ما الذي حققته عملية طوفان الأقصى حتى الآن وما الحقائق التي أثبتتها؟ (تقرير)
خاص – المساء برس|
أحدثت عملية “طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر هوةً كبيرة في ميزان الردع بين العدو الإسرائيلي والمقاومة في قطاع غزة وبينه وبين محور المقاومة، ونظراً لما يشكله الردع من ضرورة حياتية للكيان كونه يؤثر على الأبعاد الاستراتيجية للسياسات الصهيونية بشكل مباشر في المنطقة، فإن استعادة وترميم الردع الذي تآكل على مدى سنوات أمام جبهة المقاومة بات يعد التحدي الأكبر لدى الكيان المؤقت.
لكن ما عقّد الأمور أكثر وفك ارتباط عملية استعادة الردع حصراً بغزة، هو تدخل باقي أضلاع محور المقاومة في الحرب تباعاً منذ الثامن من أكتوبر أي اليوم التالي من العملية.
على إثر ها التدخل، بات السؤال عن اليوم التالي للحرب مطروحاً وبشكل كبير على طاولات صنّاع القرار في المنطقة، إذ ان استعادة الردع لم تعد عملية يمكن تحقيقها من خلال قطاع غزة، بل هو أمر يرتبط مباشرة بالسؤال الذي يدور في ذهن كل مستوطن ومسؤول إسرائيلي “هل سيتكرر ما حصل في السابع من أكتوبر؟”. هذا السؤال يعبر عن الأثر الاستراتيجي الذي حققته علمية “طوفان الأقصى” إذ إنها مسّت بشكل مباشر ما بني الكيان عليه وهو “الأمن”.
تآكل الردع وإعادة ترميمه
تقوم فكرة الردع على أساس منع الخصم من القيام بعمل هجومي أو استباقي، وعليه فإن تحقيق الردع تمثل بخطوات عملية وفي الأغلب تكون خطوات تدرجية تصاعدية، تبدأ بالتسلح الكبير المُعلن والتهديد المباشر أو عبر الرسائل أو من خلال ضربات استباقية تؤدي إلى ارتداع المستهدف عن الرد أو التفكير بعمل مستقبلي، وهذا ما سعى إليه الكيان طوال سنين مع مختلف ساحات محور المقاومة، إلا أن ما واجهه العدو طوال هذه السنين كان معاكساً فبدلاً من تثبيت الردع أمام الجبهات، أصبح في حالة تآكل.
والتآكل المذكور، تعد إحدى مسبباته بشكل رئيسي القواعد والمعادلات التي أمست جبهات المحور هي التي ترسيها أمام العدو وعلى وجه الخصوص حزب الله، فعلى سبيل المثال وخلال السنتين الفائتتين جرت العديد من الأحداث كان لها التأثير على الردع الإسرائيلي ومنها:
• سفن الدعم الإيرانية إلى سوريا:
o إزاء الحصار الاقتصادي المفروض على لبنان، ساهم إيران بكسر الحصار الأمريكي المدعوم إسرائيلياً، من خلال إرسال سفنها إلى سوريا والتي تحمل مساعدات لتخفيف وطأة الحصار الاقتصادي، ولضمان وصول هذه السفن، أرسى حزب الله على لسان أمين العام معادلةً دفعت العدو الإسرائيلي عن استهداف هذه السفن بعد التهديدات التي صدرت عنه بمنع وصولها، والمعادلة كانت اعتبار حزب الله هذه السفن جزء من السيادة اللبنانية.
• معادلات الغاز اللبناني.
• عملية مجيدو.
ليس هناك قياس محدد يمكن من خلاله تحديد مدى تراجع الردع أو تطوره، ولكن حينما يصبح الرادع هو المردوع، فإن هذا دلالة على تغير في التوازنات القائمة نتيجة تراجع الردع عن ما كان عليه، وهذه الأمثلة دلالة على تآكل الردع مع حزب الله.
على صعيد الساحة الفلسطينية، فمنذ معركة “سيف القدس”، أصبح العدو الإسرائيلي أمام واقع مغاير، إذ لمس أنه باتت المقاومة تصنع المعادلات وتلتزم بها ولا ترضخ للتهديدات، أي بصحيح العبارة أن المقاومة الفلسطينية قد أصابت “المقتل” في الردع الإسرائيلي، وهو عدم الرضوخ أمام خطواته التي بها يتشكل الردع (التهديد، الاغتيال..).
في 6 مايو من هذا العام، نقلت القناة 12 العبرية كلاما عن الوزير اليميني “بن غفير” مفاده التالي: “من وجهة نظر بن غفير، هناك سلسلة من الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل استعادة الردع، بدءًا من تجديد سياسة الاغتيالات، والتضييق على الأسرى الأمنيين – ومع ذلك، لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي إنجاز في أي مجال، وهو يلوم نتنياهو على “عدم السماح له بفعل ذلك”.
وحتى السادس من أكتوبر الحالي، حاول الإسرائيلي من خلال العديد من العمليات الأمنية في الضفة والاغتيالات في غزة (ثأر الأحرار) أن يحقق ترميماً للردع المتآكل ظناً منه بأن هذه الأعمال ستوقف الأعمال الصادرة عن المقاومة في مختلف الأراضي المحتلة، واعتبر أن الهدوء النسبي الذي تحقق مع الخصوم في الداخل هو نتيجة الترميم الذي حُقق بحسب تقديرهم، وبذلك وسّع العدو من خطواته في إعادة صورة الردع إلى أذهان مستوطنيه، أيضاً من خلال اقتحاماته المتتالية للمسجد الأقصى وكان آخرها ما جرى في الباحات عقب “عيد العرش” اليهودي والذي اعتبر تخطياً للخطوط الحمر بالنسبة للمقاومة الفلسطينية.
كسر الردع
جميع ما حُقق باعتقاد العدو سابقاً من ترميم للردع، اتضح فجر السابع من أكتوبر أنه كان خطأً جسيماً في التقدير، فالخطوات التي أقدم عليها العدو طوال الفترة السابقة، لم تكن رادعة للمقاومة، بل عززت من موقفها في اتخاذ القرار النوعي بالقيام بهذه العملية النوعية.
في الـ13 من فبراير من العام الحالي قال “أفيغدور ليبرمان” مايلي: “يجب استعادة الردع، المستوطنون يستحقون حياة آمنة”. هذا الكلام يظهر بشكل دقيق وواضح ارتباط مسألة المستوطنين بالردع الإسرائيلي، وبالتالي فإن العلاقة بين الردع والأمن الداخلي هي متبادلة، أي مع تنامي الردع يتنامى الأمن والشعور به لدى المستوطن والعكس صحيح، وعملية طوفان الأقصى أظهرت مدى انعدام الشعور بالأمن لدى المستوطن ليس فقط الذي يعيش على حدود غزة بل أيضاً من يعيش في الشمال خاصةً بعد دخول حزب الله المعركة في اليوم التالي للعملية، وأصبح بالتالي السؤال الرئيسي لدى المستوطن الإسرائيلي حول احتمالية تكرر العملية، وبالنسبة للمسؤولين كيف نضمن عدم تكرارها.
وعليه وبما يتعلق بالردع يمكن فإن عملية طوفان الأقصى قد حققت التالي:
• تنامي الشعور بعدم الأمان لدى المستوطنين.
• الخوف من تكرار هذه العملية.
• ضرب عامود الحياة لدى العدو وهو “الأمن”
هذه العوامل الثلاث أكدت بأن الردع الإسرائيلي بينه وبين المقاومة الفلسطينية زادت هوته واتسعت بشكل كبير، وأن الهدف الإسرائيلي أصبح “ضرورة استعادة الردع”.
الفشل في استعادة الردع
بعد أيام من بدء الحرب على قطاع غزة قال رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” مايلي: “الهجوم على غزة مرحلة أولى ضمن مراحل لاستعادة الردع في الإقليم”، يشير هذا التصريح إلى أنه كما كانت عملية طوفان الأقصى تغيراً كبيراً في مستوى الصراع ونقله إلى مراحل متقدمة، فإن تدخل حزب الله واليمن والعراق في المعركة قد نقلوا مستوى الصراع إلى درجة أعلى، إذ إن مشكلة الردع لم يعد يقتصر حلّها على استعادته مع المقاومة الفلسطينية، بل مع مختلف جبهات محور المقاومة ذلك نتيجة عمليات الجبهات المساندة والتي لم يستطع الإسرائيلي حتى الآن إيقافها، وعليه أصبحت عملية استعادة الردع واسعة بالنسبة للإسرائيلي، والحرب على القطاع باتت خطوة من خطوات عدة ولا يمكن الوقوف عندها لاستعادة الردع المتآكل.