أفول القطبية الامريكية الواحدة وظهور عالم متعدد الأقطاب
وما يسطرون- المساء برس- هاشم يحيى الدرة|
في ضوء المتغيرات التي برزت في العالم وعلى وجه الخصوص الحرب الروسية الأوكرانية بما مثلته من صدمة في النظام العالمي الذي ستتغير طبيعته جذريا بعد خاتمة فترة السبات الروسي منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، يتجه العالم اليوم نحو كسر قاعدة حاكمية القطب الواحد الذي ظنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستتمكن من الحفاظ عليه بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نجحت في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتي وإزاحة منافسها وغريمها اللدود، من الساحة العالمية، واستحكمت القبضة الأمريكية على العالم، وروسيا جزء منه حيث عانت الأمرين وتم إذلالها، ولولا الترسانة النووية الضامنة لعدم اجتثاثها لكانت روسيا اليوم أثرا بعد عين.
فمنذ ذلك الحين أنشأ الأمريكي كيانات لخدمته وعلى رأسها عصبة الأمم المتحدة وتحالفات إقليمية كالاتحاد الأوروبي وفكفكة حلف وارسو لتعزيز هيمنته على العالم بعد أن سيطر على الشرق الأوسط عبر جامعة الدول العربية وإسرائيل وحلفائها الخليجيين على رأسهم السعودية والإمارات، كما سيطر على شرق آسيا عبر مستعمرات مستقلة شكليا تابعة له كليا، الأمر ذاته يصدق على القارة الأفريقية، التي تنتشر قواعد الأمريكي العسكرية في أغلب دولها.
ولكن مع هذا الزحام في نطاق سيطرته يرى الأمريكي مصالحه في تلك التحالفات فقط، بعيدا عن التزاماته، حتى وإن كلفت مصلحته دمار دول العالم من حوله ومقتل مئات الملايين من البشر، وهذا ما تجسد واقعا من خلال سياسة التدخل الأمريكي في كل مفردات علاقات الدول ببعضها، عبر عصبة الأمم المتحدة، والتدخل المباشر إن لزم الأمر، حيث سترى الأمريكي حاضرا، بجانب من يؤمن له مصالحه، ما خلق الكثير من التناقضات التي بدأت تعصف بكيان الدولة الأمريكية واقتصادها، حتى أن ذلك أثر على الحالة الاجتماعية في الداخل الأمريكي، والذي يتأثر بالحالة الاقتصادية انخفاضا وارتفاعا، ولهذا فإن أي حرب تخوضها أمريكا، أو ترعاها تعتبر لجميع الأمريكيين حربا وجودية، تأخذ الطابع الوطني كما تروج لذلك وسائل الإعلام الأمريكية.
هذه الجدلية أدركتها الكثير من دول العالم، التي أبت الانضمام للتحالفات الأمريكية، وحتى تلك التي تقع بين فكي أمريكا، فكان التحرك من كثير من دول العالم جادا للخروج من النظام العالمي الأمريكي، ما يؤكد بداية النهاية لحاكمية القطب الواحد الذي تملك أمريكا زمامه، هذا ما تم التأكيد عليه في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي في روسيا، والذي شاركت فيه أكثر من أربعين دولة من مختلف قارات العالم، حتى الدول الخاضعة لأمريكا لم تجازف بمستقبلها، في صراع أمريكا مع الدب الروسي، أما جمهورية الصين الشعبية تتقاطع مصلحتها مع مصالح روسيا في كبح جماح الأمريكي لتتضاعف هموم إدارة البيت الأبيض، فالتطور الاقتصادي في هاذين البلدين يواكبه تطورت علمي وعسكري، بإمكانه سحب البساط من تحت أقدام أمريكا، للشروع في عصر متعدد الأقطاب، تحكمه مصالح الدول في العالم، بعيدا عن المصلحة الامريكية المحضة.
ومع تغيير المعادلة، سيترتب على ذلك نشوء قوى صاعدة في مختلف مناطق العالم، من بينها الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، حيث من المتوقع أن يهيأ النظام الجديد مرتكزات جديدة، تضمن توازنا يصب في مصلحة القوى الفاعلة، والتي واكبت تغيير النظام العالمي وساهمت في القضاء على الهيمنة الأمريكية والقوى التي كانت تحتضنها في المنطقة وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي خلقت الفوضى العارمة في المنطقة العربية والإقليم بالكامل.