تحقيقات استقصائية تستند لـ72 ألف وثيقة سرية إماراتية (هنا ننقل لكم ما جاء بشأن اليمن)
صحافة – المساء برس|
“هجوم على خبراء الأمم المتحدة في الحرب في اليمن” عنوان فرعي ضمن تحقيق استقصائي يستند إلى 72 ألف وثيقة وسرية إماراتية، نشرته مجموعة من المؤسسات الإعلامية الأوروبية بالشراكة مع مؤسسة “درج” عبر مكتبها في لبنان للتحقيقات الاستقصائية.
“المساء برس” يعيد في هذه المادة ما جاء في التحقيق الاستقصائي بشأن اليمن:
كشفت الوثائق عن مهمة سرية أخرى للعميل مطر الإماراتي أكثر حساسية، والموضوع هو الحرب في اليمن وآلاف الضحايا. إذ تسبب الصراع والحصار البحري المفروض على البلد من قبل السعودية والإمارات (اللتين تواجهان الحوثيين المدعومين من إيران) بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً للأمم المتحدة.
في عام 2018، استنتج تقرير فريق الخبراء المؤقت التابع للأمم المتحدة، أن جميع الأطراف المتحاربة – بما في ذلك الإمارات – مسؤولة عن جرائم الحرب. تستغل شركة ألب سيرفيس (هي شركة أوروبية تعاقدت مع الإمارات عبر العميل الاستخباري مطر من أجل العمل على تحسين صورة الإمارات في أوروبا والعالم ونفي أي جرائم لها والتأثير على بعض السياسات في أوروبا) هذه الفرصة وتقترح على العميل مطر إطلاق عملية “كينو” مقابل 150،000 يورو، بهدف التحقيق لاكتشاف أي أدلة محرجة على الخبيرين المغربيين في لجنة الأمم المتحدة: أحمد حميش وكمال الجندوبي.
الأول هو ضابط سابق في القوات الجوية المغربية. بحثت ألب سيرفيس عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن حضور لأفراد عائلته. يشير تقرير التحقيق إلى وجود “إشارات”، بما في ذلك روابط مزعومة مع “متطرفين وقوى أجنبية وجماعة الإخوان المسلمين”. بالنسبة الى أحمد حميش، انتهت العملية هنا.
أما الخبير الثاني في الأمم المتحدة، فهو المحامي وناشط حقوق الإنسان التونسي، كمال جندوبي الذي رصد سيرته السياسية، وأشار التحقيق إلى تفاصيل وإشاعات عن حياته الشخصية، التي تم الحصول عليها من “صحافيين” وغيرهم من “المصادر”.
منذ بداية عام 2019، بدأت المقالات الموجّهة ضد كمال جندوبي تظهر. يكتب مدون أنه شخص استغلالي يتنكر بصفة “بطل حقوق الإنسان”. عنوان آخر: “هل كمال جندوبي عضو في جماعة الإخوان المسلمين؟” في صفحته على ويكيبيديا، يظهر أنه كان مرتبطاً بتنظيم القاعدة الإرهابي.
تحدث كامل جندوبي لـ EIC ولم يخفِ غضبه: “الناس الذين يعرفونني كانوا يعلمون أن هذا ليس له أي معنى. كانوا يتهمونني بالتعاطف مع الإسلاميين، في حين أنني اعترضت عليهم دائماً. ولكن ما هو مخيف هو أن تكرار الاتهامات نفسها جعلها تقريباً الحقيقة”.
الجندوبي لـ”درج”: الأمم المتحدة لم تحمني من الحملة الإماراتيّة
أربع سنوات هي الفترة التي أمضاها كمال الجندوبي كرئيس للجنة الخبراء حول جرائم الحرب في اليمن. وستة أشهر، هي الفترة التي اقترحتها شركة العلاقات العامة السويسرية ALP لتشويه سمعته، بطلب من دولة الإمارات العربية المتحدة.
مهمة رئيس لجنة الخبراء حول جرائم الحرب في اليمن، كما هي الحال بالنسبة الى بقية أعضاء الفريق، كانت تطوعية. فباستثناء مصاريف المهمة من سفر وإقامة وأمور لوجستية، لم يتقاضَ الجندوبي أي بدل مالي على أتعابه، علماً أنه خلال هذه الفترة كان يخصص أكثر من نصف وقته لعمل اللجنة. 25 ألف يورو، هي الكلفة التي اقترحتها ALP لحملة التشويه عبر خلق ونشر معلومات عن شبهات فساد مع قطر ومع الإخوان المسلمين.
الخطة التي تم تفنيدها عبر وثيقة، اطلع عليها موقع “درج” و شركاؤه في مشروع “أسرار أبو ظبي” الذي أطلقته صحيفة Media Part الفرنسية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وتحت عنوان “سري للغاية”، أرسلت ALP اقتراحها للـ”زبون” الإماراتي عبر شخص أسمه مطر، يُعرف عنه أنه من المقربين من الشيخ طحنون، شقيق ولي العهد محمد بن زايد.
على الرغم من شراسة الحملة التي تعرض لها، يقول الجندوبي إنه لا يزال عازماً على عدم تغيير كلمة واحدة في أي من التقارير الأربعة التي أصدرها فريقه، والتي وفي كل مرة، توصلت الى نتيجة أن كل الأطراف المشاركة في القتال في اليمن قد شاركت بجرائم حرب.
يقول الجندوبي، “لو استطاعوا تثبيت أي خطأ قمنا به، لاعتذرت و تراجعت وقمت بالتغيير اللازم، ولكن أنا اليوم لا أزال عند موقفي، وأنا فخور بما قمنا به من أجل اليمنيين.
في هذه اللجنة، كنا صوت اليمنيين الذين يشعرون عن حق بأنهم منسيون من قبل العالم. عملنا كان الصوت الذي يقول بعض الشيء عنهم وعن الجرائم التي ارتُكبت بحقهم، والوثائق التي عملنا عليها هي الوحيدة الموجودة حتى الآن التي توثق هذا الأمر”.
تمويل إماراتي، خبرة سويسرية، وتخاذل أممي
لم يعلم كمال الجندوبي أن وراء حملات تشويه السمعة المركزة التي انطلقت بعد نشر التقرير الأول للجنة شركة سويسرية مدفوعة الأجر، إلا بعد كشف Media Part عن أعمال شركة ALP، الذي ارتكزت عليه صحيفة الـNewYorker في سياق تحقيقها عن حازم ندا، والذي ذكرت خلاله الجندوبي بالإسم، ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن يشك، ويتوقع.
في مقابلة هاتفية مع الصحافيين المشاركين في التحقيق، قال الجندوبي إنه ومنذ بداية المهمة، كان يشعر أنه وأعضاء الفريق لم يكونوا بأمان: “الحقيقة أني لم أكن أشعر أننا بأمان منذ بداية المهمة. أثناء فترة الإقامة في بيروت، لم أكن حتماً أشعر أننا بأمان، و كنت أعبر عن هذا الأمر”.
وأضاف: “لكن بالنسبة الى حملة تشويه السمعة، فهي بدأت بعد نشرنا التقرير الأول الذي شكل صدمة، لأنه طرح إشكالية جرائم الحرب في اليمن من قبل جميع الأطراف. كنت أعي جيداً أن التقرير الذي عملنا عليه كان حساساً، و لكن ما بدا واضحاً ان هناك دولاً كانت تتصرف كدول منحرفة”.
وتابع، “كنت اتوقع ردوداً ديبلوماسية وسياسية قوية، ولكن الردود كانت عنيفة وغير مبنية على وقائع.
اتُّهمنا بالانحياز الى الحوثيين. كان ذلك غير صحيح لأننا قلنا إن الحوثيين أيضاً يرتكبون جرائم حرب. ثم اتُّهمنا بالانحياز الى إيران، ولكن الأخيرة لم تكن مشاركة بشكل مباشر، والأهم أنها لم تكن ضمن إطار المهمة التي أوكلت لنا. هناك أطر محددة لمهمتنا كان علينا الالتزام بها، ونحن قمنا بعملنا بشكل مهني”!
وكشف : ما أثر بي بشكل كبير هو عدم أخذ هذه الردود وهذه الحملات والتهديدات على محمل الجد من قبل الأمم المتحدة… في المحصلة النهائية، الأمم المتحدة لم تدافع عن فريق هي عيّنته وهو يمثلها، والأهم أنه انتُخب بالإجماع.
كون الجهة المنفذة شركة سويسرية، لم يفاجأ الجندوبي، فبحسب رأيه، في سويسرا كما في كل مكان آخر في العالم، هناك مرتزقة “يفعلون أي أمر من أجل المال”. وهو يستغرب القوانين السويسرية التي تسمح لشركات أن تقوم بمثل أنشطة كهذه، هي ليست فقط لا أخلاقية ولكنها تنطوي على أبعاد مثل تدمير السمعة عن سبق تصميم وترصد. لكن المسؤولية الأكبر بالنسبة إليه تقع على عاتق الأمم المتحدة. وأشار الى أن هذا الفريق تعرض لحملة ممنهجة ومترابطة، وكانت أكثر من واضحة، والأمم المتحدة لم تفعل أي شيء. وهذه الواقعة تكشف كثيراً عن كيفية تعاطي الأمم المتحدة مع الدول التي تملك المال. كان هناك حرص كبير على مجاملة أطراف قوية ديبلوماسياً أو مالياً.
ولفت: “كانت هذه أول مهمة لي مع الأمم المتحدة، ورأيت عن قرب هشاشة الآليات الدولية وتعاملها مع وقائع من الخطورة والعمق كما يحصل في الحروب، هناك هشاشة وهناك علاقات معقدة ومرتبطة بموقع الأمم المتحدة خلال النزاعات والدور الذي تلعبه حينها. هشاشة لا تعزز مصداقية الأمم المتحدة، فهناك شيء من حملات ابتزاز خاصة على صعيد عملية التمويل”.
بالفعل، فإن فشل مهمة الحملة ضد فريق المحققين لم يكن كافياً لحماية المهمة التي كانوا يقومون بها، وبالنتيجة تم توقيف عملها عبر التأثير على نتيجة التصويت في مجلس الأمن من قبل ال47 دولة التي يحق لها التصويت لتمديد عملها. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لم تجدد مهمة اللجنة، ليس لأخطاء ارتكبتها ولا لانتهاء مهمتها، إنما عبر التأثير على تصويت الأعضاء، إذ صوتت 21 دولة ضد التمديد مقابل 18 صوتاً معه، علماً أن اللجنة ذاتها قد انتُخبت بالإجماع من قبل 47 دولة قبل ذلك بأربع سنوات.
استهداف فتنصّت ثم تشويه سمعة
لم يكن الجندوبي مخطئاً ولا مبالغاً في حذره، فقبل حملة تشويه السمعة، كانت مرحلة التنصت، إذ ورد اسمه على لائحة من تم التنصت عليهم من خلال برنامج بيغاسوس. عندها، كما عند نشر المعلومات عن حملة تشويه السمعة، لم تحرك الأمم المتحدة ساكناً.
يذكر الجندوبي أن كثراً اعتبروا أنه كان مبالغاً في مخاوفه، فيما شدد هو على أن الأمر لم يتعلق يوماً به، بل بسمعة اللجنة ومصداقية عملها. فسمعته الشخصية، وعلى الرغم من أن الحملة كانت مؤذية، بخاصة بالنسبة الى عائلته وأصدائقه والمقربين منه، إلا أنها لم تؤثر عليه.
“من يعرفونني يعرفون جيداً أن أي اتهامات تتعلق بعلاقة مع قطر أو الإخوان أو الفساد، ليست فقط غير دقيقة، بل مستحيلة، “فالجندوبي أمضى عمره محارباً الإسلام السياسي، ومواقفه النقدية من قطر لم تتوقف يوماً.
“قدمي لم ولن تطأ أرض قطر يوماً. أما بالنسبة الى شبهات الفساد وثروتي الهائلة في فرنسا والقصر الذي اشتريته هناك، لم يكن قصراً واحداً، اشتريت قصرين…
تقييم الجندوبي الى حد بعيد كان مطابقاً لتقييم الخبراء السويسريين، وإن كانت التسميات مختلفة، فالسمعة الطيبة أسماها تقرير ALP “دعماً إعلامياً قوياً”. أما حرص الجندوبي على سلامته وسلامة فريقه، فتم توصيفه بحسب التقرير Paranoia . هذه الأمور جعلت من مهمة تشويه السمعة أمراً أكثر تعقيداً، ولكن مقابل الثمن المناسب كل شيء كان ممكناً.
الخطة لتشويه سمعة لا غبار عليها: ستة أشهر و25 ألف يورو
تقييم فريق ALP المتعلق بالجندوبي يأخذ أبعاداً استثنائية على الأقل بسبب نقطتين، أولاً الجندوبي كان يقوم بمهمة لصالح الأمم المتحدة (غالبية الشخصيات الأخرى التي استهدفتها ALP لصالح الإمارات، تنتمي إلى منظمة الإخوان المسلمين، أو في حالات أقل الى قطر، كما حصل تحديداً مع المدعي العام القطري الذي كان هو أيضاً على لائحة بنك الأهداف. وثانياً والأهم، أن سمعة الرجل لا غبار عليها، فضلاً عن كونها خالية من أية معطيات يمكن استخدامها لخلق مادة جدلية تحقق ولو بالحد الأدنى هدف تشويه السمعة.
استراتيجية ALP وشركات علاقات عامة أخرى، ترتكز بالخطوة الأولى على تجميع معلومات استخباراتية عن الهدف. هذه المعلومات يفضَّل أن تكون حقيقية ومبنية على وقائع، ويصار لاحقاً على التلاعب فيها وفقاً لخطة يتم وضعها من قبل فريق من الاختصاصيين. في حالة أكثر من 1500 شخصية محسوبة على الإخوان المسلمين موجودة في أوروبا تم أيضاً استهدافها، الأمر لم يكن صعباً وارتكز في غالبية الحالات على تصريحات هم فعلاً قالوها تتضمن معاني معادية للسامية، أو لحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المثليين، أو من جهة أخرى داعمة لحركة “حماس” التي تعتبر منظمة إرهابية في أوروبا.
المشكلة في حالة الجندوبي، أنه على مدى مسيرته المهنية وحتى في حياته الخاصة، أمضى عمره وهو يدافع عن حقوق الإنسان ويقاتل الإسلام السياسي بكل أشكاله، وهذا الأمر لحظته ALP في تقريرها الأول.
“حاليا”، سمعة كمال الجندوبي ممتازة، على محرك البحث “غوغل”، في اللغتين الفرنسية والإنكليزية، لا يوجد أي انتقاد، كل الروابط المتعلقة به تتحدث عنه بإيجابية، وهناك بعض المقالات المحايدة… صفحة ويكيبيديا الخاصة به، مليئة بمعلومات تتعلق بإنجازاته الأكاديمية والمهنية وحتى السياسية. تقول ALP في تقريرها، إن أي قارئ “بسيط” ينظر الى هذه المعلومات سيجد الجندوبي “ناشط حقوق إنسان شجاعاً، واختصاصياً في الأمم المتحدة وضحية للسعودية ودول خليجية أخرى”.
لا سمعة الجندوبي، ولا نوع المهمة الموكلة إليه وأهميتها بالنسبة الى اليمنيين، كانا كافيين بالنسبة الى ALP لرفض المهمة، والحل بالنسبة إليها كان واضحاً وسهلاً: حملة إعلامية دقيقة، ولكن واسعة subtle and viral تمتد على مدى ستة أشهر، تنشر خلالها مقالات بوتيرة مقالة كل أسبوعين، تتحدث عن علاقات الجندوبي مع قطر والإخوان، وتطلق أخباراً عن إشاعات فساد. صفحة ويكيبيديا الفرنسية يتم تعديلها بما يتناسب مع الصورة الجديدة التي تود ALP نشرها، فضلاً عن خلق صفحة جديدة باللغة الإنكليزية والتواصل مع وسائل الإعلام وتزويدهم بالمعلومات عن “حقيقة خلفياته”.
“النتيجة، سمعة كمال الجندوبي بعد ستة أشهر، سيكون قد أُعيد تشكيلها، بطريقة سلبية ولكن صادقة، تماماً كما فعلنا مع المدعي العام.
لا يقتصر الهلع الإماراتي في اليمن على خبراء الأمم المتحدة. ففي 3 أيار/ مايو 2018، أمر رئيس مشروع الإمارات في شركة ألب سيرفيسز أحد زملائه بوقف عمله على الفور للتعامل مع “طلب عاجل جديد”. المهمة: التحقيق في صحافي أميركي يعمل على حرب اليمن.
تم تفويض التحقيق على عجل إلى شركة أيرلندية للاستخبارات الخاصة. تم استعراض حياة الصحافي بالتفصيل. تقرير أولي، تم تقديمه في 7 أيار 2022، يتناول عائلته وثروته وحتى مخالفاته المرورية. تم إرسال تقرير ثانٍ يستهدف زوجته فقط إلى شركة ألب بعد بضع ساعات.
في اليوم نفسه، أي بعد أربعة أيام من “الطلب العاجل”، لاحظت فرق العمل في ألب نشر المقالة التي كتبها الصحافي. يعلق أحد الموظفين: “توجه المقالة بشأن مشاركة الإمارات في اليمن سلبي جداً”.
المصدر: مؤسسة “درج” في لبنان للصحافة الاستقصائية، ضمن تحقيق استقصائي اشتركت فيه درج مع مؤسسات إعلامية أوروبية تحقق حالياً في الـ72 ألف وثيقة سرية إماراتية.