الكفاح أمام “الكابوس الإرتيري”.. قصة الصياد اليمني الذي تحول من محارب الأمواج إلى سجين
أصداء – محمد بن عامر – المساء برس|
كان أحمد محمد صيادًا ماهرًا ومتمرسًا يُزَاوِل مهنة الصيد منذ عقدٍ من الزمن لتأمين لقمة العيش لأسرته المكونة من والدين كبيري السن وزوجةٍ وثلاثةِ أطفال، ويُعرف بشجاعته وإرادته القوية، واشتهر بقدراته المميزة على الإمساك بأسماكٍ نادرةٍ ومتنوعة، ويعد من الأشخاص الذين صنعوا أسم جيد في عالم الصيد.
ومع بداية الحرب في اليمن، حظرت السلطات الإرتيرية الاصطياد من المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، وأصبحت هذه المهْنة مُجْهِدة وتحمُّل اَلكثِير من المخاطر، وبالتالي جعلته يتردد في الخروج لصيد الأسماك لفترة طويلة خوفاً من التعرض لأي خطر وضياع مصدر رزقه وعائلته.
في يوم من الأيام، تعرف الصياد أحمد الذي يبلغ من العمر 38 عامًا، على مواقِعَ بحريَّةٍ تكتنِزُ بالأسماك الفريدةِ والآمنةِ نسبيًا، والتي لا تزورُها بوارِجٌ وسفنٌ حربيَّةٌ أجنبيَّةٌ، خصوصاً الإرتيرية، إلا نادرًا، وعندما لم يتبق له أي خيار سوى خوض هذه المغامرة من أجل توفير الطعام لأسرته، بدأ يرتاد تلك المواقِعَ رفقة زملائه وينال منها صيدًا وفيرًا، كأن الحظ عادَ ليبتسِمَ لهذِهِ الأسرة التي ظنَّت بأنَ أبوابَ الحياةِ أقفلت في وجهِها، ولكن هذه الفرحةَ لم تدم طويلاً، وكان الخميس المشؤوم من سبتمبر عام 2017 آخر الأيام الجيدة بالنسبةٍ لها.
ذهبَ الصياد أحمد، في صباحِ ذلك اليوم، باحثاً عن رزقه بصيد الأسماك كعادتِه، وكان يعتبرُهُ يومًا جيدًا للصيد، وبينما كان يلقِي شباكه في البحر، تنزَلقَ الأسماكُ بينَ أصابعه وهو يتأمَل جمال المنظر، لكنه فُوجئ بقدومِ سفينةٍ تابِعةٍ للبحريةِ الإرتيرية، فلم يكن لديه متسعًا من الوقت لتفادي مصيره، وعلى الفورِ تعرَّضَ للاعتداءِ والاعتقالِ دون تفسيرٍ واضح، واقتيد إلى إحدى سجون إريتريا بدلاً من أن يعودَ إلى عائلتهِ مثلَما كانَ يفعلُ بشكلٍ يومي، واضطرَّ لمواجهة أوضاعٍ صعبة في هذا السجن بعيدًا عن أحبائِهِ.
إن قصة الصياد اليمني أحمد محمد لا مثيلَ لها في اعتبارها واحدةً من أصعبِ القصصِ التي يتعرضُ لها الصيادونَ اليمنيونَ في السجون الإرتيرية المخصصة لاستعبادهم واستغلالِ طاقتهم الجسدية لتسخيرها في بناءِ وتعمير المنشآت العسكرية والمدنية.
بعد اختطاف أحمد ونقله إلى إحدى سجون إرتيريا سيئة الصيت، تَعرَّض لمعاناة لا يُمْكِن وصفها بالكلمات، فقد تمَّ مُعاملته بِقسْوة شَدِيدَة ، وَعُذب بِشَكل وَحشِي ، وتم إِيذاؤه بِالضرب والصعق الكهربائي، وأحيانًا حرمانه من النوم والطعام والماء، وكان هذا الأمر بداية لمرحلة العبودية بمفهومها الحديث.
وأجبر الضباط الإرتيريون الصياد أحمد على العمل في رفع الحجارة وتشييد المباني، وغيرها من الأعمال الشاقة، قسرًا وقهرًا، مقابل وجبة واحدة في اليوم لمنع موته، ومواصلة العمل الذي يتطلب الكثير من الجهد والتعب.
قضى الصياد هناك أشهرًا من العذاب الذل والاضطهاد، وهو يؤدي عملاً شاقًا ومضنيًا ببنية جسدية هزيلة، لدرجة أن صحته تدهورت بشكل كبير، حتى أضحى غير قادر على النهوض أو المشي بسهولة، ورغم ذلك، فقد تجاهل الضباط الإرتيريون حالته، وأجبروه مرارًا على العمل، وبما أنه لم يعد مفيدًا بالنسبة لهم، وصار عبئًا ثقيلاً عليهم ومجردًا من القيمة، أفرجوا عنه.
تم أطلاق سراحه بعد أكثر من “5” أشهر من الاختفاء القسري في غياهب سجون إرتيريا، وبعد أن رَجَعَ إلى منزله، لوحظت عليه حالات غريبة، إذ كان يعتريه الشعور المستمر بالخوف والقلق بسبب التجربة الأليمة التي خلفت آثارًا نفسية شديدة لديه، ومع ذلك، استطاع الخروج من تلك الأزمة خلال فترة قصيرة، وذلك بفضل إحساسه بالمسؤولية تجاه عائلته، حيث كان هذا الحافز الأكبر له في عملية التعافي.
عاد أحمد للعمل مرة أخرى، لكن هذه المرة في مجال آخر غير الصيد يتيح له الإنفاق على أسرته، متمسكا بعبارة: “صبرٌ جميلٌ وربُ كريمٍ”، كسلاح يعتمد عليه في مواجهة الصعاب التي يواجهها.
معاناة أحمد جعلته يدرك مدى خطورة الأوضاع التي تسببت فيها الحرب السعودية – الإماراتية ضد اليمن، وحجم الأضرار التي لحقت باليمنيين جميعاً، وموقفه يتمثل في أن الحرب لن تحجب عنهم السعادة، وأن أفعال التحالف بحق البلد شعباً وأرضاً لن يمرّ مرور الكرام.