بين محورين: استراتيجية المقاومة تدخل حلف “إسرائيل” في حالة هستيريا
علي ظافر – وما يسطرون|
بشكل هستيري، وعلى نحو غير مفاجئ، شن تحالف “إسرائيل” عدوانا جديداً بقرابة 50 غارة على صنعاء ومحافظات الحديدة وحجة وتعز والبيضاء وصعدة الأحد، وذلك بعد ليلة عدوانية مماثلة على العراق وسوريا، في خطوة تنذر باتساع رقعة الصراع والمواجهة ضمن معركة الإرادات على امتداد المنطقة.
وفيما يكشف العدوان الأميركي البريطاني زيف الادعاء الأميركي بالرغبة في عدم توسيع دائرة الصراع، فإنه يتناقض تماماً مع الحديث عن بوادر تهدئة في غزة التي تتعرض لجرائم الإبادة والتهجير والحصار منذ أكثر من 4 أشهر.
يعتقد “تحالف إسرائيل”، وعلى رأسه أميركا وبريطانيا، أن عسكرة المنطقة ستجبر خصومه على الرضوخ والاستسلام. وربما دخلت “إسرائيل” وأميركا وبريطانيا في حالة من الهستيريا الجماعية نتيجة فشلهم المشهود في غزة وبفعل جبهات الإسناد، فلجأوا إلى هذا الخيار من دون رؤية واستشعار لعواقب هذه الحماقة التاريخية.
ولو توقف الأميركي والبريطاني لحظة واحدة عند مقولة أحد الشبان اليمنيين -بلهجته المحلية وبلكنته الصنعانية الباعثة على الفخر والاعتزاز- أثناء القصف على صنعاء: “والله لو تحرقوا صنعاء يا أميركا حريق! احنا مع غزة”، لأدركا أن الرهان على القوة العسكرية ومنطق القوة والبلطجة مرفوض تماماً.
ونحن هنا لا نتحدث عن حالة واحدة، بل عن نموذج يعبر عن موقف كل اليمنيين الأحرار، بمن فيهم الملايين الذين احتشدوا في 40 ساحة يمنية على امتداد الخريطة الوطنية، بأن اليمن مستعد بكل رضا لدفع ضريبة مساندته غزة، مهما كان الثمن، ويؤكد أن الهدف السياسي الأميركي البريطاني من وراء ذلك العدوان العسكري الهمجي وغير المبرر، وهو ثني صنعاء عن مساندة غزة، أمر غير ممكن، بل شبه مستحيل.
ربما تكرّر الموقف بلهجات يمنية متعددة (التهامية، والصعدية، والبيضانية، والتعزية) في لحظة العدوان الهستيري الأميركي البريطاني على اليمن في التأكيد على دعم خيارات الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني العزيز، ورفض التراجع عن ذلك تحت وطأة القصف والتهديد، والتمسك بمعادلة الحصار بالحصار والنار بالنار والتصعيد بالتصعيد، حتى ينتهي العدوان على غزة ويسمح بدخول متطلبات الحياة الإنسانية إليها.
ولأنّ الأميركيّ لديه جهل مركّب، ومثله المستعمر البريطاني الذي خرج صاغراً من جنوب اليمن، فهما يواصلان ترديد سيمفونيتهما المعهودة لمحاولة صناعة صورة نصر، إذ زعمت القيادة الأميركية الوسطى والبيان الأميركي البريطاني المشترك أنَّ القصف استهدف “مرافق تخزين تحت الأرض” و”قيادة وسيطرة” و”أنظمة صواريخ وعمليات مسيرة ورادارات…”، بما يوهم الرأي العام الأميركي والبريطاني والعالمي بأنهم حققوا معجزة وحيّدوا ما يصفونه بـ”التهديد الحوثي” والقدرات العسكرية، مع أنهم سيُفاجأون بحجم الرد المقبل، لأن الواقع مغاير تماماً لـ”تصنيع الواقع”.
وتؤكد مصادر عسكرية يمنية مطلعة أن العدوان الأميركي تركز على جبال مهجورة ومناطق مفتوحة وخالية، وأنهم يقصفون المقصوف أصلاً، باستثناء شبكة اتصال مدنية، ولم يكن لعدوانهم أي تأثير في قدرات الجيش اليمني، وهذا بحد ذاته يظهر حجم الفشل الاستخباراتي والعسكري الأميركي والبريطاني معاً، ويظهر حجم الإفلاس والتخبط وانعدام الرؤية، ويؤكد أن الأميركي والبريطاني يقاتلان بالنيابة عن “إسرائيل” في اليمن، كما في العراق وسوريا، وأنهما شريكان في جرائم الإبادة في غزة، إذ جاء العدوان على اليمن بعد عدوان مماثل على العراق وسوريا بأكثر من 48 ضربة، وفق ما أعلنته الدوائر الرسمية الأميركية.
ما لا تدركه إدارة بايدن المأزومة في تكساس تحديداً أو تحاول التعامي والقفز عليه هو أن توسيع رقعة الصراع في المنطقة قد يجلب عليها وعلى مصالحها مخاطر كبيرة وكثيرة، وعلى نحو غير مسبوق، وقد يعرض مصالح الشعب الأميركي للخطر في سبيل حماية المجرم الإسرائيلي، فالعدوان بلا أدنى شك لن يمر من دون رد، وقد يكون مزلزلاً من قبل محور الجهاد والمقاومة الممتد في منطقة غرب آسيا.
استراتيجية الإيذاء والتشتيت
إسناداً لغزة ومظلومية أهلها، وإصراراً على ضرورة وقف العدوان عليها بشكل عاجل ودائم، يواصل محور الجهاد والمقاومة عملياته النوعية بحرفية عالية في فلسطين واليمن وجنوب لبنان والعراق وسوريا.
وتشمل المواجهة البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وقد تمتدّ إلى البحر الأبيض المتوسط، وفق استراتيجية الإيذاء والتشتيت، بمعنى إلحاق أكبر أذى وخسائر مادية وبشرية بالعدو الإسرائيلي ومن يسانده عسكرياً واقتصادياً في الدرجة الأولى، وتشتيت جهودهم وقواتهم حتى لا يسمح لهم بالاستفراد بغزة أو غيرها وبتجزئة المعركة. وقد حقق المحور نجاحاً ملموساً وفقاً لهذه الاستراتيجية الحكيمة.
في غزة، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من إجهاض أهداف العدو الإسرائيلي، ودمّرت أكثر من 140 آلية ودبابة تدميراً كلياً أو جزئياً، وقتلت وجرحت آلاف الضباط والجنود، وهشّمت على نحو غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي صورة “الجيش الذي لا يقهر”، وحطّمت عقيدته العسكرية القائمة على الاستشعار والحماية والردع.
وقد ساندها في ذلك حزب الله على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، إذ نجح في استنزاف قدرات العدو الإسرائيلي وإفقاده السيطرة المعلوماتية من خلال استهداف أجهزة الرصد والتشويش والتجسس بشكل يومي، ودفعه إلى سحب نصف القوات البرية والبحرية والدفاعات الجوية الإسرائيلية، وكبده خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة في الجانب العسكري والزراعي والصناعي والسياحي، وأجبر مستوطنيه على مغادرة المستوطنات شمال فلسطين، وهي قضية مؤرقة لحكومة العدو.
وسجّلت المقاومة الإسلامية في العراق أكثر من 150 عملية في العراق وسوريا، من بينها العملية المؤلمة على حدود الأردن التي أسفرت عن مقتل 3 جنود وإصابة أكثر من 34 آخرين، إضافة إلى عمليات نوعية باتجاه حيفا والمتوسط وإيلات.
في المقلب الآخر، ثبتت القوات اليمنية معادلة “إيلات ليست آمنة” من صواريخها ومسيراتها، ونجح اليمن في فرض حصار بحري خانق على العدو الإسرائيلي من خلال معادلة استهداف السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى الكيان، فعطل ميناء “إيلات” وأخرجه عن الخدمة، وعرضه لخسائر اقتصادية مباشرة تقدر بـ3 مليارات دولار، وفقاً لبعض التقارير، وأربك سلاسل التوريد، وأسهم في رفع أسعار السلع داخل فلسطين المحتلة.
وقد أظهرت معلومات ملاحية توقفاً شبه كامل خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير في ميناءي “إيلات” و”عسقلان”، فضلاً عن استنزاف منظومات الاعتراض (مقلاع داوود) التي يكلف صاروخها الواحد 3.5 مليون دولار. وينسحب الأمر على الأميركي نفسه في البحر الأحمر وخليج عدن لناحية الاستنزاف والخسائر، إذ إن الصاروخ الواحد بقيمة مليوني دولار، والأهم من ذلك أن اليمن بقدراته المتطورة يتجاوز المنظومات الأميركية والبريطانية.
وقد تمكّن الجيش اليمني بفضل الله من كسر شوكة أميركا وبريطانيا في البحر الأحمر وخليج عدن، وحطّم هيبة ردعهما بعدما كانا يقدمان نفسيهما شرطيي العالم وقوتين بحريتين لا يستهان بهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يكن ذلك ليحصل لولا تدخلهما المباشر في حماية المجرم الصهيوني والعدوان على اليمن.
لقد أثبتت التجربة أن العدوان الإسرائيلي الأميركي البريطاني لم يزد اليمن إلا قوة ومنعة، بل إن مواصلة العدوان ستمكن اليمن والعراق وسوريا وغزة ولبنان من تطوير قدراتهم وتكتيكاتهم واستراتيجيتهم الموحدة القائمة على الإيذاء والتشتيت.
وقد نشهد خلال المرحلة المقبلة عمليات مفاجئة من خارج حسبان “إسرائيل” وأميركا وبريطانيا ما لم يذعنوا لشروط المقاومة بوقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة، والسماح بدخول الاحتياجات الإنسانية إليها من دون قيد ولا شرط، فالدبلوماسية هي الحل، وليس غيرها، وسيكتشفون ذلك، لكن بعد فوات الأوان.