فلسطين والشرف العربي!
مصطفى عامر – وما يسطرون|
بشكلٍ مؤكد، وعبر التاريخ، كانت فلسطين هي المؤشر العام للشرف العربي، وللكرامة العربية، ولمكانة العرب بين الأمم.
أقصد بالعربي هنا كلٌ من تجري في عروقه دماءٌ عربية مهما كان دينه، وكلً من يؤمن برسالة النبي العربي- صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- مهما كان عرقه. بل، وكلّ من انتمى عاطفيًّا لحضارة الإسلام ولغة العرب، واعتبرهما المكوّن الأساس في تكوينه الحضاري.
لكلّ هؤلاء كان سقوط فلسطين، دون سواها، يعني وببساطةٍ بالغة سقوط كل شيء، واسترجاعها كان يعني استرجاع كل شيء. فلسطين لكلّ هؤلاء هي القيمة السائدة على كلً قيمة، فلسطين كلّها والقدس قلبها، من النهر إلى البحر ومن الألف إلى الياء، من النشيد إلى النشيج ومن أبعد نقاط الجغرافيا إلى أعمق نقاط التاريخ.
فلسطين اللوحة الفسيفسائية المكتملة، فلسطين التي لا تقبل القسمة ولا الطرح، لأن الكرامة والشرف العربي لا تقبلان القسمة ولا الطرح.
هكذا، وحينما تسقط قطعةٌ من فلسطين يسقط الشرف العربي كاملًا، وتبقى القطعة الناقصة غصّةٌ يتوارثها الأجيال، ويبقى واجب استرجاعها هو الجزء الأهم من كل وصية، والجزء المعلوم واللامكتوب- معًا- خلف سطورها.
لأن الصمت أبلغ من الصوت، ولأنّ الواجب أوضح من أن يقال، ولأن الشعور بالعار مرير، تتوارثه القلوب حتى يُمحى، ولأن الألسنة تُخفي عادةً ما كان غائرًا في الروح والذاكرة. هكذا، وعلى هذا النحو، فإنّ فلسطين وحدها هي التي تصنع البطل والأيقونة في الذاكرة العربية، تدمغ الخائن والمتخاذل بالعار الكامل، وتُرسل الباقين- أولئك الذين بلا دور- إلى قبورٍ بلا ذاكرة.
فلسطين هي الهوية صعبة المنال إذن، والشرف الرفيع الذي لم يسلم عبر التاريخ من الأذى.. ما لم يراقُ على جوانِبِهِ الدّمُ. لهذا فليس ثمًة مكانٍ وسط، وبالنسبة لكلً عربيًٍ- بالمعنى أعلاه- فإن عبارة “التضامن مع فلسطين” عبارةٌ مهينة، وخارج السياق! لأنك حينما تقول لعربي أن يتضامن مع فلسطين، أو تطلب منه الحد الأدنى منه “لا سمح الله”، أو تشكره لأنه يدافع عنها. فأنت تفرق ابتداءً بينه وبين شرفه، تفصله مبدئيًّا عن كرامته، وتجرًده في الأساس عن هويّته!
وكفى بالعربيً عارًا أن يُطلب منه الوقوف مع شرفه!
إنها قضيًةٌ صفريًةٌ إذن:
إمّا أن تقاتل عن فلسطين، شرفك الرفيع. من تلقاء ذاتك، وبلا طلب. أو أن تموت بلا شرف!