العسكرية اليمنية تصنع تاريخها الجديد .. بقلم / عبدالله بن عامر
وما يسطرون – المساء برس|
في التاريخ العسكري يتكرر إشادة العدو بعدوه حين يتشكل أمامه موقف استثنائي لم تعهده الحروب من قبل كبطولة أو تضحية أثناء الدفاع عن مدينة أو أرض أو حتى منزل , وبما يرسخ لدى العدو المتفوق أنه أمام معركة قاسية وعليه أن يفكر ألف مرة قبل أن يقرر الاستمرار فيها، فالطرف المدافع – رغم ضعفه وفق المعايير المادية – ليس في قاموسه العسكري الاستسلام أو التراجع.
عندما تصبح الإمكانيات المادية في مواجهة مباشرة أمام القدرات المعنوية فإن ميزان القوة يتحدد بمستوى تدفق وفاعلية الروح المعنوية أثناء القتال، فكلما ارتفع منسوب المعنويات كلما فقد العدو عناصر تفوقه المادي على الأقل في نظر من يتصدى له، فيحاول بكل ما أوتي من قوة إيقاف تقدمه على الأرض ومثل هذه المعادلة تتكرر كثيراً في المعركة الحالية ولو كانت في مكان آخر ومع عدو آخر لكان العدو نفسه هو أول من يقر بالعجز أمام ما يصنعه اليمنيون ولكانت هذه المعادلة بما تحمله من معانٍ سبباً رئيسياً في دفع العدو إلى استحضار بعض من أخلاق العسكرية أو على الأقل استدعاء تجارب تاريخية فرضت على أصحابها التراجع من المعركة رغم قوتهم بعد أن أدركوا أنهم يواجهون من لا يمكن له أن يتراجع أو يستسلم فما يتركه الصمود الاستثنائي من مهابة لدى العدو يمكن أن يدفعه إلى التوقف عن مغامرته غير المحسوبة ليس ضعفاً بل إجلالاً وتقديراً للطرف الذي يدافع باستماتة عن أرضه وقضيته لأن الاستمرار في المعركة ليس إلا مكابرة كون حسمها أصبح عاملاً لصالح المدافعين وإن تأخر ذلك زمنياً.
تاريخنا العسكري زاخر بقصص البطولة والاستشهاد لا سيما في الدفاع عن البلاد أثناء تعرضها للغزو الأجنبي ومع ذلك فإن ما نشهده خلال هذه المرحلة يجعلنا أمام تاريخ جديد تصنعه العسكرية اليمنية وهي بصدد الاضطلاع بواجبها في حماية البلد والتصدي للغزو، فما كشفه الإعلام الحربي عن حصار الدريهمي يكفي لأن نؤكد أننا أمام جيل تصنعه الخبرة الميدانية فأصبح أكثر قدرة على اكتساب المزيد من المهارات العسكرية تماماً كتلك التي قد يكتسبها مقاتل تخرّج من الكليات العسكرية وخضع لدورات تأهيلية إضافية، والأهم من ذلك هو التربية الجهادية التي أنتجت الروح المعنوية العالية والإرادة الصلبة وما صنعته هذه المدرسة من إيمان وثقة حتى تشكل لدى ما يقارب المائة مقاتل ويزيد موقف الصمود في مدينة صغيرة إلى الجنوب من مدينة الحديدة، بينما العدو حشد ما يقارب سبعة آلاف جندي مدججين بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة متوسطة وخفيفة وثقيلة، إضافة إلى تفوقه الجوي وكذلك البحري ومع كل ذلك تمكن الصابرون الصامدون في الدريهمي من صنع ملحمة جهادية ستكتب على صدر صفحات التاريخ العسكري.
ما حدث في الدريهمي يتجاوز بكثير ما ترسخ في أذهان الخبراء والمتابعين عن مبادئ الحروب وقواعد الاشتباك ويتجاوز كذلك ما يمكن أن يقدمه العلم العسكري من معارف وقواعد ومبادئ تتعلق بالتكتيكات المتبعة في ظل الجغرافيا المفتوحة وحرب المدن، فكل ما كان يحيط بالصامدين في الدريهمي يدفعهم دفعاً إلى الاستسلام أو الفرار غير أنهم قرروا كسر كل تلك القواعد ليصنعوا لنا مسارات جديدة ونحن بصدد تقييم وقراءة تطورات المعركة وما ستفرضه من معادلات ليس على صعيد مسرح العمليات في إطار جغرافيا الساحل الغربي بل على صعيد صياغة قواعد قتالية جديدة لم يكن اليمني يدركها على الأقل خلال القرنين الماضيين أو بالأصح منذ القرن الأول الميلادي، وهو يحاول عبثاً الدفاع عن الساحل المفتوح أو ما عرف بالثغرة الممتدة من جيزان حتى باب المندب، فعند كل محاولة غزو يتراجع اليمنيون إلى الجبال قبل أن يستعيدوا المبادرة في شن الهجوم مجدداً ومع كل ذلك كان السهل التهامي نقطة ضعف لا قوة لكنه اليوم لم يعد كذلك فما حدث في ميدي وحرض وفي الدريهمي ومناطق أخرى يكفي لأن نقول إن العسكرية اليمنية تصنع تاريخها بجيل يثق بالله فلا يهاب الموت ولا يعرف الهزيمة.