هل سيأمن الانتقالي غدر الجيل الثاني من نظام عفاش كما فعل صالح بشركائه في 94م (تقرير)
صحافة – المساء برس|
باستثناء فترة الشهيد إبراهيم الحمدي، لا يختلف اثنان شمالاً أو جنوباً على أن أبناء المحافظات الجنوبية كانوا هم أكثر اندفاعاً وتلهفاً لإعادة تحقيق الوحدة بين شطري البلد الذي قسمه الاحتلال البريطاني، فالجميع يدرك والتاريخ يشهد أيضاً أن دولة اليمن التاريخية كانت الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية بدءاً من الشمال من الحدود الجنوبية للحجاز حيث كانت ولا تزال جيزان أراضٍ يمنية وحتى عدن جنوباً من الجانب الغربي وامتداداً الجانب الشرقي جنوباً إلى ظفار وصلالة اللتين تم إلحاقهما في القرن الماضي بسلطنة عمان وكانت خارطة الجغرافية اليمنية تصل إلى ضم جميع مناطق صحراء الربع الخالي بما في ذلك طبعاً نجران وعسير.
وتاريخياً لم تشهد دولة اليمن تقسيماً إلا في فترة الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن والتي ذهب معها المستعمر البريطاني إلى تقسيم وتفتيت جنوب اليمن إلى كنتونات ودويلات صغيرة عرفت بالمشيخات والسلطنات لضمان بقاء عدن تحت الاحتلال البريطاني أطول فترة ممكنة وهو ما حدث فعلاً.
الجنوب هو صانع الوحدة لكنه يخطئ في اختيار الشريك الشمالي باستثناء سالمين والحمدي
وكان أبناء الجنوب أكثر اندفاعاً لتحقيق الوحدة، والشواهد كثيرة جداً على أن أبناء المحافظات الجنوبية كان لهم السبق بالمطالبة بوحدة اليمن منذ العام 1970، لدرجة أن شعار السلطة في جنوب اليمن قبل إعادة تحقيق الوحدة هو تنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية الشاملة والتي كانت بالنسبة للحزب الاشتراكي الحاكم أحد الثوابت التي عمل عليها أبناء الجنوب عموماً وقيادات منظمة الحزب الاشتراكي منذ سبعينيات القرن الماضي.
وحين كان اليمنيون قاب قوسين أو أدنى من إعلان إعادة توحيد شطري اليمن وإعلان دولة اليمن الموحدة في اكتوبر 1977 عملت السعودية على إفشال خطوات الشهيدين إبراهيم محمد الحمدي وسالم ربيع علي واغتالت الشهيد الحمدي قبيل يوم من زيارة الحمدي إلى عدن والتي كان مخططاً لها أن يتم فيها إعلان تحقيق الوحدة (غير الاندماجية) بين شطري البلد كمرحلة أولى في سبيل تحقيق الوحدة الاندماجية في المرحلة الثانية.
وبفعل الأحداث التي عصفت بدولة الشطر الجنوبي لليمن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان شطر جنوب اليمن جزءاً منه، وجدت قيادات الاشتراكي في تلك الفترة نفسها أمام خيار وحيد لتجاوز الصراع الدموي بين أقطاب الحزب ومحاولة إنقاذ شطر جنوب اليمن من الانهيار التام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فما كان منها إلا أن سارعت لطلب إعلان الوحدة، ليتلقفها الطرف الشمالي الذي كان حينها أقوى عسكرياً وسياسياً وحتى اقتصادياً على المستوى الداخلي، ولأنه كان الأقوى فقد كانت الرئاسة في الدولة الجديدة من نصيب علي عبدالله صالح.
لم يكن أمام القادة الجنوبيين خياراً متاحاً حينها للاتحاد معه كشريك شمالي سوى علي عبدالله صالح، ولم يدرك الجنوبيون أن صالح كان الشريك الخطأ، وصحيح لم يكن أمامهم سواه لكن على الأقل كان عليهم أن لا يضعوا ثقتهم كلها فيه ويسلموا له كل شيء حتى يختبروا نواياه وأهدافه، لكنهم لم يدركوا تلك النوايا إلا بعد فوات الأوان، واليوم نجد أن السيناريو ذاته يتكرر في عدن بين الانتقالي وجناح عفاش في المؤتمر بقيادة طارق وشقيقه عمار وبقية أعضاء الأسرة الحاكمة سابقاً والعائدة للحكم في الجنوب حالياً.
الغدرد بالشريك أبرز صفة لعفاش
صالح ورموز نظامه حينها لم يكونوا ينظرون إلى الوحدة على أنها مكسب سياسي وجغرافي ووطني وقومي بقدر ما كانوا يرون فيها فرصة ذهبية جاءت إليهم بدون تعب لتحقيق مكاسب مادية وجني الثروات الطائلة لمعرفتهم الجيدة بأن المناطق الجنوبية الشرقية غنية بالنفط (الذهب الأسود) خلافاً لغير ذلك من المكاسب التي عمل صالح ونظامه على تحقيقها من مجالات أخرى بعد تحقيق الوحدة.
وبحسن نية سلم قيادة الاشتراكي لعلي عبدالله صالح مقاليد السيطرة على كل شيء في الجنوب ظناً منهم أن صالح يفكر مثلهم بما في ذلك حتى السيطرة على الجيش التابع للاشتراكي بما يملكه من عتاد عسكري وأسلحة وآليات، وحين بدأت الأمور تنقلب وبدأت نوايا صالح ونظامه تبرز إلى السطح مع وجود شواهد عديدة أثبتت صحة هذه النوايا الخبيثة التي كنها صالح ورموز نظامه تجاه الجنوب، كان الأوان قد فات أمام قيادات الاشتراكي وعلى رأسهم علي سالم البيض لأنه لم يعد بيدهم ما يمكن الضغط به على صالح ونظامه لتعديل مسار استغلالهم للوحدة، وحين قرر البيض فك الارتباط كان صالح قد استغل وسائل الإعلام في الجنوب لصالحه وسيطر على عواطف الشارع الجنوبي وأظهر البيض بأنه عميل ويريد تفكيك البلد وتقسيمها وجعلها مرتعاً للقوى الخارجية لاحتلالها أو استغلالها، وبسبب عمل صالح الدؤوب للتغلغل في الجيش الجنوبي وإضعافه من عام 90 وعلى مدى الثلاث السنوات الأولى من عمر الوحدة، فإن سيطرته على الجنوب عسكرياً كانت سهلة بعد اندلاع الحرب في 94م، وهنا تجدر الإشارة إلى سيناريو أهم الأحداث التي شهدتها الفترة من 90 وحتى 94م.
ما بين 90 و 94م كانت تلك الفترة الذهبية لعلي عبدالله صالح للغدر بشركائه في السلطة (خصومه من وجهة نظره هو)، ولعل أبرز ما أضعف الشريك الجنوبي في سلطة الوحدة وجعل مقاليد السيطرة تنفلت من يد هذا الشريك – وهو ما تجسد جلياً من خلال سرعة هزيمته عسكرياً تجاه قوات صالح أثناء الحرب – هو قيام صالح بتنفيذ أكبر عملية تصفيات واغتيالات للقيادات العسكرية والسياسية الجنوبية طوال هذه الفترة.
منذ مايو 90م لم يتعدَ الأمر عامين فقط حتى بدأ الاغتيال يحضر كحليف سياسي وورقة تفاوضية ضاغطة تستخدم ضد الحزب الاشتراكي والشخصيات الوطنية المستقلة، حيث ابتدأ الأمر بمحاولة اغتيال عمر الجاوي (مؤسس وأمين عام حزب “التجمع الوحدوي اليمني”) التي سقط فيها رفيقه المهندس حسن الحريبي، ليعصف الاغتيال بعدها بقائمة طويلة من القيادات الاشتراكية عسكريين وسياسيين، ليتطور الحال وقتها نحو تعطيل كامل للخيار السياسي السلمي، ويحل العنف كأداة حسم بالنسبة للشريك الشمالي في الوحدة.
سيناريو 90 – 94م يتكرر اليوم والمنفذ جيل عفاش الثاني
اليوم يتكرر السيناريو ذاته في الجنوب، في مؤشر على عدم فهم قادة الانتقالي للدرس الساب، ووقوعهم في نفس الخطأ الذي وقع فيه قادة الحزب الاشتراكي بعد عام 90م، فالجيل الثاني من نظام صالح يتمثل اليوم بطارق عفاش وشقيقه عمار وبقية أفراد العائلة وأقاربها ومقربيها من قيادات مؤتمرية ظلت طوال فترة الحرب الحالية تنتظر عودتها إلى السلطة على ظهر المدرعة والدبابة الإماراتية.
ولعل المتتبع لمسار الاغتيالات خلال فترة 90 حتى 94م سيجدها متطابقة إلى حد كبير مع الاغتيالات التي وقعت وستقع منذ إعادة التحالف لطارق عفاش وجناحه في حزب المؤتمر إلى السلطة في الجنوب بالشراكة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتعرض قياداته وكوادره ومعظمهم من العسكريين والأمنيين لمحاولات اغتيالات وتصفيات يكون النجاح في معظم العمليات هو حليفها فيما لا ينجو من هذه العمليات سوى العدد القليل، والحقيقة هي أن هذه التصفيات والاغتيالات ليست وليدة اليوم فمنذ أن احتضنت الإمارات طارق صالح في 2018 ودعمته لتشكيل مليشيات تحت مسمى (حراس الجمهورية ثم القوات المشتركة في الساحل الغربي) واليوم هناك مسميات جديدة لقوات جديدة في مناطق أخرى من الجنوب منها قوات دفاع شبوة وألوية اليمن السعيد، منذ 2018 ارتفعت بشكل كبير عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية التي تطال قيادات جنوبية، أبرزها اغتيال أبو اليمامة وثابت جواس، ومؤخراً محاولة اغتيال مدير أمن لحج، وقبلها العشرات من محاولات الاغتيال التي طالت العديد من قيادات الصف الثاني طوال من 2018 وحتى الآن، الأمر الذي يدعو للتساؤل: هل نحن أمام سيناريو متكرر لسيناريو غدر صالح بشركائه الجنوبيين بين 90 و94م، وهل سينتهي المطاف بالجيل الثاني من نظام عفاش بالانقضاض على شريكه الجنوبي كما فعل صالح سابقاً عام 94م؟.
المصدر: تقرير لموقع (الجنوب اليوم)