الانتقالي من استعادة الدولة الى المطالبة بوفد مستقل في المشاورات

وما يسطرون – وليد الحميري – المساء برس|

مع مرور الوقت تبدو خيارات المجلس الانتقالي اكثر تعقيداً مع بدء السعودية حملة عنيفة لتقويض سلطاته في الجنوب، طمعاً بتمكين حلفائها الجدد، قعطت الرياض مخصصات القوات الجنوبية، حيث يشكو المجندون الجنوبيون من انقطاع الرواتب منذ اشهر، جزء منهم غادر المعسكرات وجبهات القتال وعادوا الى قراهم للبحث عن فرص عمل اخرى،
في الضالع المدينة التي ينتمي اليها رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي والممنوع من العودة الى عدن بقرار سعودي، عاد الجنود للعمل في مزارع القات، يقول أحدهم ساخطاً من الزبيدي والانتقالي:« لقد باعونا ببلاش للملك السعودي، حاربنا لأجل الجنوب والأمن العربي كما قالوا، واتضح لنا الان اننا كنا نقاتل من اجل جيوبهم،»
تتصاعد حالة السخط الشعبي ضد الانتقالي الحامل الشرعي للقضية الجنوبية كما كانوا يعتقدون يوماً، حارب مقاتلي الجنوب في معارك خارج الحدود، في المخا – وساحل اليمن الغربي – والحدود السعودية، نزولاً عند رغبة حلفائهم الاماراتيين والسعوديين،
قُتل ألاف منهم في معارك عبثية كما يصفها القيادي بالمقاومة الجنوبية «همام اليافعي،» يقود اليافعي الان كتائب “المقاومة الجنوبية”، ويجاهد لإفشال مشاريع السعودية الرامية لأجتثاث الانتقالي،
يتفحص يومياً قواته المنتشرة في مداخل مدينة عدن، ويتوعد بالعمل على منع عودة العليمي الى المدينة، يراه المقاتلون البائسون دون رواتب والذين ما زالوا متمسكين بقضية الجنوب نسخة من «ابو اليمامة»، القيادي العسكري الاكثر شهرةً في الجنوب، والذي قُتل بقصف صاروخي في استعراض عسكري بمعسكر بدر،
” همام” ليس وحده من بين امراء الحرب المحليين من يملك حظوةً وقبولاً بين مقاتلي الجنوب، الى جانبه يقف« شلال شايع» نجل وزير الداخلية فيما كان يُعرف “باليمن الديمقراطية” قبل الوحدة مع الشمال،
يقود” شايع ” قوات مكافحة الارهاب ويحظى بشعبية واسعة في مناطق الجبال المحيطة بعدن، ولا يرتبط بأي علاقة ودية مع التحالف، ويعتمد في تحركاته وقيادة وحداته العسكرية على ذراعه الايمن «يسران المقطري»،
«شراكة صورية للأنتقالي..»
مع تشكيل السعودية للمجلس الرئاسي من توليفة ليست متناغمة خلفاً لهادي، بدا ان كل شئ يمضي نحو تمكين المجلس من السيطرة على الجنوب،
سيطرت قوات الانتقالي على شبوة وطردت قوات «الامن الخاصة» الموالية لحزب الاصلاح، احتفل الجنوبيون بسيطرتهم على المدينة التي تحوي اكبر منشأة غازية في البلاد، لكن حالة النشوة تلك سرعان ما تبددت.
بدأت وحداتهم بالتحرك نحو حضرموت، بالتوازي مع اطلاق ما سمي بعملية« سهام الشرق»، اجبرتهم السعودية بعدها على التوقف، وللضغط اوعزت الرياض لمقاتلي القاعدة والمتطرفين الاسلاميين المدعومين من الاصلاح بشن هجمات مميتة على قوات الانتقالي في ابين، وهناك غرقت الوحدات الجنوبية في حرب العبوات والكمائن،
قتل المئات من مقاتلي الانتقالي بالعبوات والكمائن بمعارك «وادي عومران» في ضواحي ابين ، كان منطقياً وقف عمليه اجتياح حضرموت، خصوصاً مع تعثر عملية تطهير أبين المتاخمة لعدن، الذهاب بعيدا نحو الشرق سيكون مكلفاً للغاية، كذا لخص أحد القادة العسكريين اسباب ايقاف سهام الشرق،
لكن احد اهم أسباب الاخفاق تكمن في تراجع الحماس لدى حلفاء الانتقالي في ابوظبي، دعمت الامارات المجلس منذ بدء الحرب، وقدمت له كافة اشكال الدعم المالي والعسكري، كانت هذه القوات هي العصا الغليظة لابوظبي في مواجهة فرع الاخوان المسلمين في اليمن،
ترى #ابوظبي ان معركة اليمن باتت مُكلفة للغاية، ومثلها ترى الرياض ذلك،خصوصاً مع انعدام فرص تحقيق اي منجز عسكري على الارض، اضافةً الى وصول نيران هذه الحرب وتداعياتها الى المصالح والمنشأت الحيوية و الاستراتيجية في ابوظبي والرياض، اجبرت صورايخ صنعاء التي ضربت ابوظبي حلفاء الاخيرة على ايقاف معركة حريب القريبة من شبوة،
ومع تسليم السعودية بأستحالة استعادة نفوذها شمالاً، عادت لترتيب اوراقها في الجنوب حيث النفوذ الاماراتي المتعاظم، ما خلق حالة صدام خفي بين العاصمتين، خلاف عبر عنه عدداً من السياسيين الاماراتيين والسعوديين، ليتجلي بوضوح في مؤتمر ابوظبي والذي لم يحضره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وغياب محمد زايد عن القمة العربية الصينية في الرياض،
ترى الرياض ان على ابوظبي كبح جماح حلفائها في جنوب اليمن، لأنجاح مساعيها لتوحيد الفرقاء تحت مظلة مجلس العليمي، ففي ظل سيطرة الانتقالي على عدن بات العليمي وحكومته اشبه بالرهائن، الامر الذي عقد رؤية السعودية لتوحيد كافة الاطراف الموالية لها،
شكلت الرياض ما سمي بقوات« درع الوطن» التابعة حرفياً للعليمي، تباعاً تم الدفع بهذه القوات الى عدن لدعم سلطة العليمي الرئاسية، وبحجة دمج القوات تحت امرة وزارة الدفاع، طلبت الرياض من الانتقالي سرعة اخراج قواته من عدن وتسليم المعسكرات لدرع الوطن،الامر الذي اثار مخاوف الانتقالي من فقدانه للمدينة،
تريث المجلس في التعبير عن غضبه ريثما يصل لتسوية تسمح ببقاء قواته في المدينة،لكن تصريحات العليمي لجريدة الشرق الاوسط استفزته فكانت الشرارة التي اشعلت جذوة الغضب لدي القادة العسكريين في الجنوب والذين لا يخضع غالبيتهم لتوجيهات رئيس المجلس المقيم في المنفى،ويصعب على المجلس السيطرة عليهم.
نشروا قواتهم في كل احياء وشوارع عدن لمنع عودة العليمي، كان الرجل في المانيا يلقي خطاباً في مؤتمر المناخ، قال له سكرتيره الخاص «عدن في مأزق والوضع متوتر،» ركب العليمي طائرته متوجهاً نحو الرياض، ليشكو لقادته السعوديين تمرد الانتقالي في عدن،
اوعزت الرياض لأذرعها الاعلامية بشن حملات تشنيع بالمجلس وقادته، وصفتهم ببقايا الضاحية «يُقصد بها الضاحية الجنوبية لبيروت» وهي إشارة لعمالتهم لإيران، مصطلح لطالما اطلقته الالة الدعائية السعودية لكل المناوئين لها في اليمن، للتو بدأت معركة اعلامية وسجال صاخب بين حلفاء ابوظبي والرياض،
وصف العقيلي وهو ناشط سياسي سعودي الجنوبيين بالعملاء ساخراً من ان نساء قادتهم لسن اكثر من رهينات لدى حكام ابوظبي، اسفاف وإبتذال قال عنه قيادي في انصار الله ان جماعته ترفض إهانة أي يمني بذات الاسلوب المبتذل الذي اتبعه العقيلي حتى وأن كانوا من الخصوم، مسترسلاً ان ما قاله العقيلي للاسف بات واقعاً ،
يصل الانتقالي في علاقته الان مع السعودية الى مرحلة اللاعودة، إذ لم يعد لديه من خيارات للحفاظ على مكاسبه سوى تفعيل الادارة الذاتية التي سبق وأن الغاها بناءً على اتفاق الرياض، او المغامرة بمستقبله وإنهاء مشروعه السياسي والرضوخ للضغوط السعودية وتسليم رقاب قادته ومجنديه للقوات الجديدة،
«الانتقالي والطريق الى صنعاء..»
يرى بعض الموالين للمجلس الانتقالي ان فتح قنوات تواصل مع سلطة الامر الواقع في صنعاء بات ضرورياً، يقول احدهم « ليس من الحصافة وضع البيض كلها في سلة واحدة – فالقنوات الخلفية ليست حكراً على الرياض »، كان ذاك خطأ جوهرياً وقع به الانتقالي، رمى كل اوراقه عند بوابة التحالف.
في نهاية المطاف سيذهب الانتقالي للتفاوض مع صنعاء سواءً أكان بشكل آحادي او تحت مظلة مجلس العليمي، والأجدر ان يذهب منفرداً، يقول آخر في مساحة صوتية على تويتر،.
يرى سياسي جنوبي مقيم في لندن ان الذهاب للتفاوض مع صنعاء سيجلب للجنوب والانتقالي على وجه التحديد مكاسب اكبر من تلك التي يمكن ان يجنيها من شراكته في حكومة المناصفة بعدن، وبالذات مع تلاشي فكرة الدولة المستقلة التي ظل ينشدها الانتقالي، إذ لم يعد ثمة خياراً أخر سوى الانخراط في مفاوضات ثنائية تفضي الى تسوية للقضية الجنوبية تحت سقف اليمن الموحد،
«الانتقالي والعلاقة المحرمة بطارق»
لم تكن العلاقة بين المجلس والانتقالي ونجل شقيق الرئيس السابق “طارق صالح” دافئة بما فيها الكفاية لنسج اي تحالف وطيد بينهما،
قاتل الجنوبيون تحت قيادة وزير الدفاع الاسبق والعسكري المخضرم «هيثم قاسم» في المخا – والحديدة – قبل ان يسلموها تباعاً لقوات طارق، ومع ذلك ظلت العلاقات بين الطرفين مشوبةً بالحذر، كان قتال الجنوبيون في مناطق شمال البلاد خطأً تاريخياً وهم الذين لطالما احتجوا باجتياح قوات الشمال لمناطق الجنوب في صيف 94،
لم يعد الحديث الان عن احتلال شمالي للجنوب مقنعاً، فقد فعلها الجنوبيين بالمثل حين قاتلوا في ذباب – والوازعية – والمخا وصولاً الى كيلو 16 بالحديدة، والمفارقة العجيبة انهم قاتلوا جنباً الى جنب مع ذات القوات التي حاربتهم في 94،
لم يكتفي الانتقالي بتسليم المخا لقوات طارق، فعلها في شبوة ايضاً، جاء التحالف بالشيخ القبلي وعضو المؤتمر الشعبي عوض الوزير من ابوظبي وكلفه بقيادة المحافظة، لم يعد الرجل الان متحمساً لمشروع الانتقالي، وبدا أن حالة جفاء تسود علاقته بالمجلس،
خسر الانتقالي كل معاركه بأمر سعودي وسلم كل شئ لخصومه القدامى، حيث عاد رجال صالح على نار هادئة لحكم الجنوب، معززين بقرارات رئاسية وضعت شخصيات مؤتمرية على رأس السلطة المحلية لمحافظتي حضرموت- وشبوة- وجزيرة سقطرى، ويبدو ان الدور سيأتي على عدن كما هو واضحاً الان، إن لم يتلافى الانتقالي تكرار سيناريو «على ناصر محمد» حين خرج خاسراً في يناير 86، لتكن مدينة البيضاء في الشمال اخر ملاذ لقواته المهزومة،
سيناريو قد لا يبدو مستحيلاً عطفاً على الوضع المعقد الذي يعيشه المجلس الانتقالي، فالحديث الان عن إعادة تقييم شراكة الانتقالي- او الانسحاب من مجلس العليمي والحكومة- وتفعيل الادارة الذاتية، ليست الا مقدمة لصدام عسكري دامي قد تشهده مدن الجنوب،
فأما ان ينتصر الانتقالي او يلقى ذات مصير على ناصر، والخيار الاخير هو المرجح، فهل يبادر الانتقالي للتواصل بصنعاء لإيجاد توازن عسكري بوجه الالة العسكرية الضخمة للسعودية وحلفائها، ام سيواصل معركته الخاسرة حتى النهاية..
التاريخ يكرر نفسه.. والأيام حبلى بالمفاجأت..

من حائط الكاتب بحسابه الرسمي على الفيس بوك

قد يعجبك ايضا