تقرير يسلط الضوء على سياسة التحالف السعودي الإماراتي التي ينتهجها منذ سنوات جنوب اليمن
صحافة – المساء برس| تقرير: لقمان عبدالله|
تقرّ النخبة المحسوبة على النظامين السعودي والإماراتي في جنوب اليمن، بفشل إدارة الوكلاء المحلّيين في مناحي الحياة والمؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية. فشل يلحق بالمرافق الحيوية والحساسة في البلاد، مثل البنك المركزي، وميناء عدن، ومطارها، وشركات الكهرباء، وتوزيع المحروقات، فضلاً عن انهيار العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة
تعجز حكومة عدن بشكل تام عن إيجاد حلول للأزمات المتوالدة (المتكاثرة) بشكل متسارع، وآخرها أزمة انهيار العملة اليمنية المتداولة في المحافظات الجنوبية، الأمر الذي تسبّب بارتفاع كبير في الأسعار، وأدى خلال الأيام الماضية إلى تظاهرات شعبية كبرى في عدن. لا بل إن المستوى السياسي الحاكم في الجنوب مستسلم تماماً للأمر الواقع وغير قادر حتى على التفكير بإيجاد العلاجات المناسبة. فقد صدّرت كل من الرياض وأبو ظبي شخصيات مغمورة تفتقر إلى الأهلية الوظيفية أو المهنية إلى المراكز العليا في البلاد، وتمّت التعيينات فقط لمجرّد الولاء والطاعة والسير الأعمى وفق الأجندة الخليجية، فتحكمت هذه الشخصيات برقاب العباد وعاثت في البلاد فوضى وفساداً، واختل النظام العام.
وتتم التعيينات في الوظائف العليا (عسكرية ومدنية) وفق نظام المحاصصة المتوافَق عليه بين الدولتين الخليجيتين المحتلتين للمحافظات الجنوبية، مع ملاحظة أنه في الآونة الأخيرة، خرجت مسألة التعيينات الوظيفية عن نظام المحاصصة، إلى التعيينات عنوة خارج النظام المعمول به، إذ إن المملكة استوعبت متأخرة، وخصوصاً بعد فشلها الذريع في الحرب التي شنتها على اليمن في الشمال، ضرورة إيجاد متكآت سياسية وعسكرية في المحافظات الجنوبية خارج تحالفها مع دولة الإمارات. وهي بالفعل سارعت إلى العمل على تشكيل فصيل عسكري محلي مدرّب في معظم المحافظات الجنوبية تحت اسم «درع الوطن»، ووفّرت له كل المستلزمات المالية والاستقطاب والتدريب والتجهيز.
وعلى المستوى السياسي، بدأت الرياض بإنشاء مجالس سياسية تمثّل أجندتها الخاصة، لمواجهة «المجلس الانتقالي الجنوبي»، حيث أشهر حلفاؤها المحليون أخيراً في محافظة حضرموت «المجلس الوطني الحضرمي»، فيما أعلنت «الإخبارية» السعودية عن استعدادات تجري لتشكيل مجلس سياسي جديد يجمع الأحزاب والمكونات والشخصيات في محافظة عدن. وفي الوقت ذاته، عنونت قناة «الحدث»: «بعد حضرموت، محافظة شبوة (شرق) تعلن عن تأسيس حلف يجمع قبائلها وأبناءها لإدارة شؤونهم الأمنية والاقتصادية»، ونقلت مطالبة الحلف للحكومة بصلاحيات كاملة في إدارته وتمكين أبناء شبوة من إدارة شؤونها في المجالات كافة. وبارك الحلف تشكيل «المجلس الوطني الحضرمي». وفيما يستمر الصراع على النفوذ في المحافظات الجنوبية بين السعودية والإمارات، تستمر أيضاً الأزمات المختلفة التي يعاني منها أبناء الجنوب منذ عام 2015، وهو مشهد يتكرّر كل عام، وخصوصاً في الصيف. فما إن تُعالَج أزمة، حتى تظهر أخرى إلى العلن، من انتشار الفوضى الأمنية وعصابات النهب والسرقة المنظّمة، إلى فوضى امتلاك السلاح وانتشاره، والميليشيات التي تتحكّم بالسلطة تحت مسمى «المقاومة»، وليس أخيراً الفساد المستشري حتى النخاع في كل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الغياب التام للسلطة القضائية أو الرقابية.
أما عن الأجهزة الأمنية، فحدّث ولا حرج، بل أفضل توصيف لها مع حسن الظن بها، أنها «ميليشيا مناطقية» يتقاسم قادتها النفوذ والمغانم، فيما تُقسّم المناطق بينهم، وفق قدرتهم على البلطجة وفرض أنفسهم كأمر واقع. فقد تعمّد «التحالف العربي» الاستغناء عن الطواقم الأمنية والعسكرية والقضائية (ضباطاً وقضاة)، وكذلك عن الكوادر المتخصّصة في مؤسسات الدولة وأحالهم إلى بيوتهم من دون أي مسوغ قانوني أو أخلاقي، وفرض في مواقعهم آخرين أتى بهم من الفصائل والميليشيات المتنفّذة من ضمن عملية التقاسم والمحاصصة، وذلك من دون اعتبار للمواصفات العلمية والأكاديمية، أو القيام بالتدريبات اللازمة لشغل تلك المواقع. لا بل إن بعض الأقسام الشرطية والقضائية والعسكرية يقودها أشخاص معروفون بسجلّهم الإجرامي وترويعهم للمدنيين، ولا يزالون يمارسون الدور نفسه، لكن هذه المرة بغطاء أجهزة الدولة وآلياتها، ودعوى الحرص على تطبيق القانون.
المراقب للمشهد الجنوبي سيجد العشرات من تلك الأسئلة. وإلى جانب كل سؤال سيتكرّر سؤال مركزي: هل «التحالف» عاجز عن المعالجة؟ هل «التحالف» عاجز عن الإتيان بالكهرباء والماء والتعليم والصحة والأمن؟ والسؤال الأهم: لماذا يمنع «الدولة» من بسط الأمن والإتيان بالكهرباء والماء وغيرها؟ لماذا تمنع مثلاً الإمارات الاستفادة من ميناء عدن، ولماذا معظم بضائع عدن والمحافظات القريبة منها تُستورد عبر ميناء الحديدة، في وقت كان فيه ميناء عدن الثالث عالمياً؟ وهل حكومة عدن تعمل على إرضاء جهتَي «التحالف»، أي السعودية والإمارات، فقامت برفع الدولار الجمركي في ميناء عدن بغية تعطيله إرضاء للأخيرة؟.
الجواب عن تلك الأسئلة واضح، وهو أن السلطات السعودية تعمل على إغلاق كل الأبواب أمام الجنوبيين وحرمانهم الصحة والأمن والتعلم والراتب، حتى تخرج في ذروة تلك الأزمات لتقدّم نفسها بصفتها المنقذ للمحافظات الجنوبية، والذي تتعذّر الحلول والعلاجات من دونه. وقد وصف أحد النشطاء الجنوبيين، في تغريدة على «تويتر» المشهد بدقة، حين قال إن السعودية تشعل الحرائق في الجنوب، ثم تلبس الخوذة وتقوم بدور الإطفائي. وفي هذا السياق، كشفت صحف سعودية عن تحركات مكثّفة لحكومة عدن، مع المملكة والإمارات، لإطلاق دفعة من الوديعة المعلن عنها في نيسان من العام الماضي، لإنقاذ الريال. وقالت وسائل الإعلام السعودية إن الحكومة والبنك المركزي في عدن يجريان اتصالات مكثفة مع الحكومتين السعودية والإماراتية، للاتفاق على آلية لإطلاق دفعة من الوديعة التي وضعتها الدولتان في حسابات البنك. وأوضحت أن الدفعة الجديدة من الوديعة، ستمكّن «مركزي عدن» من مواجهة الاحتياجات المتزايدة للمستوردين من كل مناطق اليمن، ويخفف من الإقبال المتزايد على شراء الدولار.
المصدر: تقرير لصحيفة الأخبار اللبنانية