اليمن محور دولاب التداعيات.. من الطوفان إلى بركان يهز خارطة النفوذ الجيوسياسي لمحور الصهيونية (الجزء الثاني)
علي احمد جاحز – وما يسطرون|
مع اهمية التنويه ان تداعيات الطوفان ذات الأثر الاستراتيجي على المنطقة والعالم لاتزال تتخلق في رحم التجاذبات بين تكتيكات محور المقاومة وتخبط محور الصهيونية وتربص الاقطاب المراقبة، فلم يعد ثمة شك في ان دخول اليمن الى مسرح تداعيات الطوفان، يمثل المتغير الأخطر والاكثر غليانا وراء قلق المحور الصهيوني ازاء الاحداث المتسارعة وما يمكن ان ينتج عنها، بل ربما يكون من الانصاف القول ان اليمن بات يضبط ايقاع التداعيات التي بدورها تدور حوله كما تدور عجلة الدولاب حول محورها، فهل بات اليمن بالفعل يمثل الان محور دولاب التداعيات نفسها؟
– كيف اصبح اليمن محور دولاب التداعيات؟
قدرة القوات البحرية اليمنية على مواصلة عملياتها الضاغطة باتجاه ايقاف حرب الابادة الصهيونية بحق الفلسطينيين في غزة من خلال تمكنها من فرض حظر لسفن الكيان والمتجهة الى موانئه، واثبتت قدرتها على احكام قبضتها على مسار الملاحة في البحرين الاحمر والعربي، بل واثبتت قدرتها على تصعيد العمليات ازاء ضربات العدوان البريطاني والامريكي بإضافة حظر سفنهما ايضا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ان تصعيد محور الصهيونية على اليمن قابله تصعيد وصل الى ضرب مباشر وموجع للقطع البحرية العسكرية الامريكية، وهذا يعتبره مراقبون تطورا غير مسبوق وغير متوقع اطلاقا في المنطقة، الأمر الذي جعل المحور الصهيوني أمام خيارين أحدهما امر من الاخر.
وبدلا من أن تنجح ضربات رؤوس الصهيونية أمريكا وبريطانيا على اليمن في الضغط عليه للتراجع واستعادة هيبتها واثبات بقاء هيمنتها في البحر، وجدت نفسها امام ردود فعل غير متوقعة في المجتمع الدولي والاقليمي كلها جاءت على غير العادة متوازنة وتربط موقف اليمن بالحرب على غزة، وهو ما اعتبره الامريكي والبريطاني تطورا اضافيا ومربكا و لم يكن محسوبا ولم يعتد عليه من قبل، يضاف الى كل ذلك ظهور قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك الحوثي مؤخرا بخطاب تصعيدي وصف بانه خطاب تحول وجه بوصلة الهجوم نحو الصهيونية العالمية ودعا لجهادها ورسم مسارا جهاديا لتحرير المنطقة من هيمنتها.
الخطاب ومضامينه ورسائله مع ما سبقه وما لحق به من ضربات بحرية جريئة للقطع البحرية العسكرية الامريكية التي لم يجرؤ احد على ضربها منذ الحرب العالمية الثانية تقريبا، كلها اسهمت في صعود اسهم ونقاط اللاعب اليمني امام رؤوس الصهيونية في معركة لم تزل في مخاضها، الامر الذي رفع منسوب القلق والشعور بالخطر لدى محور الصهيونية الى مستوى اعلى.
– منطلقات ايديولوجية .. عدوان وترهيب في البحر:
تتعمد رؤوس الصهيونية امريكا وبريطانيا الترويج لقدراتها العسكرية الضخمة في البحر الاحمر والبحر العربي وغيرها من الاحواض المائية في المنطقة عبر فيديوهات وافلام وثائقية حديثة ممولة في اليوتيوب ومنصات التواصل كلها، وذلك في سبيل ترميم الصورة الذهنية للهيمنة والهيبة التي تكسرت امام صلابة الموقف اليمني وعدم تأثره بالضربات بل ومقابلة ذلك بالتصعيد. فالمحور الصهيوني يرى ان الحفاظ على الهيمنة وتواجده عسكريا في المنطقة العربية خاصة “تحرك جهادي” ان صح التعبير من منطلقات ايديولوجية يهودية، وازداد هذا الشعور حضورا ضمن منطلقاتهم عندما برز الخطاب الجهادي الذي ينطلق من منطلقات اسلامية قرآنية والتي تمثل الخطر التاريخي لليهود، ومن ذات المنطلق يعتبر محور الصهيونية ان الترويج والاستعراض بذلك الشكل المكثف ترهيب مهم واساسي نحو خلق حالة هلع وذعر وارتباك لدى الجمهور الذي يتفاعل بقوة في الشارع اليمني والعربي..
ونعتقد ان محور الصهيونية لم يكن يغفل عن تأثير وفاعلية دعوة قائد الثورة اليمنية للجهاد وتسمية المعركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ولذلك وجد نفسه مجبرا على مجاراتها، ولكن لان من الصعب عليه ان يعلن تبنيه للمنطلقات الصهيونية “ايديولوجيا اليهودية”، فقد عمد الى اعلان منطلقات ايديولوجية مختلفة من خلال تعديل اسم عملياته العدائية على اليمن من حارس الازدهار الى اسم “Poseidon Archer”، ( مفردة “Poseidon ” تعني في المعتقدات الإغريقية (إله البحر) أما Archer فتعني رامي النبال /السهام. وفي كل الاحوال، فإن اليمن الذي يراد ترهيبه، بدا وكأنه وجد في المواجهة مع رؤوس الصهيونية فرصة لتصفية حساب سنوات من حروب شنتها عليه بالوكالة.
فهل سينجح الامريكي والبريطاني في رد اعتبار هيمنته من خلال تكرار تجربة الحرب مع اليمن؟ ام انه يرى الجدوى في امتحان رقعة اللعبة من خلال صناعة تداعيات لاستدعاء لاعبين اكبر الى مياه اليمن المشتعلة؟
– محور الصهيونية .. في مأزق إجباري:
عند توسيع زووم التتبع والقراءة لتداعيات الطوفان وتداعيات الانبعاث اليمني على امتداد خارطة صراع النفوذ الجيوسياسي من اوكرانيا مرورا بالمنطقة العربية وصولا الى تايوان وكوريا في شرق اسيا، سنكتشف ان محور الصهيونية يرى نفسه مجبرا على ادارة مأزق لا مناص من التورط فيه، وهذا المأزق يأخذ في التعقيد اكثر واكثر كلما تأخر حسم معركة ايقاف الضربات اليمنية او الحد من تصاعدها في وتيرتها ونوعيتها.. فالرضوخ الصهيوني للضغط اليمني وايقاف الحرب الوحشية والحصارعلى غزة هو اقرار بالضعف والهزيمة امام الضغط اليمني واعتراف باليمن كقوة اقليمية جديدة تقضم مساحة استراتيجية من نفوذه الجيوسياسي، وفي المقلب الاخر فإن مآل الغرق في حرب مع اليمن معروف مسبقا وقد جربته بريطانيا وامريكا من خلال ادواتها ولايحتاج خبير. وأيا من المآلين، نتيحة خطيرة ستغري القوى الاخرى على اسقاط هيمنة محور الصهيونية في كل مكان.
فهل ياتي تكثيف امريكا لحملات الترويج لتحرك بارجاتها في بحر الصين، وتحرك قاذفاتها لارهاب اي تحرك ايراني محتمل، واستعراض قوتها العسكرية في بحار العالم، يأتي ضمن استراتيجية الحفاظ على ماء الوجه؟ ام انه تمترس لابد منه امام خارطة نفوذ جيوسياسي تهتز تحت اقدامها؟
– اهتزاز الخارطة الجيوسياسية.. التمترس بركان يغلي:
بالعودة الى موقف الدب الروسي المتوازن من الاحداث والذي مرر قرار مجلس الامن وعاد ليشكك فيه، نجده يراقب ويضع مفاعيل ما يجري لمحور الصهيونية في مقابل اليمن على ميزان المقارنة مع ما يمكن ان يجري مع ذات المحور الذي يقف خلف اوكرانيا والذي انحسر بفعل تداعيات ما يجري في اليمن.. وبالوقت ذاته بدا موقف الصين مشابها لموقف روسيا، ويضاف اليه تهديد الصين لتايوان في حال اعلنت الاستقلال، وكذلك تهديدات كوريا الشمالية للجنوبية. ولعل الحالة نفسها هي ما يفسر دور ايران في معركة الطوفان الذي لم يبارح دور الاب الراعي لمحور المقاومة، وقد كثر اللغط والاستغراب لاحتفاظها بالدور المنتظم خاصة بالنظر الى الضربات الصهيونية الاستفزازية واهمها عمليات الاغتيالات التي طالت قادة كبار في سوريا، وعمليات تفجير داخل ايران، واكتفت الجمهورية الاسلامية بضربات محدودة طالت مقرا للموساد في العراق ومقرات في سوريا وباكستان لجماعات ارهابية، وكل تلك الاهداف اعتبرتها مسؤولة عن عمليات التفجيرات، ولم تشر بياناتها انها ضمن المشاركة في الطوفان ولا ضمن الرد على اغتيال القادة، فالموقف الايراني المساند للطوفان لا غبار عليه، لكنه لم ينجر الى معركة مباشرة مع اسرائيل وامريكا وبريطانيا، فهل ايران ترى ان ثمة ما هو اكبر من معركة الطوفان وان بركانا يغلي تحت رقعة التوزيع الجيوسياسي في العالم؟
– الخلاصة .. عقلية صهيونية شائخة:
سقوط الاقنعة الحضارية والانسانية عن وجه النظام العالمي، واغلاق متعمد للمسارات الناعمة بشكل نهائي، وفي المقابل سقوط اسطورة الجيش الاسرائيلي، واستحالة القضاء على المقاومة في غزة، وارتفاع خطر حزب الله على الكيان، وظهور خطر المقاومة العراقية، الى انبعاث المارد اليمني وتصاعد دوره وارتفاع اسهمه في مناطحة رؤوس الصهيونية، وصولا الى اعتباره محور دولاب تداعيات الطوفان دوليا بعد سقوط الهيبة الامريكية في المنطقة وتهديها بمغادرة المنطقة اوالحرب، وانتهاء بسباقات التموضع والتمترس الذي يبدو كما كبركان يغلي تحت الخارطة الجيوسياسية.. كل هذا واكثر يراقبه محور الصهيونية بذعر ويحاول فهم حجمه ومآلاته، ولكن بعقلية شائخة، تتحرك بتخبط وذعر وقرارات غريبة وانتحارية، ولايبدو انها قادرة على ايجاد مناص من الذهاب الاجباري الى النهاية.
والله غالب على امره