من الجزائريين إلى اليمنيين: مجاهدو البحار ومحاصرة الاستعمار
أحمد الدبيش – وما يسطرون.
أعادت العمليات العسكرية التي نفذتها القوات البحرية اليمنية الموالية لحركة “أنصار الله” (الحوثيين) ضد السفن الإسرائيلية والغربية الداعمة لـ”إسرائيل”، الذاكرة لعمليات مماثلة كانت للمجاهدين الجزائريين ضد السفن الأمريكية قبل قرابة 240 عامًا مضت.
الأسطول الجزائري يستولى على السفن الأمريكية
بعد الثورة الأمريكية والاعتراف بالاستقلال بموجب معاهدة فرساي 3 أيلول/ سبتمبر 1783 تغيّر وضع المصالح التجارية الأمريكية في غرب المتوسط، وأصبحت السفن التجارية الأمريكية مهددة من قبل السفن الجزائرية، فقد “كان الخطر الأوحد، الذي يُهدِّد تجارة الولايات المتحدة الأمريكية الحيوية، في البحر المتوسط، يأتي من الشرق الأوسط؛ فقد كان القراصنة العرب ــ الذين يطلقون على أنفسهم اسم «المجاهدين» ــ يهاجمون السفن الغربية، ويستولون على حمولاتها، ويأسرون أطقمها، كان هؤلاء «القراصنة» ــ كما أطلق عليهم الأمريكيون الأوائل ــ يُبحرون من إمبراطورية المغرب المستقلة، والمناطق العثمانية، شبه المستقلة، كطرابلس، وتونس، والجزائر، وهي منطقة شرق أوسطية معروفة، في مجموعها، في اللغة العربية، باسم (المغرب العربي)، أما الغربيون، فأطلقوا عليها اسمًا مختلفًا، اسم يشير إلى الجشع، والقسوة، فقد أطلقوا عليها اسم (منطقة البربر)”.
في أيلول/ سبتمبر 1783، أصبح الأمريكيون فريسة سهلة للقراصنة / المجاهدين؛ طاردت سفن القراصنة / المجاهدين الجزائريين، قافلة سفن أمريكية، في طريق عودتها إلى الولايات المتحدة، بعد إجراء مباحثات سلام مع بريطانيا.
في الأثناء، استولى الأسطول الجزائري على “سفينتيْن أمريكيتيْن أخرييْن، هما دوفين (Dauphin)، وماريا (Maria)، وأسرت واحدًا وعشرين من أفراد الطاقم الأمريكيين، الذين قُيِّدوا بالأغلال، ثم سيقوا في موكب تحيط به الحشود الهاتفة، في شماتة، حتى بلاط الداي حسن، الذي قيل إنه بصق في وجوههم، وقال: (الآن ظفرت بكم، أيها الكلاب، سأجعلكم تأكلون الأحجار). ويذكر أحد البحارة، واسمه جيمس ليندر كاثكارت (James Leander Cathcart)، وكان عمره، حينئذ، 17 عامًا، بأنهم وُضعوا في قبو، مظلم، تمامًا… حيث ينام العبيد، على عمق أربعة طوابق تحت الأرض، والكثير منهم عراة تقريبًا، أما الباقون، فلم يكن يسترهم في الشتاء القارس، إلا بطانية بالية. كانت الوجبة اليومية ــ حسب قوله ــ مكوَّنة من 15 أوقية (425 جرامًا) من الخبز، وكان أقل قدر من المقاومة يعاقب بالجلد بالعصا، على القدميْن، أو بقطع الرأس، أو بالإعدام بالخازوق”.
استطاعت السفن الجزائرية “الاستيلاء على إحدى عشرة سفينة أمريكية، في عام 1793، وبلغ عدد الأسرى الأمريكيين مائة وخمسة أسرى”
في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1793، وعلى بعد خمسة فراسخ من جبل طارق كان القبطان John Mslane على متن Minerva، وعلى مقربة منه شباك جزائري يحمل 20 مدفعًا، بدأ يطلق النار باستمرار وبأسلحة بسيطة حتى اقترب من عارضة شراع السفينة الأمريكية عندما توقفت النيران، ونزل القرصان وبأيديهم سيوف. وأصبح الطاقم الأمريكي أسيرًا، وانتزعت منهم ثيابهم ووضعوهم في شباكهم، التي حملتهم إلى الجزائر، حيث وصلوها يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر. وحال وصولهم نقلوا وقدموا أمام الدّاي وبعد الفحص، صدر أمر بأخذهم إلى السجن، حيث يتواجد الأسرى وقضوا تلك الليلة هناك. وفي اليوم الموالي قيدوا بسلاسل حديدية، ووزن كل سلسلة قرابة 40 رطلًا. وتمتد هذه السلاسل من الأرجل إلى مفاصل الورك، بعدها أرسلوا إلى البحرية حيث يعملون في الأعمال الشاقة من طلوع الشمس إلى غروبها.
في 23 تشرين الأول/ أكتوبر، اكتشف William Penrose قطبان السفينة President من فيلادلفيا، في حدود التاسعة صباحًا، سفينة متجهة نحو مهب الريح تندفع نحوه، وظن من معه، أن السفينة إسبانية الجنسية، غير أنهم سرعان ما اكتشفوا الخديعة، وبأنها سفينة قرصانية جزائرية. ومباشرة بعد اكتشاف أن السفينة أمريكية الجنسية، بعد معرفة علمها، انقض على السفينة 30 مسلحًا ببنادق وسيوف قصيرة استعملوها بقسوة عند نزولهم على متن السفينة، وكانت أول تحية تلقاها القبطان ضربة عنيفة بالقطلس، بعد أن أجبر الجميع على القفز إلى مركبهم، دون السماح لهم بالنزول إلى الأسفل لأخذ ملابسهم والحاجات الضرورية. بعد ذلك نقل الطاقم في السفينة المطوفة، حيث جردوا من ملابسهم. وقدم لهم مقابل ذلك أسمال بالية. والتي لم تكن كافية لوقايتهم من حرارة الشمس ولا حمايتهم من البرد.
استطاعت السفن الجزائرية “الاستيلاء على إحدى عشرة سفينة أمريكية، في عام 1793، وبلغ عدد الأسرى الأمريكيين مائة وخمسة أسرى”
في تلك الأثناء، كانت رسائل المساجين، والأسرى، تتوالى على الولايات المتحدة، وبدأت بالظهور في الصحف. فكتب صامويل كالدر (Samuel Calder)، قبطان السفينة “جاي”، أنه جيء به إلى الجزائر، “مكبَّلًا، وعاريًا، وجائعًا”، واستطرد، صارخاً: “الموت سيكون راحة لي، ومرحبًا به، أكثر بكثير من استمرار الوضع الحالي”. وتساءل قبطان آخر، هو ويليام بنروز: “ماذا ينتظر رجالنا، بحق السماء؟!”. وحذَّر من أن الموت الوشيك لرجال طاقمه سيبقى، على الدوام، “وصمة عار، في جبين الولايات المتحدة الأمريكية، ونقطة سوداء في تاريخها”.
وكتب جون فوس لأمّه من الجزائر قائلًا: “أنا عبد لدى المحمديين”. وأبلغ كابتن جيمس تايلور، الذي كان هو الآخر أسيرًا في الجزائر، ملاك سفينته بأنها فقدت لكن “ما أنا واثق بأنه الأسوأ بالنسبة لمشاعركم” أنه هو والطاقم كانوا محبوسين في “عبودية قاسية”. وقد نشر مجهول من نيو إنغلند التماسًا باسم الأمريكيين في الجزائر، يدعو فيه الأمريكيين في أرض الوطن إلى إنقاذ “إخواتهم المواطنين المقيدين بالأغلال في سفن ماهوميت الزائف”. وقد كانت صورتا عبيد السفن ومحمد باعتباره “زائفًا” عنصرين أساسيين في تصور الأمريكيين للعالم المسلم، ولم يكن للواقع علاقة بهذا التصور. وفي قصيدة من عام 1795 بعنوان “أسير أمريكي في الجزائر”: يكدح الأسير الأمريكي ويموت وهو مقيد إلى مجداف السفينة.
اليمنيون ودعم غزة
عقب عملية طوفان الأقصى “أعلنت حركة “أنصار الله” (الحوثيين) اليمنية وحكومتها في صنعاء الدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هدّد قائد الحركة عبدالملك الحوثي، الولايات المتحدةمن المشاركة المباشرة في الحرب إلى جانب “إسرائيل” وهدّد بقصفها بالطائرات المسيرة والصواريخ واتخاذ إجراءات عسكرية أخرى.
في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، احتجزت القوات اليمنية سفينة “غالكسي ليدر”، التي يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أنغر، وهو مؤسس شركة (Ungar Holdings LTD) ومؤسس ومالك شركة (Ray Shipping LTD)،إحدى أكبر مستوردي السيارات في “إسرائيل”، وعلى متنها 25 فردًا من جنسيات مختلفة، بينهم: أوكرانيون وبلغاريون وفلبينيون ومكسيكيون. وبثت لقطات مصورة تظهر رجالًا مسلحين ينزلون من طائرة مروحية ويسيطرون على سفينة الشحن. وأعلن الحوثي قبل أيام أن مصير السفينة “مرتبط بخيارات المقاومة الفلسطينية وبما يخدم أهدافها في مواجهة العدوان الإسرائيلي”.
جاء الحادث عقب بيان تحذير للمتحدث باسم القوات المسلحة يحيى سريع، أعلن فيه عزمهم استهداف السفن المملوكة أو المشغلة لشركات إسرائيلية أو التي ترفع العلم الإسرائيلي، ودعا الدول لسحب مواطنيها من أطقم هذه السفن. وبحسب مالك السفينة، تم نقل السفينة بعد ذلك إلى ميناء الحديدة اليمني. وفي وقت سابق، هدد الحوثي بمزيد من الهجمات ضد المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك أهداف محتملة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وشدد في كلمته على قدرة قواته على رصد واستهداف السفن الإسرائيلية في هذه المناطق.
ثم توالت العمليات تاركة أثرًا على المصالح الإسرائيلية ومعرقلة خط إيلات التجاري، ما دفع الولايات المتحدة للإعلان عن تحالف بحري من عشرين دولة “لحماية حركة العبور التجارية في البحر الأحمر” مطلقى عليه اسم عملية “حارس الازدهار”.
هكذا سار اليمنيون على خطى المجاهدين الجزائريين!
* نقلًا عن موقع “الكرمل”.