هل يقدم التحالف فصائله “قرابين” للخلاص من لعنة الهزيمة؟
حلمي الكمالي – وما يسطرون – المساء برس|
لطالما استخدمت قوى التحالف السعودي الإماراتي، “إستراتيجية” واضحة في تعاملها مع فصائلها في اليمن، والتي تقضي بإعادة تدويرها بين الحين والآخر، في محاولة لضمان سيطرتها على الأدوات المشغلة، لكن ضرب بعضها البعض هذه المرة خارج أجندات التدوير، وضمن مآرب كثيرة أولها إضعاف تلك الفصائل ليسهل التخلص منها وتقديمها كقرابين للخلاص من لعنة الهزيمة في اليمن، كما هو واضح اليوم من خلال احتدام الصراعات الدموية الفتاكة بين فصائل التحالف في عموم مناطق سيطرتها.
وفي سياق هذه “الإستراتيجية” تمضي قوى التحالف اليوم، في مسارين مختلفين لتحقيق الهدف الأخير من هذا العبث الذي تحدثه في ملعب فصائلها طوال السنوات الماضية، وهو التخلص النهائي من تلك الفصائل، المسار الأول بدأ بضرب الفصائل الإماراتية بالإصلاح في المحافظات الجنوبية، في معارك طاحنة استنزفت الطرفين، وانتهت بضرب الفصائل الإماراتية ببعضها البعض، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال دفع التحالف قوات طارق كبديلة عن فصائل الإنتقالي في عقر دارها.
المسار الثاني، يتمثل بإستهداف ما تبقى من قوات الإصلاح في مدينة مأرب، بقوات قائد الفصائل الإماراتية في الساحل الغربي طارق صالح، والذي بدأ مباشرة خلال اليومين الماضيين، بتدشين ضربة إماراتية لمخازن الأسلحة المتطورة التابعة لقوات الإصلاح في المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب، وهي ضربة تأتي بالتوازي مع استعدادات إماراتية سعودية لمعركة فاصلة في المدينة على غرار معركتي شبوة وأبين، والتي يجري التحضير لها بإرسال ألوية من قوات محور سبأ التي أنشأتها الإمارات في شبوة، وأخرى تصل إلى 15 ألف مقاتل تتلقى التدريبات في السعودية، كقوات بديلة عن فصائل الإصلاح بمأرب.
مسارات قوى التحالف هذه، والتي وضعت مسلسل الإقتتال الدموي بين فصائلها من شبوة وأبين وعدن ولحج وأخيراً مأرب، هي مسارات تفكيكية بكل تأكيد، وليست تكتيكية في سياق الحرب التي تدفع القوى الغربية؛ لإشعالها مجدداً، غير أنها رسمت نهاية دراماتيكية لفصائل التحالف، التي تلفظ أنفاسها منذ عدة أشهر بين يدي جلادها. كما لا يمكن القول بأن فصائل التحالف لا تدرك ما يحدث لها على الواقع، ولكنها تحاول أن تشيح بنفسها عن الحقيقة، وهذا ما يجسد حقيقة كونها “كيانات وظيفية” تنتهي بنهاية الحدث أو الوظيفة المؤكله لها.
فرض قوات صنعاء معادلة تأميم الثروات النفطية والغازية خلط أوراق التحالف، فالأخير المنهك الذي سخر أدواته وحولها إلى ماكينات لحماية ونقل أموال الثروات اليمنية المسروقة إلى البنك الأهلي السعودي، ورميه جزء منها لتلك الأدوات، غير مستعد بإعالة “قيادات وألوية ومجلس رئاسي”، لم تحقق له الغاية المطلوبة، كما أنه ليس مستعد لتحمّل تداعيات الهزيمة؛ يجعل التخلص من هذه الفصائل أمراً حتمياً في ظل إنسداد الأفق عسكرياً وسياسياً واقتصادياً أمام قوى التحالف.
هذا التفكك والإنهيار الذي يشهده معسكر التحالف، يعكس تماماً ما صرح به رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط، الذي أكد أن “هناك بعض الدول في التحالف وصلت إلى قناعة بخسارتها، وتحتاج إلى إعادة النظر، مشيراً إلى وجود أطراف مستفيدة من العدوان وهي التي تدفع الآن إلى تفجير الوضع عسكرياً وسياسياً”، في إشارة واضحة إلى تحركات القوى الأجنبية المساندة لهذا التحالف، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكيان الإحتلال الإسرائيلي وفرنسا؛ والتي تدفع لتصعيد جديد في اليمن.
على كلاً، يمكن فهم كل ما يحدث في ملعب التحالف داخلياً وخارجياً بدءاً من مساعي قوى التحالف السعودي الإماراتي التخلص من أدواتها إلى تصاعد التحركات العسكرية للأمريكي والبريطاني والفرنسي في المحافظات الشرقية والجزر اليمنية، هو نتاج تخبط فاضح في غرف عمليات التحالف المضطربة تحت ضغوط التهديدات اليمنية العسكرية والفشل الذريع المتواصل لأدواتها المحلية، وهو ما يفسر الجنون الغربي الذي دفع كهنة البيت الأبيض لمحاولة المغامرة في إشعال تصعيد جديد في المنطقة، بعد وقف صنعاء “حنفية” النفط اليمني التي ظل الأمريكي يستلقي ثمارها عبر وكلائه في الرياض، طوال السبعة الأعوام الماضية.
إلى ذلك، فإن التطورات الأخيرة التي تشهدها اليمن، تشيء بقرب رحيل التحالف.. رحيل لا يبدو أن أحداثه ستكلف دول التحالف وحدها تبعات الهزيمة والانكسار، بل أنه رحيل مُكلف للغاية ستدفع قوى في أقصى القارة العجوز وأمريكا، ثمناً باهظاً قد لا يساوي فداحة سفك الدم اليمني على امتداد الجغرافيا الوطنية وتدمير بلد ونهب مقدراته طوال السبعة الأعوام الماضية، إلا أنه سيحرم هذه القوى من وجودها في اليمن والمنطقة إلى الأبد.. هذا ما تجسده الوقائع والشواهد لا “هرطقات” السياسة.