ثورة 21 سبتمبر: إنهاء الوصاية الأجنبية وبناء دولة مستقلة ذات سيادة
وما يسطرون – محمد بن عامر – المساء برس|
تُعرف الثورة بأنها تغيير جذري وسريع في الهيكل الاجتماعي والسياسي للمجتمع، وعادةً ما ترتبط بتوترات وتحولات في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويعبر هذا المصطلح التاريخي عن التحول الدراماتيكي في حياة الشعوب والحضارات، والثورة عمومًا تمتاز بقدرتها على إحداث تحول شامل في البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمعات، وبالتالي التغييرات التي تحدث في إطارها هي نقاط تحول حاسمة في حياة الشعوب، باعتبار أن هدف الثورة الطبيعي هو تحقيق تغيير إيجابي من خلال التخلص من البؤس والشقاء التي كانت تعاني منه الشعوب في الماضي، وإسقاط النخب الحاكمة والنظام السياسي الظالم، وتأسيس نظام جديد يأخذ بعين الاعتبار آمال وتطلعات الشعب، وهذا في الحقيقة، ما حرصت عليه ثورة 21 سبتمبر، فهي ثورة فريدة ومتجددة في أهدافها ومعطياتها ، مختلفة عن سواها من الثورات السابقة.
إن الثورة هي حدث شعبي بحت، وما يميزها أنها لم تكن مدفوعة أو متأثرة بأي طرف خارجي، وكذلك لم تكن نابعة من الرغبة في الاستيلاء على السلطة بل جاءت لإعادة الاعتبار للذات اليمنية واستعادة كرامة الشعب اليمني وحقوقه المسلوبة ولإصلاح المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وغايتها تغيير الأوضاع التي كانت سببًا أساسيًا في تشكل عوامل نشأتها.
ومع تفاقم الظلم وانتشار الفساد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتعدي على الحريات وانتهاك السيادة الوطنية وامتهان الكرامة الإنسانية قادت الثورة الأحداث نحو التغيير من خلال إنهاء عهد الوصاية والهيمنة الأجنبية على القرار اليمني، وتقديم مشروع متكامل لاستعادة الاستقلال والحفاظ على السيادة وإعادة بناء الجيش اليمني، والعمل على إعمار القطاع الزراعي، إضافة إلى القضاء على الفاسدين الذين قاموا بافشال أهداف الثورات السابقة واستغلوا مناصبهم لتحقيق مصالحهم الشخصية.
ثورة 21 سبتمبر 2014م تمثل قوة وأمانًا للجمهورية اليمنية، ووحدتها التي تعرضت للاستهداف بأبشع الطرق وباستخدام كل أدوات الضغط، ولكنها نجحت في التصدي لطموحات الدول العظمى وأتباعها من الخارج، بدايةً من السعودية والإمارات، التين حاولتا تحقيق أجنداتهما الخاصة، وقد كشفت هذه الثورة حقيقة وضع البلاد والجهات المشاركة في ألم الشعب وتسببها في تصدير الفوضى إلى الوطن، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الوصاية الأجنبية وانتهاك السيادة شيئًا من الماضي، ولم يعد الشعب اليمني يتقبل أي تدخل أجنبي ويسعى جاهدًا لتحقيق الاستقلال الكامل.
ومن المستبعد أن تعود الوصاية الأجنبية على اليمن، ولو افترضنا ان تحدث تغيرات تؤدي إلى عودتها مرة أخرى – وهو أمر غير مرجح – فإن ثورة 21 سبتمبر ستكون قد حققت أهم الأهداف، ومن الواضح أن هناك مساعي اعادة الوصاية عن طريقة الشرعية الزائفة والوسائل الملتوية ولكنها لن تستطيع الصمود أمام غضب وعزيمة الشعب اليمني الذي لن يقبل أقل من الاستقلال التام وطرد القوات الأجنبية من كامل أرضي البلاد.
نجاح ثورة الحادي والعشرين في تغيير مجرى الأحداث
فعلى مدى سنوات الحرب نشهد بناء الجيش اليمني الحر الذي يُدافع بكل قوة وشجاعة عن وطنه ويحقق انتصارات متتالية في مواجهة أعداء بلده عازمًا تحقيق الحرية والاستقلال، وها نحن اليوم نشاهد العرض المهيب للقوات المسلحة التابعة لقوات حكومة صنعاء بمناسبة الذكرى التاسعة للثورة المجيدة، ونستمع لتصريحات قياداتها العسكرية التي تؤكد المضي قدمًا نحو طريق تحرير اليمن والحفاظ على وحدته، وهكذا فإن ثورة 21 سبتمبر ستبقى رمزًا للحرية والاستقلال مهما حاول أعداء هذا الوطن تشويهها، والنيل منها ومن قيادتها وإنجازاتها العظيمة.
لقد ثبتت ثورة 21 سبتمبر مكانتها في الساحة اليمنية من خلال العديد من الإنجازات التي غيرت تمامًا المشهد السياسي، وأعادت لليمن هيبته وأعطته استقلاليته في إدارة شؤونه وصنع قراراته السياسية في حدث تاريخي غير مسبوق، ويظل اليمنيون يحتفلون بذكرى هذه المناسبة كل عام لإحياء الانتصارات القيمية والأخلاقية والسياسية والعسكرية والأمنية، وهذا الاحتفال يعد دافعًا للاستمرار في مواجهة المهددات الخارجية وتعزيز الالتحام الشعبي لإفشال مخططات أعداء الوطن التي تهدف إلى إعادة اليمن إلى حالة التبعية والوصاية والاستبداد، وهو احتفال يعكس إرادة الشعب اليمني في الحفاظ على استقلاله وحقه في تقرير مصيره، ويوحد اليمنيين في سعيهم المشترك لبناء دولة مستقلة ذات سيادة.
وأظهرت نتائج ثورة 21 سبتمبر نجاحًا حقيقيًا في السنوات الأخيرة في تحقيق أهدافها من خلال بناء الجيش اليمني وتطوير قدراته العسكرية وصناعة أسلحة جديدة، مما ساهم في فرض معادلات جديدة وتغيير موازين القوى، كما تمكنت من مواجهة جميع أشكال المؤامرات والمخططات المختلفة التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وجعل اليمن مرتعاً للتنظيمات والجماعات الإرهابية. وقد كان الوعي الشعبي هو السلاح القوي الذي ساهم في تجاوز هذه التحديات وإدراك أهمية الثورة كجزء لازم من عملية بناء دولة مستقلة وقوية تتمكن من ممارسة سيادتها وتحديد مصيرها، فالثورة اليمنية لن تتوقف عند الإطاحة بالنظام العميل وموروثه، بل ستستمر في تدعيم صفوفها والتصدي لأي تهديدات تواجه البلد، وتحقيق آمال وتطلعات الشعب في بناء مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا وازدهارًا.
رحلة الشعب اليمني نحو الحرية والاستقلال: محطات رئيسية في مسيرة بناء دولة مستقلة لليمن
ما قبل هذه الثورة المجيدة، كانت الجمهورية اليمنية مسرحًا لصراعات إقليمية ودولية، وتصفية حسابات بالتزامن مع ظهور أنشطة امبريالية ومحاولات تمرير أجندة أجنبية تستهدف ثروات البلد ومقتدراته، وقد سبق أن جُعلت ملاذًا للتنظيمات الإرهابية التي تدعمها بعض الدول التي تدعي مكافحة الإرهاب في أعقاب تعرض ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر للتحريف والتأثيرات السلبية على مدى الخمسة عقود الماضية.
ثورة 26 سبتمبر تمثلت في استجابة المجتمع اليمني آنذاك للظروف الاجتماعية الصعبة التي أذاقت اليمنيين المرارة لعدة سنوات، ولكن لم يتم تحقيق أي تغيير في هذا الواقع المظلم والمليء بأشكال الظلم والتمييز الاجتماعي، وذلك بسبب تأثر الثورة بتدخلات خارجية أشعلت نار الحرب بين صفوف الجمهوريين في السنوات الأولى بعد قيام الثورة، وتم إنشاء نظام عميل يخضع لإرادة جارة السوء لمدة 33 عامًا.
كانت اليمن بمثابة حديقة خلفية للمملكة العربية السعودية بدلاً من أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة، وكانت الرياض تتدخل في الشؤون اليمنية وتتحكم في منظومة الحكم عبر عملائها واللجنة الخاصة التابعة لها من خلال شراء ولاءات وذمم المسؤولين والقبائل والمشايخ لسنوات طويلة.
وتزايدت معاناة الشعب اليمني في تلك الفترة، حيث ارتفعت مؤشرات الفقر والبطالة، وغابت العدالة الاجتماعية والمسائلة والشفافية في إدارة الثروة الوطنية التي تعرضت للإهمال والاستغلال، علاوة على ذلك، تفاقم الوضع الأمني، وجرّاء ذلك، كان هناك حاجة إلى ثورة تصحيحية تعيد للشعب اليمني حريته وكرامته المسلوبتين، وجاءت ثورة 21 سبتمبر لتحقيق ذلك الهدف ومواجهة أعداء الثورة الداخليين والخارجيين الذين حاولوا إفشالها لمدة تسع سنوات في إطار حرب كونية دمرت البنية التحتية للبلاد، وتسببت بانهيار اقتصاده، وحولت بعض المناطق إلى بؤرة للفوضى والإرهاب.
روح الثورة ورؤية المستقبل اليمني
“ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون”
إن التكالب الاقليمي والدولي ضد اليمن والاستمرار في فرض الحصار على كافة منافذه لم ينجح في كسر عزيمة الثورة واستعادة النفوذ السابق للسفارات الأجنبية وعلى رأسها السفارة الأمريكية وإلى جانبها السفارة السعودية، وعلى العكس من ذلك، زاد من عزيمة الشعب اليمني وصلابته وصموده في مواجهة كل التحديات، متمكنًا من كبح تهديدات الأعداء ومؤامراتهم الغادرة، معززًا بهذا صموده وإصراره على استعادة حقوقه واستقلال بلاده.
وما لا يمكن إنكاره أنه حتى هذه اللحظة لم تتحقق كامل أهداف ثورة 21 سبتمبر في اليمن، فبعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر تعرضت البلاد لحرب شنتها دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وهذه الحرب تسببت في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أعائق من تنفيذ إصلاحات إدارية وسياسية واجتماعية، ومن أجل ذلك، يحتاج اليمن إلى جهود مستمرة لإعادة بناء البنية التحتية، وتحقيق تحول حقيقي ومستدام في البلاد، وهذا يشمل التركيز على تعزيز الحوار والمصالحة الوطنية لبناء مؤسسات ديمقراطية قوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وبغض النظر عن التحديات، فإن تحقيق الإصلاح الجذري لا يمكن أن يُنفذ بشكل فوري إنما هي عملية طويلة تتطلب جهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك القيادة السياسية والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والمواطنين.
في النهاية، يدرك الجميع جيدًا حقيقة الدور الأمريكي وتدخله في شؤون بلادنا، وهذا أصبح واضحًا من خلال نجاح ثورة 21 سبتمبر التي تحمل أعباء و مسؤوليات وطنية تؤكد أهمية الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، ولا يمكننا نسيان أن هذه الثورة هي نتيجة للمسيرة القرآنية، والتي ستستمر بقيادة الشاب الحكيم عبد الملك الحوثي الذي قاد هذه الثورة العظيمة، وإلى جانبه الشعب اليمني حتى أن تشع نورها وتبلغ كل نواحي الأرض، يقول الله تعالى “وليظهره على الدين كله ولو كره المشركون”.