كيف تستخدم أمريكا “المساعدات الغذائية” كوسيلة ضغط على اليمن لإجبارها على التخلي عن دعمها لغزة؟
المساعدات الغذائية لليمن.. بين الاحتياج الإنساني والضغوط السياسية
خاص – المساء برس| تقرير: محمد بن عامر|
أعاد قرار برنامج الأغذية العالمي بإيقاف المساعدات الإنسانية في مناطق شمال اليمن، الواقعة تحت سيطرة “المجلس السياسي الأعلى”، إلى الأذهان قضية الاستخدام المشبوه للقضايا الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، واستغلال المساعدات المختلفة سواء الغذائية أو الصحية المقدمة للدول التي تعرضت للحروب العسكرية والاقتصادية بحجج واهية وكاذبة على غرار ما حدث في بعض البلدان العربية مثل العراق واليمن.
أعلن برنامج الأغذية العالمي وهو وكالة تابعة للأمم المتحدة في بيان له، الثلاثاء، إنه اضطر إلى إيقاف المساعدات الإنسانية في اليمن تحت مبرر عدم توفر التمويل الكافي.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن قرار برنامج الأغذية العالمي بوقف المساعدات الغذائية لليمن جاء نتيجة ضغوط أمريكية هدفها إجبار سلطات صنعاء على تغيير موقفها المناصر لغزة. ويتابعون أن هذا القرار هو في الحقيقة قرار سياسي منحاز للتوجه الأمريكي، ومتعاطف مع إسرائيل التي تعرضت لهجمات يمنية في إطار موقفها المبدئي تجاه القضية الفلسطينية.
وفي الواقع يسلط هذا الإجراء الأممي الضوء على الغاية الحقيقة من وراء “المساعدات الإنسانية” و”المؤسسات والهيئات الأممية” وبرامجها المختلفة، وكيفية استغلالها من قبل الإمبريالية الأمريكية – الغربية، كوسيلة سياسية لاختراق الدول النامية والتأثير عليها وعلى قراراتها، سيما وإنه جاء بعد مواقف اليمن المتضامنة مع أهل غزة والمساندة لمقاومتها الباسلة.
وتعذر برنامج الأمم المتحدة، على مواصلة تقديم المساعدات للملايين من اليمنيين، الذين يعيشون تحت وطأة الحرب والجوع والفقر رأت فيه أطراف سياسية عالمية مناهضة للنظام العالمي أحادي القطب أنه يتماشى مع الموقف الأمريكي من تحركات القوات المسلحة اليمنية الأخيرة ضد مصالح كيان إسرائيل، التي تسعى من خلالها تشتيت الكيان المحتل الغاصب والضغط عليه لإيقاف عدوانه على قطاع غزة، والذي سيدخل غدًا الخميس شهره الثالث، وسط خسائر بشرية ومادية لا مثيل لها على مستوى العالم.
مصادر مسؤولة في صنعاء تحدثت لـ”المساء برس” أن برنامج الأغذية العالمي حصل على تمويل بقيمة مليارين و160 مليون دولار حتى سبتمبر الماضي، وهو ما يزيد على التمويل الذي حصل عليه في العام الماضي بـ 60 مليون دولار، معتبرة أن هذا يفضح أن إيقاف المساعدات سياسي، وبتوجيهات من واشنطن، ويتعلق بموقف صنعاء الداعم والمساند لفلسطين”.
وتبين المصادر أن قرار البرنامج الأممي يرتبط بالموقف الأمريكي من الهجمات اليمنية على إسرائيل ردًا على الأخيرة لما تقوم به في قطاع غزة من مجازر وحشية أدت إلى استشهاد نحو 16 ألف شهيد و35 ألف جريح، كما أسفرت عن دمار شامل في البنية التحتية للقطاع، وهذا الأمر يؤكد أن البرنامج لا يعمل بشكل مستقل ومحايد وإنه لولا أن المساعدات الإنسانية تخدم بشكل أو بآخر المصالح الأمريكية لما قدمتها أساسًا، أو تراجعت عن تقديمها لاحقًا لأي بلد وقف ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وما جاء في هذا القرار يثبت أن المساعدات تُعد بالنسبة للقوى العظمى الإستكبارية بمثابة ورقتها الرابحة لاستخدمها عند الضرورة لفرض سياسة العقاب الجماعي على الدول التي ترفض الإصغاء لإملاءاتها.
وتؤكد المصادر في ختام حديثها على أن “الجمهورية اليمنية لن تتنازل عن مبادئها وقيمها، ولن ترضخ للابتزاز والضغوط، ولن تتخلى عن القضية الفلسطينية”.
إلى جانب ذلك، تحذر مصادر حقوقية من كارثة إنسانية ستحل على اليمنيين الذين يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الغذائية بعد إعلان برنامج الأغذية العالمية إيقاف برنامج مساعداته بسبب مواقف اليمن مع الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة. وتوضح أن هذا القرار سيسفر عن تفاقم الأوضاع الإنسانية المأساوية التي يعيشها اليمن، وسيؤثر بشكل كبير على الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الفقر والجوع ونقص التغذية، كما سيؤدي إلى ارتفاع حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضى، ويتسبب في زيادة أعداد الوفيات بسبب نقص التغذية.
تنوه المصادر الحقوقية أيضًا إلى أن هذا القرار يمثل خرقًا للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص على ضرورة توفير المساعدات الإنسانية للأشخاص المحتاجين دون تمييز بسبب الانتماء السياسي. وتؤكد أهمية أن تكون المساعدات الغذائية المقدمة لليمن مبنية على الحاجة الإنسانية، وليس على أساس الضغوط السياسية.
ويشكك نشطاء السوشيال ميديا حول صحة تبريرات البرنامج الغذائي، واعتبروا أن أمريكا هي من دفعت بالبرنامج الغذائي العالمي لاتخاذ هذا القرار كوسيلة للضغط على سلطات صنعاء حتى ترضخ للضغوط الأمريكية والإسرائيلية. ويشددون على أن الضغوط التي تمارس ضد اليمنيين لن تثنيهم عن موقفهم المناصر لفلسطين والمقاومة، بل سيزيدهم عزيمة وأصرار، وأنهم لن يقبلوا بالمساومة على دينهم أو أخلاقهم أو قيمهم خصوصًا وأن الأمر يتعلق بالقضية التي تمثّل أولوية قصوى لديهم، وهي قضية الأمة العربية والإسلامية جمعاء. وثمنوا التضحية التي يبذلها الشعب اليمني في نضاله لصالح القضية الفلسطينية على الرغم من ظروفه الصعبة.
ويذكر أحد الناشطين العرب على منصة (أكس): أن برنامج الاغذية العالمي يستجيب لطلب أمريكا بإيقاف البرنامج عن العمل في المناطق الخاضعة لسلطات صنعاء ضمن الضغوطات التي تمارس على صنعاء في محاولة لتحييدها عن المساس بمصالح الكيان الصهيوني، معربًا عن امتنانه وشكره لسلطات صنعاء “لاصرارها على مواصلة الدعم العسكري والمعنوي والمالي لغزة وتجاهل كافة الضغوطات”.
أما أحد الناشطين اليمنيين، فيقول بأن مشكلة الشعب اليمني ليست مع برنامج الغذاء الصهيوني، وإنما مع العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات على اليمن منذ تسع سنوات، والذي تسبب في تدمير البنية التحتية والاقتصاد والخدمات الأساسية للبلاد. ويضيف أن السعودية يجب عليها تنفيذ التفاهمات الاقتصادية والإنسانية التي تم التوصل إليها خلال المفاوضات الأخيرة بسرعة، وإلا فأنها الوحيدة التي ستتحمل وزر وتبعات تعنتها في تحقيق الاستحقاقات الإنسانية المشروعة للشعب اليمني.
ناشط آخر، يقول أن برنامج الغذاء العالمي يمكنه أن يذهب غير مؤسف عليه، وأن أرض اليمن مليئة بالخيرات، وأن الشعب اليمني سيعود إلى زراعتها وحصادها إذا منحها الاهتمام والرعاية. وأضاف أن اليمن لن تبقى عالة على المساعدات، وأنه يطالب بحقه من ثرواته التي تسرقها الدول الغربية والخليجية.
ويشير مواطن جنوبي في حسابه على منصة (أكس) أن الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على العالم وتعمل عبر المؤسسات الدولية التابعة لها من أجل التحكم في الشعوب واستخدامها لتنفيذ سياساتها المشبوهة. ويرد إلى أن الولايات المتحدة تقدم الدعم لتحالف الحرب على اليمن وتزويده بالأسلحة والمعلومات واللوجستيات، وتعمل جاهدة لإفشال أي محاولات سلمية أو سياسية لإنهاء الصراع في اليمن، لأن السلام لا يتوافق مع مصالحها. ويتابع في منشور إضافي تأكيده أن الشعب اليمني شماله وجنوبه يشترك في نفس الموقف المتضامن والدعم للشعب الفلسطيني، ولن يتراجع عن موقفه أو يخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وأنه سيواصل نضاله من أجل استعادة سيادته واستقلاله من جديد. في إشارة إلى التواجد الأجنبي في جنوب اليمن.