“درع الوطن” نتاج فشل الرياض بالهيكلة العسكرية أم دليل “استراتيجية” دولة “المليشيات”
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
مطلع أبريل العام الماضي فرضت الرياض وأبوظبي انقلاباً على السلطة التي يطلق عليها الطرفان “الشرعية” برئاسة عبدربه منصور هادي الذي أخضع للإقامة الجبرية في الرياض ومُنع من العودة إلى اليمن مطلقاً.
كان لا بد للرياض وأبوظبي القيام بهذه الخطوة من وقت طويل ربما منذ العام 2017 كون استمرار استخدام الأدوات ذاتها لسبعة أعوام من عمر الحرب يجعل من الصعب على التحالف أن يستمر بقدرته في إدارة الصراع البيني بين الأدوات من ناحية والقدرة على الحفاظ على استقرار الشارع وضمان تحمله المزيد من أعباء الفشل السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي من دون أن يقود بتفجير ثورة بوجه الحكومة الموالية للخارج والتحالف أيضاً معاً من ناحية ثانية.
جاءت السلطة الجديدة التي فُرضت شخصياتها فرضاً على اليمنيين في مناطق سيطرة التحالف، جاءت محملة بوعود قطعتها الرياض وأبوظبي، كانت تلك الوعود تهدف لامتصاص ردة فعل الشارع اليمني خاصة الموالي للتحالف من الانقلاب الذي نفذه التحالف على ما تسمى “الشرعية”، من هذه الوعود على سبيل المثال: تحسين الوضع الاقتصادي وتقديم منحة مالية ووديعة من الرياض وأبوظبي بمبلغ 3 مليار دولار، وإعادة هيكلة الفصائل العسكرية المتعددة الولاءات المنضوية تحت قيادة التحالف بقطبيه مع تحميل هذا الانقسام العسكري مسؤولية الصراعات البينية الدموية والانفلات الأمني والاغتيالات وحتى الفشل الاقتصادي وانهيار الوضع المعيشي في كافة مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن، وبررت الرياض وأبوظبي انقلابهما على هادي بكونه العقبة أمام توحيد الفصائل العسكرية وجعلها تتبع قيادة واحدة وتمتثل لتوجيهات تصدر من جهة واحدة ومن شخص واحد، وأنه في حال تم توحيد كل التشكيلات العسكرية فإن ذلك سيقلب الوضع في اليمن وسيحول انتكاسة وانكسار التحالف العسكري ضد قوات صنعاء إلى انتصار وسيحول الانهيار الاقتصادي في مناطق الجنوب الخاضعة للتحالف إلى مناطق ينعم فيها المواطنون برغد العيش.
بمجرد تشكيل ما أطلق عليه بـ”المجلس القيادي الرئاسي” والذي لا يعدو عن كونه أداة جديدة يحركها ضابط في الجيش السعودي بقيادة التحالف في عدن، تم الإعلان عن تشكيل لجنة عسكرية أمنية لإعادة هيكلة قوات الجيش والأمن وكل الفصائل العسكرية الخارجة عن سلطة وزارة الدفاع وقد اختير وزير الدفاع الجنوبي الأسبق اللواء هيثم قاسم طاهر رئيساً لهذه اللجنة، وبعد أشهر قليلة خرج رشاد العليمي بتصريح تلفزيوني معلناً للعلن فشل الهيكلة العسكرية والأمنية، كما أعلن العليمي حينها تحويل مهمة اللجنة من هيكلة الفصائل المسلحة إلى إدارتها وضمان عدم تصادم وتقاطع عملياتها، أي تحويل اللجنة العسكرية العليا للجيش والأمن إلى غرفة عمليات فقط تعكس ما يصدر من توجيهات عسكرية وأمنية من مقر قيادة التحالف السعودي الإماراتي إلى أوامر عسكرية وأمنية موجهة لهذا الفصيل الموالي للرياض أو ذاك الموالي لأبوظبي.
بالتوازي مع طبخة ما سُمي بمشاورات الرياض كانت الإمارات والسعودية تطبخان معاً على نار هادئة تشكيل فصيل عسكري جديد، اتخذ في البداية اسم (قوات اليمن السعيد) ثم استحالت هذه التسمية بعد ذلك إلى “درع الوطن” وهي عبارة عن تشكيل عسكري من عناصر عقائدية تنتمي للتيار السلفي المتطرف والمتشدد مطعمين بالمئات من عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي الذي قاتل جنباً إلى جنب وبسلاح أمريكي مع التحالف العسكري السعودي الإماراتي ضد قوات صنعاء طوال السنوات الماضية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل كان تشكيل التحالف لما يسمى “درع الوطن” دليل فشله في فرض الهيكلة والذي يعد انعكاساً لفشل الرياض وأبوظبي في توحيد أعضاء “الرئاسي”، أم أن تشكيل هذا الفصيل العسكري الجديد ليس سوى امتداداً لاستراتيجية التحالف طويلة الأمد التي سار عليها منذ بداية الحرب على اليمن والمتمثلة بإنشاء المليشيات والفصائل المسلحة الخارجة عن أي قيادة عسكرية رسمية ولو شكلياً، وتوزيع تمويلها وتسليحها وقيادتها بين الرياض وأبوظبي لاستمرار بقاء السلطة التي يدعي التحالف أنها “شرعية” مجرد سلطة قائمة على المليشيات المتعددة المفككة والمتنافرة والمتصارعة فيما بينها والتي لا يستطيع أكبر مسؤول بما تسمى “الشرعية” إصدار توجيه واحد تنفذه جميع هذه الفصائل المليشاوية.
المتتبع لمسار الوضع في مناطق سيطرة التحالف، يجد أن أفضل سياسة واستراتيجية للتحالف السعودي الإماراتي هي سياسة فرض وتقوية المليشيات التي يوالي كل طرف فيها طرفاً في التحالف، فبهذه الطريقة ستظل المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف والمسماة بـ”المحررة” خاضعة لسيطرة مجاميع وفصائل مليشاوية تظل متصارعة ومتصادمة فيما بينها البين وبعيدة كل البعد عن الهدف الذي يدعي قادتها أنهم يسعون إليه، ولضمان بقاء هذه الفصائل بحاجة إلى التحالف السعودي الإماراتي كجهة أعلى يتم اللجوء والرجوع إليها حين يحتدم الصراع البيني المُدار أساساً والمتحكم به تصعيداً وتخفيضاً من قبل أمراء الحرب الرئيسيين المتمثلين بمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
وبالتالي فإن “درع الوطن” السلفية كانت دليل استراتيجية التحالف القائمة على إبقاء السلطة الموالية له جنوب اليمن هي سلطة “مليشيات” متناحرة متصارعة متعددة الولاءات للخارج، ولا علاقة لها بفشل الهيكلة لأنه لم يكن في أجندة الرياض ولا أبوظبي أي رغبة في إعادة هيكلة الفصائل المحلية بل زيادة هذه المليشيات بفصيل جديد.