مصر ومجزرة رفح الكبرى
أنيس الخصاونة – وما يسطرون|
نتابع ليل نهار ما يجري من مجازر في غزة وجباليا وعبيسان الكبرى ومخيمات النصيرات والمغازي وغيرها ، ونستمع لما يقوله كيربي منسق الاتصال في المجلس الأمني الأمريكي والناطق الرسمي باسم قوات الكيان المحتل، لنخرج بقناعة تامة أن الأمور لم تعد بحاجة لتحليل الخبراء واستقراء المحللين السياسيين، وأن المجزرة الكبرى قادمة لا محالة .لم يعد ينطلي على كل ذي لب أن التهجير على الأبواب ،وأن هناك لين ومرونة من الجانب المصري لاستيعاب المخطط الصهيوني حتى وإن تم شجبه على الصحف ووسائل الإعلام.
لا يمكن للتهجير أن يتم دون موافقة المصريين الذين يتزاحم مليون واربع مائة ألف من أهل غزة على حدودهم .تصريحات السلطات المصرية لم تعد تقنعنا خصوصا بعد أن تذرع الصهاينة امام محكمة العدل الدولية بأن مصر هي التي تغلق المعبر دون رد مصري ،وقد دعم ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن قبل أيام والتي قال فيها أن الرئيس المصري لم يكن يرغب بفتح المعبر لنقل المساعدات لأهل غزة لولا تدخله وإقناعه للرئيس السيسي( إنها لسخرية القدر حقا).
نعم مجزرة المجازر قادمة حتى وإن تم التوصل لإتفاق حول الرهائن ،فالإتفاق يمكن أن يؤجل المجزرة ولا يلغيها ،والمقاومة ربما تدرك ذلك ولكنها لا سند لها من بني جلدتها الذين يتباكون على غزة وأهلها.مصر هي بيضة القيان في موضوع غزة لكونها “الشقيقة الكبرى” ولكونها تشترك بحدود جغرافية مع غزة.
منذ بداية الأزمة تصر مصر على أن تكون وسيطا وليس طرفا متأثرا بما يحدث في غزة …ومصر يصرح رئيسها ناصحا الكيان الصهيوني بأن يهجر الغزيين الى صحراء النقب …ومصر التي ينسق معها الكيان المحتل بشأن عملية عسكرية وشيكة على محور فيلادلفيا…ومصر التي يواجه الغزيين الأمرين في دخولهم للإستشفاء فيها ويدفعون الآف الدولارات بشكل لا يخلو من الإبتزاز ،فهذه المواصفات لا تترك مجالا للشك بأن شيئا ما يتم خلف الكواليس وأن نكبة جديدة تنتظر أهل غزة ،وأن دولة عربية كبرى لم تفعل ما يجب فعله غير الكلام والتصريحات الجوفاء.
مصر التي ترتبط بمعاهدة سلام مع الكيان الصهيوني لم تسحب سفيرها ولم ( تحمر عينها) ،ولم تصدر تهديدا مبطنا بإعادة النظر بمعاهدة السلام. كان يمكن لمصر إعلان حالة الطوارئ على سبيل المثال… وكان من الممكن التهديد بإغلاق المجال الجوي والبحري المصري أمام طائرات وسفن الكيان،ومصر كان بإمكانها أن تدافع عن الجنسية المصرية التي يحملها عشرات الألاف من الغزيين والغزيات،ومصر كان بإمكانها مراجعة اتفاقيات الغاز والطاقة مع سلطات الإحتلال الغاشم.
مسؤولية الأرواح التي ستزهق في رفح ستتحملها ،ولو جزئيا ،السلطات المصرية التي تصر على أن تكون وسيطا نزيها بين أطفال غزة ونسائها والطغاة من سلطات الاحتلال.مصر تحجم عم لعب دورها القومي والديني تجاه شعب مسلم عربي جار يتعرض لكل هذا التنكيل والفضائع.
إسرائيل تستنصر بكل يهود العالم وبعضا من مسيحييه الذين ينتظرون نسختهم من المسيح المنقذ واهل غزة ينتظرون السلطات المصرية وقياداتها لتكشر قليلا عن أنيابها وتتبنى الحد الأدنى من المواقف التي تنقذ أرواح الغزيين الذين تنتهك حرماتهم وحقوقهم. إلى متى يا مصر الكنانة…إلى متى يا مصر الملايين…إلى متى يا مصر عمرو ابن العاص…
*كاتب اردني – رأي اليوم.