إمّا طوفان الأقصى وإلّا صفقة القرن!
مصطفى عامر – وما يسطرون|
بهدوء، ومنذ أمدٍ بعيد، كان يتمّ الإعداد لصفقة القرن باعتبارها أكبر الخطوات الممهّدة لما يُعرف بعصر السّلام الصّهيوني، وهو العصر الذي يؤمن صنّاع السياسة في أميركا وفي الغرب بعمومه بحتميّة حدوثه، كما أنّهم يعملون بجد من أجل الوصول إليه.
وفي كلّ الأحوال فإنّ ثمّة جاذبٌ تاريخيٌّ في هذه البقعة من العالم، وأنا هنا لا أتحدث عن الثروة والموقع الجغرافيّ على أهمّيتهما، فحسب، وإنما لارتباط هذه المنطقة ارتباطًا عضويًا بالموروث الدّينيّ لما يزيد عن نصف سُكّان الكرة الأرضية على الأقل.
لهذا فصفقة القرن ليست بتلك البساطة التي جعلت بعض الكُتّاب يصورونها كما لو أنها كانت واحدةً من الأفكار التي مرّت على ترامب كحلم ليلة صيف وغادرت مخيّلته في يومٍ عاصف!
كما أنها ليست من بنات أفكار كوشنر كما كانت تروّج له وسائل الإعلام، بالإضافة إلى أن تسميتها لم تأتِ على سبيل التلاعب اللفظي، أو أنّه- على الأقل- لا ينبغي بنا قراءتها على هذا النّحو!
فالصفقة الأقذر على مرّ التّاريخ الحديث لم تصنع بهذه البساطة ولا بهذا القدر من الارتجالية، وهي في كلّ الأحوال لم تكن خطوةً في بداية الطريق كما أنّها لا تمثل نقطة نهايته، بقدر ما تمثل جزءًا محوريًّا من المشهد الأخير الذي ليس بالإمكان اكتماله دون تحقيقها.
على هذا النحو فإنّ الفشل المخزي للمشاريع المرتبطة بها حتى الآن لن يرسل لصنّاع الصفقة عبارة “قف!”، بقدر ما سيرسل لهم عبارةً أخرى ذات دلالة: “ثمّة عقباتٍ ينبغي تجاوزها”، ودائمًا: ما لا يمكن تجاوزه بالسّلم فإنّ صنّاع الصفقة سيعملون على تجاوزه بالحرب، والعكس صحيح!
أي أننا، بعبارةٍ أخرى، أمام موجةٍ أو موجاتٍ مشابهة للحروب الصليبية، على الأقل من حيث هيمنة الشعور على صنّاع الصفقة بأنها “مقدسة”، يقابله شعور محور المقاومة بأن الجهاد ضدها مقدس. حقيقةً، كل الحروب في فلسطين، وعبر التاريخ، مقدسة بالنسبة لكافة الأطراف!
على هذا النحو فعلى محور المقاومة التأهب دائمًا، فمعركة غزة اليوم مصيرية، تتبعها على الأغلب معارك أخرى مصيرية، تمامًا كما كان الدفاع عن صنعاء سابقًا، بيروت وبغداد قبلها، مصيريًّا. السقوط ممنوع، وإذا سقطت غزة اليوم- ولن تسقط بإذن الله- فإن صنعاء وبيروت وبغداد ودمشق ستسقط تباعًا.
على أنّ تمرير صفقة القرن لن يحمل سلامًا لأحدٍ من “الجوييم” (أبناء جلدتنا!) الذين يشاركون بخسّة البغايا في محاولات تمريره! لا أتحدث على مستوى الدّول فحسب حتى لا أُفهم خطأً، وإنّما على مستوى الأفراد أيضًا!
فالمصير الذي ينتظر سيسي مصر، بالتالي، لن يختلف عن المصير الذي ينتظر سلمان السعوديّة! أشخاصٌ مثل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يسوقون ذواتهم إلى المذبح منذ أمدٍ بعيد، حتى وإن كانوا- وهذه معلومةٌ ضروريّةٌ لقراءة المشهد- يعملون باعتبارهم جزءًا من الحلف الآخر لا عملاء له!
فدبي تحتضن واحدًا من أهم المحافل الماسونيّة في العالم، هذا خبرٌ وليس تنبؤ، محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، معًا، يعملان باعتبارهما جزءًا من المشروع الماسوني، وثمّة وهمٌ يراود الطفلين معًا باعتبارهما صارا جزءًا من “حكومة النخبة” التي تحكم العالم!
كثيرون سيطر عليهم مثل هذا الوهم على أيّة حال، وتمّ رميهم في سلة المهملات، شاه إيران محمد رضا بهلوي على سبيل المثال كان واحدًا منهم، ولا أعتقد أن مصير الأسر التي تحكم السعودية والإمارات سيكون أفضل حالاً، إلّا فيما لو أخذنا الروايات التي تتحدّث عن الأصول اليهوديّة لبعض الأسر التي تحكم الخليج، مثل أسرة آل سعود، على محمل الجد.
وحتى لو أخذنا مثل هذه الروايات على محمل الجدّ فإنّ يهود المغرب، الذين ينتمي إليهم حكام السّعودية وفقًا لهذه الرّوايات، محض يهودٍ شرقيين، “سافارديم”، ومثل هؤلاء اليهود لا ينتظرهم المجد في المشهد الختاميّ الذي ينتظره اليهود الأشكيناز.
الأحاديث أعلاه تسيطر على عقل “بايدن” بنفس القدر الذي تسيطر فيه على عقل نتنياهو، وهي الأفكار ذاتها التي يؤمن بها آل بوش وريجان وجيمي كارتر وأوباما وآل كلينتون وآل روتشيلد وآل روكفلر.. الخ. لهذا فحين قال بايدن أنه “صهيوني”، فهذا لم يكن من قبيل المزاح، أو من باب العبث!