المنتظرون للتدخل الأمريكي والإسرائيلي في اليمن.. كروت محروقة
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
انشغل صانع القرار الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بمحاصرة تداعيات عملية طوفان الأقصى، حيث يسعى إلى الحد من ارتداداتها التي ضجّت بها المنطقة وتفاعلت معها دولها، ومنها ما هو متقدم بفعله كما في حالة تفاعل اليمن حكومة وشعبًا.
ويحكم الموقف الأمريكي في نظرته إلى الدول والجهات السياسية الفاعلة بقدر توفيرها وتأمينها المصالح الغربية في المنطقة والموقف من كيان الاحتلال الإسرائيلي، واليمن بما فيها حركة أنصار الله، كسائر الأطراف والمكونات الأخرى تخضع لهذا التقييم، لكنّ انخراطها وانخراط الجيش اليمني في فعل عسكري ضدّ كيان الاحتلال ردّا على المجازر التي يرتكبها بحق الفلسطينيين واحتجاز السفن “الإسرائيلية” في البحر الأحمر للضغط باتجاه إيقاف العدوان الصهيوني على غزة، شكّل مدعاة لتشديد الموقف الأمريكي والتهديد بإعادة إدراج الحركة في قائمة المنظمات الإرهابية، وهو إجراء إن تمّ سيشكل مدخلًا لباقي الأطراف المحليين والإقليميين المنخرطين في الحلف الأمريكي والإسرائيلي والذين سيرون في ذلك فرصة للعودة للانقضاض على اليمن ممثلة بحكومة صنعاء تحت غطاء القضاء على مصادر تهديد الملاحة الدولية وهو عنوان مغلف صرح به علناً بعض الأطراف اليمنية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي كالمجلس الانتقالي الجنوبي وطارق صالح وحكومة معين عبدالملك والمجلس القيادي الرئاسي وجميعهم يتبعون التحالف السعودي الإماراتي ومعظم قيادات هذه الأطراف تقيم خارج اليمن أغلبهم في السعودية وبعضهم كان لهم ارتباطات مباشرة مع ضباط استخبارات إسرائيليين.
غير أنّ مراكز الأبحاث والدراسات الغربية و “الإسرائيلية” وحتى العربية، ومحاذرة التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية تصعيد الموقف، تشير إلى أن التهديد بإعادة إدراج حركة أنصار الله في قائمة المنظمات الإرهابية، هو رد تكتيكي يخضع للدراسة، كما تشير إلى أنّ الموقف الأمريكي لم يغادر مربعه الأول وباقٍ على سياسة المحاصرة والاحتواء الحالية تجاه اليمنيين.
والواضح أن كل التركيز الغربي والأمريكي تحديداً، ينصب لتوفير مظلّة حماية للكيان الصهيوني، أمنية وعسكرية، وتطويق أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى تداعيات أكبر في المنطقة.
وفي سياق هذا التحليل يمكن فهم ردود فعل المدمرات الأمريكية تجاه ما أسمته استهدافًا لها من صواريخ يمنية، بالتصدي لهذه الصواريخ دون الرد على مصادرها داخل اليمن، والتركيز على إسقاط المسيرات والمجنّحات اليمنية التي تنطلق باتجاه مدينة أم الرشراش – إيلات الصهيونية، على البحر الأحمر.
كما أنّ رد الفعل الذي وصفته مراكز دراسات أمريكية بـ”الفاتر” على إسقاط الجيش اليمني لطائرة استطلاع أمريكية دون طيار تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات قبالة السواحل الغربية اليمنية، هو أبرز مؤشر إضافي على السياسة الحالية الأمريكية بعدم وجود نيّة للتصعيد.
وفي هذا السياق أيضًا، روّجت، وتمنّت، وهللت، قنوات فضائيّة محسوبة على السعودية كقناة “الحدث” وقنوات أخرى تتبع الأدوات المحلية التابعة للسعودية داخل اليمن وتبث من الرياض وأبوظبي، بأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة قامتا بأعمال عسكرية ضد اليمن ردًا على استهداف السفن الإسرائيلية وعلى تعرض بعض القطع البحرية لخطر الصواريخ اليمنية، فقد أوردت أن طائرات “إسرائيلية” أغارت على اليمن نهاية شهر نوفمبر مستهدفة مخازن صواريخ دقيقة ومسيرات، لاحقاً وبعد بضعة أيام، ذكرت قناة الحدث، أن القوات الأمريكية قصفت يوم الأحد 3 ديسمبر ميناء الحاويات في مدينة الحديدة، ردّا على استهدف القوات اليمنية سفينتين إسرائيليّتين أخريين، حاولتا كسر الحصار اليمني عن السفن الإسرائيلية بحماية من القطع البحرية الغربية المتواجدة بالقرب من باب المندب، وفي كلتا الحالتين لم تثبت صحة أي من هذين الادعاءين، ولم تقم القوات الأمريكية أو الكيان الغاصب بأي فعل عسكري ضد اليمن، حيث أعلنت صنعاء أن التفجير الذي حدث في قمة جبل عطان بالعاصمة صنعاء كان لإتلاف بعض من المواد المتفجرة التي ألقاها طيران التحالف السعودي الإماراتي على اليمن خلال الحرب التي قادتها أمريكا منذ مارس 2015، حيث تجري بين كل فترة وأخرى تجميع مخلفات القصف الجوي السعودي الإماراتي على اليمن من القنابل التي لم تنفجر وإتلافها في مكان واحد، غير أن اللافت سرعة احتفال الأطراف اليمنية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي بهذا التفجير والترويج له على أنه قصف إسرائيلي على اليمن.
والخلاصة هنا أن طوفان الأقصى وما تلى ذلك من تداعيات انخراط اليمن قيادة وشعباً فيها، تسببت بتعرية الأدوات المحلية اليمنية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي التي يطلق عليها الأمريكي بأنها “الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً” وكشفت حقيقة كونها أداة بيد الكيان الإسرائيلي والأمريكي وخصوصاً حين تستنفر ناشطيها بمواقع التواصل الاجتماعي عند كل عملية تنفذها القوات البحرية اليمنية التابعة لصنعاء ضد سفن الكيان الإسرائيلي وتحاول التقليل من هذا الفعل والتشكيك به رغم كون الإسرائيلي والأمريكي يصرخون بقوة من شدة ألم الضربات اليمنية المؤثرة على الكيان واقتصاده.
هذه الأطراف ذاتها وعند كل خبر وتصريح يصدر من الولايات المتحدة الأمريكية أو من الإسرائيليين ضد اليمن ويحمل نبرة تهديدية، تهرع إلى تضخيم هذه التصريحات والتهديدات والترويج لها في كافة وسائل إعلامها الممولة سعودياً وإماراتياً بل إنها تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر اعتبار الفعل اليمني ضد كيان العدو الإسرائيلي بأنه يهدد الأمن القومي اليمني ويجلب على اليمنيين الخراب والدمار والحرب وأن الوقوف مع الشعب الفلسطيني بكل الوسائل يهدد الأمن القومي اليمني بل إن بعض هذه الأطراف كالمجلس الانتقالي الجنوبي أعلن استعداده حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وباب المندب مستجدياً من الأمريكيين والبريطانيين تمكينه من ذلك عسكرياً وهو بقدر ما يقدم نفسه جندياً تحت خدمة كيان الاحتلال الإسرائيلي فإنه يقر بأن المياه الإقليمية اليمنية في مناطق سيطرته جنوب اليمن ليست تحت سيادته وإنما تحت السيادة الأمريكية والبريطانية التي يطلب منها دعمه عسكرياً لتشكيل قوة ومن ثم السماح له بالانتشار فيها لحمايتها، وبالمثل أيضاً من ذهبوا للتقرب من كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر إصدار البيانات المنددة بما قامت به البحرية اليمنية التابعة لصنعاء من قطع للملاحة على سفن كيان الاحتلال والسيطرة على إحدى هذه السفن التي لم تستجب لتحذيرات صنعاء مسبقاً واعتبار هذا الفعل بأنه “قرصنة وإرهاب” بحسب ما جاء وأعلن رسمياً في اجتماع رسمي لحكومة ما تسمى (الشرعية) بقيادة معين عبدالملك في عدن في اليوم التالي لعملية قطر السفينة الإسرائيلية جلاكسي ليدر من وسط البحر الأحمر إلى السواحل اليمنية، كما ليس ببعيد طارق صالح قائد المليشيات المسلحة التي شكلتها الإمارات جنوب الساحل الغربي لليمن ليكون ذراع الأمريكيين والإسرائيليين في هذه المنطقة الحساسة القريبة من مضيق باب المندب، ففي الوقت الذي تصاعدت فيه عمليات بحرية صنعاء ضد سفن كيان الاحتلال ذهب الرجل إلى جيبوتي التي تقيم على أراضيها مجموعة من القواعد العسكرية لعدد كبير من الدول الغربية وحتى الشرقية بما في ذلك أيضاً التواجد الإسرائيلي العسكري غير المعلن هناك والحديث الصريح لإعلام طارق عفاش عن أن دور صنعاء في مساندة المقاومة الفلسطينية والضغط على كيان الاحتلال هو قرصنة وعمل إرهابي، وجميعهم بما كشفوه من مواقف متسرعة تسببوا بإحراق أنفسهم وتعرية حقيقتهم حتى أصبحوا اليوم أمام الشارع اليمني خصوصاً والشارع العربي عموماً عبارة عن كروت محروقة وهي من أحرقت نفسها.