي هو بالتصعيد العسكري ضد صنعاء عبر الأدوات المحلية التي تتحكم بها السعودية والإمارات، لكن التصعيد يتطلب توحيد الفصائل المسلحة التابعة للرياض أو لأبوظبي وتوحيد هذه الفصائل يتطلب أولاً حل إشكالية رئيس الحكومة.
لم يكن أحد من الأطراف السياسية اليمنية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي التي يقيم جميع قياداتها في السعودية أو الإمارات ودول أخرى، لم يكن أي طرف منهم أن يكون رئيس الحكومة الجديد هو بن مبارك، فحتى الإصلاح الذي وعلى الرغم من أن بن مبارك جاء من حاضنته نوعاً منذ احتجاجات 2011 التي أطاحت بنظام صالح فهو أيضاً لم يكن يرغب في أن يكون بن مبارك هو البديل عن معين.
تنصيب واشنطن لربيب سفاراتها في اليمن، بن مبارك، كرئيس للحكومة المنفية، كانت خطوة – بالنسبة لواشنطن – في محلها وتختصر الكثير من الوقت، إذ لن يجرؤ أحد لا في الرياض ولا أبوظبي أن يعترض على الرغبات والأوامر الأمريكية، وبالتالي لن يجرؤ أحد على عرقلة بن مبارك كما حدث في بعض المحطات مع معين عبدالملك الذي كان تارة يعمل مع هادي ومن بعده رشاد العليمي، وتارة يعمل لصالح الانتقالي والإمارات، أصبح الآن بن مبارك هو رجل السفير الأمريكي ومن يواجهه أو يقف بوجهه فهو يقف بوجه السفير والمبعوث الأمريكيان لدى اليمن، لذا على الأرجح سيتخلى الجميع (جميع الأدوات المحلية والإقليمية) عن فكرة استغلال بن مبارك سلباً أو إيجاباً لتحقيق رغبات ومصالح أي طرف من هذه الأطراف، حتى رشاد العليمي بنفسه لن يكون قادراً على الاعتراض على بن مبارك، وعلى هذا الأساس للجميع أن يتخيل المشهد الذي ستكون عليه سلطة التحالف السعودي الإماراتي المنفية خلال المرحلة القادمة.
بعد أيام قليلة جداً من تعيين بن مبارك رئيساً للحكومة، سمحت السعودية – مجبرة طبعاً – بعودة كل المسؤولين الموالين لها وللإمارات بالعودة إلى عدن وممارسة مهامهم من هناك باعتبار أن ملف رئيس الحكومة قد تم الفصل فيه بناء على الرغبة الأمريكية وليس بناءً على توافق الأطراف المتشاركة في الحكومة والسلطة المنفية، وما إن عاد مسؤولوا التحالف إلى عدن حتى تقاطر المسؤولين الدبلوماسيين الغربيين إلى هناك بدءاً بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ.
ترى واشنطن أن الدفع نحو عملية سياسية للاتفاق في اليمن (حتى وإن كان هذا الدفع شكلياً ومجرد حبر على ورق حتى اللحظة) ترى أنه سيدفع صنعاء نحو تغيير موقفها من مساندة غزة والقيام بواجبها الديني والقومي والإسلامي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني المحاصر.
في المقابل أكدت صنعاء أن الخلط بين ملف الحرب على اليمن وملف دور اليمن في مساندة قطاع غزة أمر غير مقبول.
فكبير المفاوضين اليمنيين التابعين لصنعاء، محمد عبدالسلام، يجري مع فريقه المفاوض لقاءات مكثفة بدأت بالتزامن مع تحريك واشنطن للمياه الراكدة في ملف الحرب بين اليمن والسعودية، هذه اللقاءات تتم في العاصمة العمانية مسقط، وطرفها الآخر هم الدبلوماسيون الدوليون، ولكن حتى مع كون هذه اللقاءات تتم تحت غطاء وسقف ملف الحرب على اليمن بقيادة التحالف السعودي، إلا أن كلاً من المبعوث الأمريكي والمبعوث الأممي والدبلوماسيون الغربيون المدفوعون من أمريكا يصرون على ربط ملف حرب التحالف السعودي على اليمن بملف دور اليمن العسكري في مساندة الشعب الفلسطيني في غزة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا الصدد أكد عبدالسلام على مبدأ فصل ملف مفاوضات السلام اليمنية السعودية أو اليمنية اليمنية مع ملف العمليات العسكرية لصنعاء في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب ضد الملاحة الإسرائيلية ومن يساندها.
باتت إذن واشنطن ومعها حلفائها في المجتمع الدولي على إدراك جيد بضرورة تغيير الرؤية تجاه مسألة اليمن، والحاجة الشديدة لحلها – لعل ذلك يدفع اليمنيين نحو الانشغال بشأنهم الداخلي وعدم التدخل في مساندة غزة – “من وجهة النظر الأمريكية” لكن حتى مع هذه الرؤية لا يزال المشهد بالنسبة للغرب ضبابياً، وازداد ضبابية أكثر مع فشل التدخل العسكري الأمريكي البريطاني لتحييد اليمن عن مهمة مساندة الفلسطينيين، لدرجة أن واشنطن فشلت حتى في حماية سفن شحنها التجارية التي تعبر من البحر الأحمر تحت حماية البوارج الحربية الأمريكية والتي فشلت أكثر من مرة في فرض عبور بعض سفنها التجارية المتجهة لإسرائيل واضطرت لتحويل مساراتها نحو طريق رأس الرجاء الصالح على وقع الضربات الصاروخية البحرية اليمنية التي طالت أيضاً السفن الحربية الأمريكية باعتراف الأمريكيين أنفسهم والذين سقط منهم جنود من مشاة البحرية في باب المندب في إحدى المواجهات التي حدثت بينهم وبين البحرية اليمنية.