طموح بن سلمان الاقتصادي: هل سيتحقق في ظل المأزق اليمني والتبعية لأمريكا ؟
محمد بن عامر – وما يسطرون – المساء برس|
تعتمد المملكة العربية السعودية سياسة جديدة في ضوء المتغيرات العالمية، ترتكز بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي، وفقاً لرؤية 2030م التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان بهدف التحول إلى اقتصاد غير نفطي وتنويع المصادر الاقتصادية، فيما تمضي في اتخاذ مواقف دبلوماسية جريئة على الصعيد الإقليمي والدولي، ويعد ذلك تحولاً تاريخياً في سياسة المملكة التي كانت تتبنى سياسة الغطرسة والعنجهية والتكبر، والصدام والمواجهة في التعامل مع الدول الأخرى.
قطر وتركيا كانتا من بين أولى الدول التي تم تطبيق سياسة الحوار مع المملكة العربية السعودية، تلتهما سوريا ثم إيران. ويعتبر الاتفاق مع الأخيرة إنجازاً كبيراً في السياسة الخارجية الجديدة التي تتبعها المملكة، ويسهم هذا النوع من الحوار والتعاون بين الدول في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ومن بين أهم التغيرات التي حدثت في السياسة الخارجية للسعودية كان التواصل و الحوار مع سلطات صنعاء، فبعد سنوات من الحرب على اليمن، أدركت الرياض أن كل خياراتها لا تجدي نفعاً أمام صمود الشعب اليمني، وبالتالي لا يمكن أن تحقق أولوياتها الاقتصادية والتنموية دون إنهاء هذه الحرب، ومعالجة تداعياتها.
عقبات مشروع التوسع الاقتصادي السعودي
يواجه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عدة عقبات في تحقيق طموحه الاقتصادي، خاصة بعد فشل الحرب الذي قادها على اليمن ضمن تحالف عسكري يضم 17 دولة وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن استمرار التباين القوي في الاتجاهات مع إيران، والتأثير الأمريكي الذي لا زال ضاغطاً على القرار السعودي.
يهدف مشروع التوسع الاقتصادي والاستثمار الخليجي للمملكة العربية السعودية إلى تحقيق التنمية والاستقرار المستدام، لكن، يعد التحول على أرض الواقع بعيد المنال مع استمرار الحرب السعودية على اليمن، وعدم تفعيل الحلول الإنسانية، وهو ما سيعمل على الحيلولة دون تحقيق هذا المشروع.
أما إذا كان النظام السعودي يريد حقاً تحقيق الرؤية السعودية لعام 2030م فلا خيار لديه سوى رفع عتبة المغامرة بالخروج من العباءة الأمريكية، وخوض غمار التحدي بشجاعة وحكمة بالسير نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول المنطقة خصوصاً مع إيران، وأيضاً التنفيذ العملي لوعوده المتعلقة بالملف الإنساني اليمني الذي يعتبر مفتاح العبور إلى حل سياسي شامل في اليمن، وضمان الأمن الدائم للمملكة، واستقرار المنطقة بأكملها.
تعمل الرياض وفق المتغير الطارئ في سياستها الدولية على إخراج نفسها من الصراعات العسكرية ورفع اسمها عن اللوائح السوداء، والعودة للدبلوماسية، وذلك ما دفع بها إلى إبداء جدية للخروج من مأزقها في اليمن، وإنهاء حالة العداء مع دول الجوار بالتزامن مع تراجع الهيمنة الأميركية على النظام الدولي، وانشغال واشنطن وحلفائها بالصراع مع روسيا والصين.
ولا يمكن إنكار أن السعودية قد حققت تقدماً هاماً في تغيير سياسة الصدام إلى سياسة الحوار والتفاهم، وظهر بشكل واضح أن ذلك ساهم في تحقيق الاستقرار والسلام في العديد من القضايا الإقليمية حتى اللحظة في إطار سياستها الجديدة وتصويب أولوياتها بحيث تحقق مصالحها وطموحاتها الاقتصادية وتعالج هواجسها الأمنية.
بعض المحليين والسياسيين يشككون في نوايا النظام السعودي، ويعتقدون أن لديه دوافع خفية. وهم يرون أن السعودية ربما تكون جزءاً من مخطط أمريكي أو من مشروع خارجي آخر يطمح إلى ملء الفراغ في العالم العربي نظراً لضعف مراكز القوى التقليدية التي كانت مؤثرة وفاعلة في العقود الماضية.
استراتيجية الصين في المنطقة: الاتفاق السعودي – الإيراني كخطوة أولى
تعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق الاستراتيجية الهامة في العالم، لاحتوائها على مصادر الطاقة الهامة مثل البترول والغاز الطبيعي، ولهذا السبب، تسعى العديد من الدول التأثير في الأحداث المحيطة بها، وهذا ما حدث مع الاتفاق السعودي – الإيراني الذي تم برعاية صينية.
ويتمتع هذا الاتفاق بأهمية استثنائية كونها هي المرة الأولى التي تتحرك فيها الصين في ملف استراتيجي معقد في الشرق الأوسط.
ويتبين أن الصين في السنوات الأخيرة لم تركز على زيادة نفوذها السياسي، بل ركزت جهودها على تعزيز علاقاتها الاقتصادية وفتح الأسواق للمنتجات الصينية ذات التكلفة المنخفضة، إلى جانب ضمان استدامة اقتصادها العملاق من إمدادات الطاقة، وتستمد أكثر من نصف حاجاتها الضرورية من دول المنطقة، ومؤخرًا باتت تسعى لزيادة نفوذها الدبلوماسي من أجل إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة التي تعتبر من أهم المناطق حيوية في العالم.
وتوجد لدى الصين مزايا وعيوب متعددة تتعلق بنجاح أو فشل هذا الاتفاق، ففي حال نجاح الاتفاق، ستلعب بكين دوراً مهماً في الشرق الأوسط، ويمكن أن تصبح شريكاً مهماً لكل من السعودية وإيران، وفي حال فشل الاتفاق، ستواجه تحدياً دبلوماسياً آخر في المنطقة.
تأثير التقارب السعودي الإيراني على السلام في اليمن
في العاشر من آذار/مارس الماضي، تم إبرام اتفاقية بين السعودية وإيران في العاصمة الصينية بكين بعد قطيعة دامت 7 سنوات، و هذا الاتفاق له تأثير كبير على الصعيد الإقليمي. ومنذ ذلك الحين، بدأت العديد من القضايا بين البلدين تأخذ مسار الحل، ويشمل عددًا من القضايا والملفات في المنطقة، ومن أبرزها الملف اليمني.
الاتفاق السعودي الإيراني ليس مجرد اتفاق بين الدولتين، بل له أبعاد وتأثير أوسع على الشرق الأوسط ؛ قد يكون بوابة لتغييرات جذرية في نظام الطاقة في المنطقة وفرصة لتسوية سياسية شاملة في اليمن، ومع ذلك، يظل الاستقرار في المنطقة هدفًا صعب الوصول إليه، وينبغي تجنب أي خطوة تزيد من حدة التوتر والصراع.
وهنا يشكل العامل الأمريكي تهديداً كبيراً للجهود الدبلوماسية التي يقودها الأطراف الإقليمية والدولية لإنهاء الأزمة اليمنية، وتبعث التحركات الأمريكية المخاوف بشأن قدرتها على التأثير على السعودية وتقويض تلك الجهود بما أن إدارة الرئيس جو بايدن تعمل بقوة على الحفاظ على حالة اللا سلم واللا حرب، مستفيدة من هذا الوضع في المقام الأول للتركيز على النزاع الروسي – الأوكراني، وثانياً الاستعداد للانتخابات الأمريكية المقبلة.
يبدو أن بطء التقدم في الملف اليمني يعود إلى تأثير الدور الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية على السعودية، حيث يرتبط الاهتمام الأمريكي في المنطقة مع مصالحها الاقتصادية والسياسية، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لولي العهد السعودي، لا سيما مع إنذارات سلطات صنعاء وتلويحها برفع سقف المطالب، خاصةً إذا ظلت الرياض تمارس المماطلة والمراوغة في تنفيذ الاستحقاقات الإنسانية، ما قد يؤدي ذلك إلى تشدد الموقف من قبل السلطات، وربما تترجم التحذيرات التي وجهت للرياض خلال فترة الهدنة والتهدئة.
القوات المسلحة اليمنية: استراتيجيات الردع ومستقبل الأمن في المنطقة
تعدت حرب السعودية على اليمن ثلاثة آلاف يوم، وأصبح واضحًا أن القوات المسلحة اليمنية التابعة لقوات حكومة صنعاء تتحكم بخيوط اللعبة بعدما غرقت سفينة التحالف، وتقوم بتطوير ترسانتها الحربية وتعزيز قدراتها بشكل مستمر، وقد أمكنها الحصول على ترسانة ضخمة كفيلة بردع قوى التحالف التي كانت تتمتع بالغلبة العسكرية قبل أن تتحول الكفة لمصلحة صنعاء.
لا شك في أن الرياض اليوم تسعى إلى الخروج من مأزقها السياسي والعسكري في اليمن، ولكن دون تحمل مسؤوليتها أو دفع أي تكاليف إضافية، علاوة على تقديم نفسها كوسيط لا طرف رئيس في الحرب على اليمن، وهذه الخطوة لا يمكن أن تقبل بها صنعاء التي سبق أن أعلنت استعدادها لتبديد مخاوف الرياض الأمنية إذا كان ذلك يساعدها على التوصل إلى قرار حاسم بالالتزام بما تم الاتفاق عليه في المفاوضات بشأن الحل الشامل والنهائي للملف اليمني.
إن استخدام الطائرات والقوة العسكرية لا يمثل الحل النهائي للحرب الدائرة في اليمن، ولا يساعد على تلبية تطلعات السعودية ودول المنطقة في تحقيق الأمن والاستقرار فيها، بل يجب على التحالف أن يتبنى سياسة التعويض و إعادة الإعمار وترك المشاريع القائمة على الوصاية والاحتلال، فالحل العسكري إن استند عليه، من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام خسائر لا يمكن لأحد توقعها، وقوات حكومة صنعاء أكدت خلال عروضها العسكرية الضخمة قبل أيام على أن خيارات الردع الاستراتيجي مفتوحة بحراً وجواً وبراً.
التحول إلى مناخ السلام يتطلب خطوات عملية
في الأسابيع الماضية، شهدت العاصمة العمانية مسقط لقاءات متنوعة تظهر استمرار الحراك الدبلوماسي وجهود الوساطة التي تقودها سلطنة عمان، وذلك للدفع نحو معالجات ثابتة للملف الإنساني، وإعداد الأرضية المثلى للسلام الشامل. وفي هذا الإطار، تشدد حكومة صنعاء على أهمية معالجة الملف الإنساني كخطوة أساسية يجب على دول التحالف العمل عليها بجدية لتخفيف المعاناة اليمنية.
ومن جهة أخرى، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إدعاء الفضل في هذا التطور من خلال وصفه بأنه نجاح للمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، الذي زار الرياض مؤخرًا ووعد بالعمل على المزيد من الرحلات الجوية من مطار صنعاء، غير أن التقارير الواردة تؤكد أن المبعوث الأمريكي يزور المنطقة فقط عندما يتم إحراز تقدم في المفاوضات اليمنية – السعودية، بهدف تقويض أي جهود لا تخدم المصالح الأمريكية.
وتعاني اليمن من أزمة إنسانية خانقة تنفرد بالمنافسة على لقب الأسوأ في العالم، نتيجة الحرب السعودية التي دخلت عامها التاسع، وأسفرت هذه الحرب عن تدمير البنية التحتية والاقتصادية وتفشي الفقر والجوع والأمراض، ناهيك عن سقوط الآلاف من المدنيين، حسب منظمات محلية ودولية.
ويؤكد المختصون أن إحداث تغيير فعلي في الوضع الإنساني في البلاد يتطلب خطوات عملية وثابتة، بدلاً من مجرّد توجيه الدعوات الرنانة للسلام، والتي لم تؤدِ أية نتائج ملموسة حتى الآن، ففي ظل استمرار الحصار والقصف الجوي والتدمير المستمر، يعاني المواطنون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة، وتتفشى الأمراض بينهم، ويعيش العديد منهم في ظروف إنسانية صعبة وغير مقبولة.
إذاً، فإن تحقيق التوافق السياسي والحوار الشامل بين اليمن والسعودية – بعيداً عن الانسياق وراء المصالح الأمريكية – هو الخطوة الأمثل لتحقيق السلام بين البلدين، وتأمل القوى الوطنية اليمنية أن يعيد النظام السعودي النظر في سياسته الإقليمية، ويستغل الفرص المتاحة للخروج من المستنقع اليمني، وتحقيق رؤيته الاقتصادية لعام 2030م، بشريطة الامتثال للالتزامات الناتجة عن عدوانه على اليمن منذ سنوات، مالم فعلى محمد بن سلمان أن يتخلى عن طموحه إلى الأبد.