جميع الخيارات الأمريكية لوقف التهديدات اليمنية في البحر الأحمر مستحيلة التنفيذ عملياً.. وهذه هي الأدلة

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

في آخر تقرير عن تداعيات القرارات اليمنية بشأن فرض الحصار على كيان الاحتلال الإسرائيلي وقطع ملاحته البحرية من البحرين الأحمر والعربي وأيضاً منع مرور أي سفن من أي جنسية كانت تذهب إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي من البحر الأحمر والبحر العربي، قالت قناة بي بي سي البريطانية بنسختها الإنجليزية في تقرير لها أن الشركات الأربع الكبرى عالمياً التي أوقفت تسيير رحلاتها البحرية للشحن عبر البحر الأحمر بسبب تهديدات اليمنيين تمثل 4 أهم شركات شحن بحري في العالم من أصل 5 شركات هي الأكبر عالمياً، وأن قرارات هذه الشركات وقف العبور من البحر الأحمر ستكون مكلفة مادياً بحسب ما يقوله خبراء الشحن.

وأضاف التقرير أن وثائق التأمين ترتفع أقساطها الآن إلى مستويات عالية جداً وهذا في حال تمكنت السفن من الحصول على التأمين ابتداءً، في إشارة إلى الشركات التي سبق وأوقفت منح التغطية التأمينية على السفن المتجهة لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

استناداً لهذه المعلومات، تقول الـ(بي بي سي) إن هناك آثار خطيرة على مستويات المخزون وعلى التكاليف والديناميكيات سلاسل التوريد بأكملها، حسب ما قالت سو تيربيلوسكي، من معهد تشارترد للخدمات اللوجستية والنقل.

وذهبت أربع شركات من أصل 5 هي أكبر شركات ملاحة عالمية إلى وقف تمرير سفنها عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس، واتخذت هذه الشركات هذا القرار لجميع سفنها وليس فقط تلك التي تحمل شحنات إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يشير إلى أن في الأمر خطة تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة الضغط على باقي الدول للانضمام إليها لتشكيل حلف عسكري بحري في البحر الأحمر لوقف التهديدات اليمنية.

وبحسب مراقبين فإن وقف التهديدات اليمنية ضد السفن المتجهة للاحتلال الإسرائيلي أو ضد سفن الملاحة الإسرائيلية أو المملوكة جزئياً لإسرائيل أو رجال أعمال إسرائيليين، أمر غير ممكن إلا بتنفيذ الشروط التي تطرحها حكومة صنعاء لهذا الأمر وهو رفع الحصار عن قطاع غزة وإدخال كل ما يحتاجه القطاع من غذاء ودواء.

وقف شركات الشحن الكبرى العالمية العبور من مضيق باب المندب والبحر الأحمر حتى وإن لم يكن لها شحنات ذاهبة لإسرائيل هو أمر خطير للغاية على هذه الشركات التي قد تجد أمامها فجأة منافسين أقوياء يصعدون ويقبلون بالشحن عبر البحر الأحمر من دون أخذ شحنات إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فإنهم سيكونون منافسين أقوياء أمام هذه الشركات الكبرى بسبب فارق التكلفة والسعر والوقت الذي ستقضيه هذه الشركات الجديدة عند استخدامها البحر الأحمر في مقابل استخدام الشركات الكبرى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني أن قرارات الشركات الكبرى وقف الشحن عبر البحر الأحمر هو أمر مؤقت فقط هدفه الضغط على المستوى الدولي لا أكثر لأن هذه الشركات لن تتحمل أن يستمر التوقف عن الشحن من البحر الأحمر فترة طويلة بسبب المخاوف من قيام المنافسين باستخدام هذا الطريق وتحقيق أرباح كبيرة مقارنة بالأرباح الضئيلة التي ستحققها الشركات الكبرى إذا ما استمرت في الشحن عبر الطوفان عبر القارة الأفريقية.

الخيار العسكري غير المنطقي

يعتبر الخيار العسكري الذي تروج له وسائل الإعلام الأمريكية بأن واشنطن ستلجأ إليه لوقف التهديدات اليمنية في البحر الأحمر، هو خيار غير منطقي على الإطلاق، فالولايات المتحدة الأمريكية تريد حسب ما تقول احتواء الصراع في المنطقة وعدم توسيعه، والذهاب لاستخدام الخيار العسكري ضد صنعاء هو ضرب من الجنون، والسبب في ذلك تعرفه الولايات المتحدة ذاتها منذ العام 2016 حين تم ضرب مدمرتين بحريتين لها في البحر الأحمر بعد الهجوم الجوي الذي نفذه التحالف السعودي الإماراتي المدعوم أمريكياً والذي استهدف عزاء آل الرويشان في الصالة الكبرى جنوب العاصمة صنعاء وراح ضحية الهجوم المئات من الشهداء والجرحى الذين كانوا داخل صالة العزاء المكتظة بهم، وحينها تكتم الأمريكيين على الضربة التي استهدفت مدمرتين لهم في حين تقول تقارير أمريكية اليوم عندما تم الكشف عن هذا الهجوم بصواريخ بحرية يمنية إن الصواريخ التي أطلقت من اليمن باتجاه المدمرتين تم التصدي لهما قبل ضرب إحدى المدمرتين على الأقل، ثانياً يعتبر الخيار العسكري غير منطقي بالنسبة لخبراء عسكريين واقتصاديين على حد سواء وذلك لكون الهجوم في اليمن لن يكون مجرد ضربة خاطفة وفقط سينتهي كل شيء ويتم القضاء على التهديد، فاليمن التي لم يتمكن الأمريكي الذي كان يشرف على الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن منذ مارس 2015 حتى الآن، استطاعت تعزيز قدراتها العسكرية بشكل هائل وبأضعاف مضاعفة عما كانت عليه القدرات العسكرية اليمنية قبل الحرب التي شنتها السعودية والولايات المتحدة طوال كل هذه السنوات، ومن الناحية الاقتصادية فإن مجرد تشكيل قوة بحرية لشن حملة عسكرية في اليمن هو بحد ذاته حتى وإن لم تطلق فيه طلقة مدفع واحدة هو أمر مهدد ومقلق جداً وكافي بكل أريحية لأن يدفع جميع سفن العالم من وقف العبور عبر البحر الأحمر.

القدرات العسكرية اليمنية المتصاعدة جداً تحول دون تحقيق إسرائيل وأمريكا هدفاً إيجابياً

من المتوقع جداً أن يؤدي أي هجوم عسكري في البحر الأحمر على اليمن إلى إشعال المنطقة بأكملها بالنيران التي لن تطال فقط المصالح الأمريكية في المنطقة بل أيضاً مصالح حلفائها ولعل أبرز هذه المصالح هو إمدادات الطاقة التي تتدفق من الدول الخليجية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أثبتت القدرات العسكرية اليمنية بما تمتلكها اليوم من صواريخ باليستية متوسطة وحتى بعيدة المدى كتلك التي تصل إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي وصواريخ مجنحة كروز وطائرات مسيرة وصواريخ أرض بحر ذكية وصواريخ أرض بحر موجهة وصواريخ ومنظومات رادارية قادرة على كشف كل التحركات العسكرية البحرية، وباختصار يمتلك اليمن الآن صواريخ يمكنها بكل دقة ضرب أي هدف متحرك أو ثابت في أي نقطة في البحر الأحمر بأكمله.

بالتالي فإن أي هجوم عسكري على اليمن يتخذ من البحر قواعد ومنطلقاً له فإنه سيقابل برد يمني قاسي وقوي قادر على – إن لم يكن ردع القوى المعادية في البحر – أن يكون خصماً قوياً ونداً للقوى المعادية البحرية، وهو ما يعني أن المعركة في البحر ستطول كثيراً وكثيراً جداً وبالتالي فإن العملية العسكرية التي تفكر فيها واشنطن لن تكون ذا فائدة كون هدفها المعلن هو وقف التهديد اليمني وإعادة السماح للسفن الإسرائيلية والمتجهة لإسرائيل من المرور من البحر الأحمر مرة أخرى وبما أن المعركة ستطول بشكل كبير جداً فلن تجرؤ أي سفينة على العبور من البحر طالما لا زالت المعركة مستمرة، وقد لاحظ الجميع مؤخراً كيف أن الولايات المتحدة التي أخذت على عاتقها حماية سفن كيان الاحتلال الإسرائيلي أثناء عبورها من البحر الأحمر فشلت في هذه الحماية فشلاً ذريعاً وبالكاد كانت المدمرات الأمريكية المنتشرة بذريعة حماية الملاحة قادرة على حماية نفسها من الضربات الصاروخية أو الطائرات المسيرة اليمنية التي تستهدفها فيما تواجه السفن التجارية المتجهة لإسرائيل أو المملوكة لإسرائيل مصيرها بدون أي حماية أمريكية لها.

بالمحصلة فإن الخيار العسكري هو خيار فاشل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأقل سبب يقود إلى هذه النتيجة هو وجود صواريخ لدى الجيش اليمني يمكن إطلاقها من أي منطقة جغرافية داخل اليمن لضرب أي هدف في أي نقطة في البحر الأحمر، بمعنى أن حتى التفكير بعملية عسكرية أمريكية بهدف ضرب المناطق الساحلية على الشواطئ اليمنية الغربية بقصد تحييد البحرية اليمنية والقوة الصاروخية من تنفيذ أي هجمات مرة أخرى هو أمر غير مجدٍ لأن لدى صنعاء أسلحة تمكنها من ضرب أي هدف في البحر من أي منطقة في البر اليمني.

الاكتفاء بحماية السفن بقطع حربية في البحر.. خيار مستحيل

يبقى هناك خيار أخير للأمريكيين والإسرائيليين وهو تكليف قطع بحرية حربية في البحر الأحمر والبحر العربي لحماية السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، وفي هذه الحالة سيكون الأمر مستحيلاً، لأن عدد السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر كبير جداً ولا يمكن لكل سفينة تجارية واحدة تكليف سفينة حربية لمرافقتها أثناء عبورها من قبالة المياه اليمنية، فالولايات المتحدة نفسها لم تتمكن من حماية السفن الإسرائيلية رغم أنها قليلة العدد وانتهى الأمر بمحاولة الأمريكان التصدي للهجمات التي تستهدف مدمراتهم ولا وقت للتصدي لتلك الهجمات التي تستهدف السفينة التجارية ثم إن عدد السفن التجارية كبير جداً ولا يوجد عدد كافي من القطع البحرية العسكرية لجعلها تنتشر وترافق كل السفن التجارية المارة في هذا الممر حتى لو افترضنا أن جميع الدول المتحالفة مع أمريكا حشدت كل قطعها البحرية إلى المنطقة فليس العدد كافياً لتغطية كل السفن التجارية التي تعبر يومياً في الممر عوضاً عن أن حشد كل قطع البحر العسكرية في العالم إلى هذه المنطقة هو أمر مستحيل بحد ذاته فمن هي الدولة التي ستجازف بنقل كل قطعها البحرية إلى البحر الأحمر من أجل حماية سفن إسرائيل أو تلك الذاهبة إليها.

قد يعجبك ايضا