صحيفة ذا كريدل الأمريكية: خنجر اليمن يقطع طريق التطبيع
صنعاء – المساء برس|
نشرت صحيفة “ذا كريدل” الأميركية، تقريرًا لها تحت عنوان “خنجر اليمن يقطع طريق التطبيع”، اليوم الأربعاء، تحدثت فيه عن قلب اليمن للطاولة في المنطقة وكشفت فيه تواطؤ عددًا من الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، وهو ما يسرّع بشكل أكبر من تآكل شرعيتها في الشارع العربي، وتكريس شرعية صنعاء.
وقالت الصحيفة، إن هجمات اليمن على طرق الشحن الحيوية لإسرائيل أجبرت الأخيرة على البحث عن ممر بري بديل عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، التي تتآكل شرعيتها في الشارع العربي، في حين أن شرعية صنعاء آخذة في الارتفاع.
وذكرت الصحيفة أنه في مطلع ديسمبر الماضي، تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية خبر التوصل إلى اتفاق لإنشاء جسر بري بين ميناء دبي وميناء حيفا المحتل. وتزعم التقارير أن هذا الاتفاق الاستراتيجي يهدف إلى التحايل على التهديد اليمني المتزايد بإغلاق الممرات البحرية الحيوية أمام السفن المرتبطة و/أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
وأضافت، بعد أسبوعين فقط، كشف موقع “والا” الإسرائيلي أن الشحنة الأولى، التي انطلقت من دبي وعبرت الممر البري الذي تم إنشاؤه حديثًا والذي يشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، وصلت إلى الموانئ الإسرائيلية.
وأوضحت أنه من خلال حماية ودعم إسرائيل، أعادت هذه الدول العربية الثلاث التأكيد على دورها الأساسي في حماية دولة الاحتلال والدفاع عنها، وتمكينها من مواصلة فظائعها ضد الفلسطينيين.
وتطرقت الصحيفة الأميركية إلى إعلان زعيم حركة أنصار الله، عبدالملك الحوثي، في 15 نوفمبر الماضي، حصارًا على السفن الإسرائيلية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، معتبرة أن هذا الإعلان كان بمثابة بداية صراع بحري مع إسرائيل تضامنًا مع غزة، مما يبشر بمرحلة جديدة من المواجهة التي توقعتها إسرائيل منذ عدة سنوات.
ومنذ عام 2018، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتخوف من تواجد أنصار الله على طول ساحل البحر الأحمر، التزام تل أبيب بأي جهد دولي يمنع إغلاق طرق الشحن في المنطقة، تقول الصحيفة.
ويشير تقرير نشره مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عام 2021 إلى أن “احتمال قيام الحوثيين بمهاجمة السفن في الممرات الملاحية على طول مضيق باب المندب أو البحر الأحمر أو خليج عدن يشكل تهديدا ملموسا للأمن القومي الإسرائيلي”.
ويشير التقرير نفسه إلى أن اليمنيين قد يعترضون في المستقبل السفن الإسرائيلية التي تمر عبر مضيق باب المندب من أجل الضغط على إسرائيل لتغيير سياسات معينة.
ولفتت إلى أنه بعد أربعة أيام من وعد الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية، استولت القوات اليمنية على سفينة نقل لها علاقات مع رجل الأعمال الإسرائيلي أبراهام أونغار، أحد أغنى أقطاب البلاد. وبرر المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، عملية الاستيلاء بأنها رد على “الأعمال الشنيعة ضد إخواننا الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية”، مضيفًا: “إذا كان المجتمع الدولي مهتماً بالأمن والاستقرار الإقليميين، بدلاً من توسيع الصراع، فعليه أن يضع حداً للعدوان الإسرائيلي على غزة”.
وفي 12 ديسمبر، شن اليمن هجوماً صاروخياً على سفينة نفط نرويجية كانت متجهة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني. وأوضح سريع أن الاستهداف جاء بعد رفض الطاقم الاستجابة للتحذيرات، وإعلانه استمرار حصار السفن حتى تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الأساسية إلى غزة. وأكد البنتاغون اعتراض طائرات مسيرة يمنية استهدفت سفناً إسرائيلية، ودعا إلى حل دولي لـ”مشكلة دولية”.
وعن أهمية مضيق باب المندب، تقول الصحيفة إنه بمثابة طريق تجاري حاسم يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، بقيمة سنوية تبلغ حوالي 700 مليار دولار. ويشهد هذا الممر المائي الحيوي مرور 4 ملايين برميل من النفط يوميًا، وهو ما يمثل 10 بالمائة من التجارة البحرية العالمية ويدعم تدفق 25 ألف سفينة.
وتظهر الأرقام الأخيرة للنصف الأول من عام 2023، وفق الصحيفة، أن باب المندب يتعامل مع كميات من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية تعادل تلك التي تمر عبر قناة السويس. وبالمثل، فإن حجم الغاز الطبيعي المسال الذي يمر عبر المضيق ينافس حجم قناة السويس، والذي يبلغ حوالي 4 مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا.
وبحسب الصحيفة، فقد أعلنت شركة الشحن الإسرائيلية Freightos عن زيادة ملحوظة بنسبة 9-14% في تكاليف الشحن من الصين إلى ميناء أشدود الإسرائيلي في الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر. وقال يهوذا ليفين، رئيس الأبحاث في شركة فريتوس، لصحيفة جلوبز الإسرائيلية، إن اندلاع الحرب “يؤثر بالفعل على جميع البضائع التي تصل إلى إسرائيل من الصين، والتي بدأت أسعارها في الارتفاع في الأسابيع القليلة الماضية”.
وتوضح بأن أهمية هذا الارتفاع تأتي من حقيقة أن الصين تعد حاليا أكبر شريك تجاري لإسرائيل عن طريق البحر، حيث تصل البضائع المنقولة بحرا من الصين إلى 20 في المائة من إجمالي واردات إسرائيل البحرية.
وأشارت إلى أنه “بسبب خطوة صنعاء الجريئة، دفع التهديد الملحوظ للشحن الإسرائيلي في باب المندب دولة الاحتلال إلى استكشاف طرق بديلة لاستيراد وتصدير البضائع. وليس من المستغرب أن تتدخل دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة العربية التي قادت جهود التطبيع مع إسرائيل بموجب اتفاقات إبراهيم، للمساعدة في التغلب على العقبة اليمنية”.
وبحسب تقارير وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجهد التعاوني بين الإمارات وإسرائيل لإنشاء جسر بري يربط ميناء دبي بحيفا، يمر عبر المملكة العربية السعودية والأردن. إلا أن عمان نفت منذ ذلك الحين هذه التقارير، معتبرة أنها “كاذبة تماما”.
تضيف الصحيفة، أنه بحلول منتصف ديسمبر، بدأت البضائع تتدفق عبر هذا الممر، حيث أفاد موقع “والا” بوصول عشر شاحنات من دبي إلى ميناء حيفا في الأيام الأخيرة. ولا شك أن هذا الممر يقدم حلاً استراتيجياً يسمح للسفن المتجهة إلى إسرائيل بتجاوز التهديد اليمني.
“ومع ذلك، فإن تنفيذها الناجح لا يؤدي إلا إلى إظهار رغبة المملكة العربية السعودية والأردن في أن تكونا جزءاً لا يتجزأ من هذه المبادرة الاستراتيجية – وهي خطوة من شأنها أن تزيد من نزع الشرعية عن حكامهما في ظل الشارع العربي المؤيد لفلسطين بأغلبية ساحقة”، وفق الصحيفة. ، مضيفة أن مثل هذا الممر البري لا يتطلب سوى اتفاقيات بين الأطراف المعنية، مع الاستفادة من الطرق الدولية القائمة.
واعتبرت أن الجسر البري لا يوفربديلا للسفن الصينية التي تنقل خمس الواردات الإسرائيلية المنقولة بحرا فحسب، بل يقلل أيضا من الرحلة الطويلة حول جنوب وغرب أفريقيا للوصول إلى مضيق جبل طارق من 31 يوما إلى 19 يوما.
بحسب الصحيفة، فإن الطريق البري الذي يربط دبي وحيفا يمتد بنحو 2550 كيلومترًا، وتتطلب الشاحنات حوالي أربعة أيام لاجتيازه – وهي مدة أقصر مقارنة بالسفن التي تبحر في البحر الأحمر وقناة السويس. وفي حين أن تكلفة النقل لكل كيلومتر أعلى قليلاً من طريق البحر الأحمر، إلا أنها أقل بكثير من التكلفة الحالية للشحن عبر مضيق جبل طارق.
وعلى الرغم من القيود المفروضة على سعة الشحن للممر البري (حوالي 350 شاحنة يوميًا) مقارنة بسفن الشحن، فإنه يوفر عبورًا سريعًا من دبي إلى أوروبا، مما يوفر حوالي 10 أيام نقل عبر طريق قناة السويس.
ولكن في حين أن الممر قد يكون كافيا لتلبية احتياجات إسرائيل الفورية وسط التهديدات اليمنية، إلا أنه لا يوفر بديلا كاملا للطرق البحرية المؤدية إلى أوروبا. ويشير هذا التطور إلى إمكانية انسحاب إسرائيل من الشحن البحري، مما يشكل تحديًا لمصر وقناة السويس.
وفي المستقبل، تتابع الصحيفة، من الممكن أن يجذب الممر البري أيضًا عددًا من الدول الآسيوية والأوروبية. ولابد من التأكيد على أن مصر تبدأ في الخسارة بمجرد اعتماد الطريق البري بين دبي وحيفا، حيث أن السفن التي تلتف حول البحر الأحمر تتجاوز بطبيعة الحال طريق السويس.
ومع ذلك، فإن التهديد الأكبر للمصالح الاقتصادية المصرية يكمن في آفاق خطوط السكك الحديدية المستقبلية التي تربط دبي بدولة الاحتلال، مما يعزز بشكل كبير قدرة الشحن ويقلل التكاليف وأوقات العبور.
وأشارت إلى أنه مع اكتساب الممر البري زخمًا، فإن التقارير تشير إلى أن شركة إدارة المخاطر أمبري نصحت أصحاب السفن بتقييم السفن ذات الروابط الإسرائيلية بسبب تحديات التنقل المحتملة. ومع ذلك، فإن بدء الممر البري يمثل نعمة لدولة الاحتلال ورجال أعمالها من خلال إلغاء الحاجة إلى الاستفادة من طريق البحر الأحمر.
يشار إلى أن اعتماد الممر البري يفتح المجال أمام إسرائيل للتواصل مع الممرات الدولية الأخرى عبر الإمارات والسعودية والأردن. وتم ربط الممر الشمالي الجنوبي الذي يربط روسيا وإيران والهند بالمملكة العربية السعودية هذا العام، والذي يمكنه نقل هذه البضائع إلى إسرائيل الآن.
وينطبق هذا أيضًا، وفق الصحيفة الأميركية، على الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو حجر الزاوية في مبادرة الحزام والطريق في بكين، والتي تنقل البضائع من وإلى الصين عبر ميناء جوادار الباكستاني. ومن جوادر، تنتقل البضائع إلى موانئ الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم، من المحتمل، عبر الممر البري إلى إسرائيل. وبهذه الطريقة، يصبح بوسع الدول العربية الثلاث، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، أن تربط إسرائيل بممرات دولية رئيسية أخرى ــ ما لم تقرر إيران وباكستان تعطيل هذه الأعمال.
“لكن ما يوضحه كل هذا هو أن دخول اليمن إلى المعركة الأمامية ضد إسرائيل ودعماً لفلسطين كان له صدى عالمي. إن الدولة الفقيرة، على الرغم من سنوات الصراع التي تواجهها، تشكل الآن تهديدًا كبيرًا ومتزايدًا للأمن القومي الإسرائيلي وخطوط الإمداد من خلال أفعالها في باب المندب”، حسب الصحيفة.
وتضيف: ومن خلال مواءمة هجماتها البحرية مع وقف الحصار المروع الذي تفرضه تل أبيب على غزة، أرغمت أنصار الله العالم على إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لحجم الحملة العسكرية الإسرائيلية غير المسبوقة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة.
وعلى العكس من ذلك، فإن التحركات التعاونية التي اتخذتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن لفتح جسر بري إلى حيفا تؤكد تفضيلها لإرضاء إسرائيل على دعم التضامن العربي والإسلامي، وفقًا للتقرير.