ماذا يحتاج الغرب لفهم “العقلية اليمنية” و”فك شفرة أنصار الله”؟
متابعات – إبراهيم القانص|
أكد كاتب برازيلي أن أنصار الله الحوثيين يقلبون الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجيوسياسي رأساً على عقب، بما قال إنه “محيطات من الدهاء والفطنة الاستراتيجية، وليس فقط بصواريخهم وطائراتهم المسيّرة”، منوهاً بأن “الغرب بحاجة إلى الاطلاع على بعض الحقائق التاريخية ليفهم العقلية اليمنية”.
وقال بيبي إسكوبار، في مقال نشره موقع “المهد” بعنوان: (كيف تعيد “الحَمِيَّة” اليمنية تشكيل الجغرافيا السياسية)، ورصده وترجمه “يمن إيكو”: “لقد أوضحت قوات أنصار الله الحوثيين في اليمن، منذ البداية، أنها فرضت حصاراً على باب المندب وجنوب البحر الأحمر فقط ضد سفن الشحن المملوكة لإسرائيل أو المتجهة إليها. وكان هدفهم الوحيد، ولا يزال، وقف الإبادة الجماعية في غزة التي يرتكبها المختلون الإسرائيليون الكتابيون”.
وتحدث عن الاستراتيجية التي تستخدمها قوات صنعاء، قائلاً: “بحركة واحدة، استحوذت القوات اليمنية على الميزة الاستراتيجية من خلال السيطرة الفعلية على عنق الزجاجة الجيواقتصادي الرئيسي: باب المندب”، مضيفاً أن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد يدفع بالحوثيين إلى توسيع عملياتهم البحرية، مؤكداً أن “لدى أنصار الله القدرة على مضاعفة جهودهم، إذا لزم الأمر”.
وقال إن “تجاراً في الخليج العربي أكدوا بشكل غير رسمي، أحاديث مستمرة مفادها أن اليمن قد يفكر في فرض ما يسمى بـ”مثلث الأقصى” الذي سمي على غرار “طوفان الأقصى”، مؤكداً أن “مثل هذه الخطوة ستعني الإغلاق الانتقائي ليس فقط لطريق باب المندب والبحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، ولكن أيضاً مضيق هرمز، وقطع إمدادات النفط والغاز إلى إسرائيل من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن أكبر موردي النفط لإسرائيل هم في الواقع أذربيجان وكازاخستان”.
وأكد الكاتب البرازيلي: “هؤلاء اليمنيون لا يخافون من شيء. وإذا تمكنوا من فرض المثلث- في هذه الحالة فقط بمشاركة إيرانية مباشرة- فمن شأنه أن يحقق التصميم الكبير لقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة”، لافتاً إلى أن هذه الخطة “تحمل إمكانية واقعية لإسقاط هرم مئات التريليونات من الدولارات من المشتقات المالية، وبالتالي النظام المالي الغربي برمته”.
وأوضح أن اليمنيين تمكنوا حتى الآن من إضعاف مصداقية الرواية الأمريكية التي وصفها بأنها كذبة كبيرة سمينة، وهي أن “أنصار الله يهاجمون الاقتصاد العالمي بالكامل”، موضحاً أن “عمالقة التأمين في الغرب فهموا تماماً قواعد الحصار المحدود الذي فرضه أنصار الله: فالسفن الروسية والصينية، على سبيل المثال، تتمتع بحرية المرور في البحر الأحمر. لقد رفضت شركات التأمين العالمية فقط تغطية السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، تماماً كما أراد اليمنيون”.
وبشأن الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، ومدى تأثيرها على أنصار الله، قال إسكوبار: “لا يوجد دليل قوي على أن البنتاغون لديه أدنى فكرة حول ما تضربه صواريخ التوماهوك في اليمن. وحتى امئات من الصواريخ لن تغير شيئاً”، مذكِّراَ بأن “أنصار الله، الذين تحملوا بالفعل ثماني سنوات من القوة النارية المتواصلة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، وانتصروا بشكل أساسي، لن يلينوا اليوم بسبب بضع ضربات صاروخية”.
إسكوبار تطرق إلى الدوافع الأخلاقية والدينية والإنسانية التي استند إليها أنصار الله الحوثيون حين اتخذوا قرار حظر الملاحة أمام السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، بالحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، قائلاً: “من المفيد للغاية الاستماع إلى الطريقة التي يصوغ بها رئيس حكومة صنعاء عبد العزيز بن حبتور قرار مبادرة أنصار الله بشأن الحصار على إسرائيل، واستناده إلى جوانب إنسانية ودينية وأخلاقية، والذي يشير بشكل حاسم إلى “أهلنا في غزة”.
وقدم سردية تاريخية موجزة تربط التاريخ بالجغرافيا، “من إنشاء إسرائيل إلى أزمة قناة السويس وحرب فيتنام، يتذكر رئيس الوزراء اليمني كيف وصل الإسكندر الأكبر إلى شواطئ عدن وجزيرة سقطرى لكنه هزم، وحاول الغزاة احتلال عاصمة دولة سبأ التاريخية وفشلت، وكم دولة عبر التاريخ حاولت احتلال الساحل الغربي لليمن وفشلت؟ بما في ذلك بريطانيا”، مؤكداً أن “من المستحيل تماماً بالنسبة للغرب وحتى للأغلبية العالمية أن يفهموا العقلية اليمنية بدون تعلّم بعض الحقائق التاريخية”.
كما تحدث إسكوبار في مقاله تحت عنوان فرعي “ابن خلدون يفك شفرة أنصار الله”، قائلاً إن أستاذ التاريخ العالمي ابن خلدون في القرن الرابع عشر، كان بشكل حاسم سلفاً لكانط، الذي قدم رؤية رائعة مفادها أن “الجغرافيا تكمن في أساس التاريخ”، وفهم كيف أشار أفلاطون إلى القوة الأخلاقية لـ”الشعب الأول” في تيماوس، عام 360 قبل الميلاد”، موضحاً: “نعم، يتلخص هذا في القوة الأخلاقية، وهي بالنسبة للغرب مجرد كلام، أما بالنسبة للشرق فهي فلسفة أساسية”.
وتابع: “لقد أدرك ابن خلدون كيف بدأت الحضارة، وتجددها باستمرار على يد أناس يتمتعون بالخير الطبيعي والطاقة، الأشخاص الذين فهموا واحترموا العالم الطبيعي، الذين عاشوا النور، متحدين بالدم أو تجمعهم فكرة ثورية مشتركة أو دافع ديني”، مشيراً إلى أن ابن خلدون عرَّف “الحَمِيَّةَ” بأنها “القوة التي تربط الناس ببعضهم البعض”، مردفاً بالقول: “مثل العديد من الكلمات في اللغة العربية، تعرض “الَحَمِيَّةُ” مجموعة من المعاني المتنوعة والمترابطة بشكل فضفاض، ويمكن القول إن الأمر الأكثر أهمية هو روح العمل الجماعي، وروح الفريق، والتضامن القبلي، تماماً كما يظهر أنصار الله”.
واستناداً إلى تعريف ابن خلدون للحميَّة، قال إسكوبار: “من المؤكد أننا نعيش لحظة “حَمِيَة”، سببتها القوة المعنوية لأنصار الله”، موضحاً: “عندما يتم تسخير قوة “الحَمِيَّة” بالكامل، وتصل إلى ما هو أبعد من القبيلة، فإنها تصبح أقوى من مجموع أجزائها الفردية، ويمكن أن تصبح حافزاً لإعادة تشكيل التاريخ، لإنشاء الإمبراطوريات أو كسرها، لتشجيع الحضارات. أو إجبارها على الانهيار”.
البرازيلي إسكوبار أكد أن أنصار الله هم الوحيدون الذين فهموا تهديد الصهيونية ويعملون على إيقافه، وفضحوا أيضاً كيف كانت القوى العالمية المسنودة بالمال تتحكم في قرارات اليمن السياسية والسيادية، بقوله “لقد فهم أنصار الله بالفطرة التهديد الذي تمثله الصهيونية الأخروية، والذي يشبه الحروب الصليبية المسيحية قبل ألف عام. وهم الوحيدون تقريباً، من الناحية العملية، الذين يحاولون إيقافه، والآن يفضحون الهيمنة البلوتوقراطية مرة أخرى، التي دمرت اليمن، أفقر دولة قومية عربية، حيث لا يزال نصف السكان، على الأقل، يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.
واختتم إسكوبار مقاله بالإشارة إلى أن أنصار الله يستطيعون دائماً زيادة الضغوط من خلال التمسك بخطابهم بقوة، ومدفوعين بقوة “الحَمِيَّة”، مؤكداً أن تورط الولايات المتحدة في مواجهة مع اليمن سيجعل تجربتها في أفغانستان والعراق وسوريا تبدو وكأنها “عطلة نهاية أسبوع في ديزني لاند”.
نقلا عن البوابة الإخبارية اليمنية.