الأمن الغذائي في اليمن.. 46 مليون هكتار من الأراضي قابلة للزراعة وتنتظر استصلاحها واستثمارها
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
لا تزال معضلة الأمن الغذائي في صدارة قائمة أولويات حكومة صنعاء واللجنة الزراعية والسمكية العليا والتي عملت منذ سنوات قليلة على رفع كميات الإنتاج المحلي من الحبوب التي يستهلكها الشعب اليمني وعلى رأسها القمح، والذي ارتفعت نسبة إنتاجه محلياً من 5% إلى 10% من إجمالي الاستهلاك الكلي البالغ قرابة الـ4 ملايين طن سنوياً من القمح والدقيق الأبيض.
وكشفت تقارير أن هناك صعوبات هائلة تواجهها اليوم المؤسسات الرسمية بصنعاء فيما يتعلق باستصلاح الأراضي الزراعية، هذه الصعوبات كانت نتاج ما يقارب من 35 عاماً من السياسات والمخططات الغربية التي كرستها الأنظمة والحكومات السابقة في اليمن لتغيير نمط الاستهلاك للشعب اليمني وتحويله من منتج للقمح ومحققاً للاكتفاء الذاتي في كل الحبوب التي يستخدمها إلى شعب مستهلك للمنتج الخارجي خصوصاً القمح الذي وصل حجم استيراده إلى اليمن 95% من إجمالي ما يستهلكه اليمنيون من القمح.
تحويل اليمن من بلد منتج ومكتفي إلى مستورد
يقول خبراء في هذا الشأن أن المخطط الأجنبي نجح في تغيير نمط الاستهلاك الشعبي لاستهلاك القمح المستورد وتفضيله على المنتجات الوطنية من الحبوب، كالذرة الحمراء والبيضاء والغرب والدُّخن عالي القيمة الغذائية والذرة الشامية التي كان لها أولوية قصوى لدى المستهلك حتى سبعينيات القرن الماضي.
هذا التغيير في النمط الاستهلاكي للمواطن اليمني تزامن مع تغيير في الاهتمام بزراعة الحبوب التي كانت تحتل الصدارة في اهتمامات المواطن اليمني، ولذلك بلغت المساحات المزروعة بالحبوب منتصف السبعينيات 80 % ، وبعد اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي اهتم بالتنمية الريفية وحوّل الريف اليمني إلى ورشة عمل مفتوحة ساهمت إلى حد ما بتوقف الهجرة الداخلية من الريف للمدينة، تدخلت الدولة في عهد نظام علي عبدالله صالح في ثمانينيات القرن الماضي كداعم، ليس لإنتاج القمح، بل كداعم لاستيراد القمح الأمريكي بمليارات الريالات سنوياً، وتقديمة للمواطن والمزارع معاً في الريف والحضر بسعر مدعوم، أي بأقل بنسبة 40 % كحد أدنى من سعر استيراده من الأسواق الأمريكية، وتم تحويل مؤسسة الحبوب التي أنشئت لتطوير الحبوب وتسويق الإنتاج المحلي من الحبوب إلى مسوّق للقمح الأمريكي إلى جانب المؤسسة الاقتصادية اليمنية ، الأمر الذي جعل من زراعة القمح في اليمن بالنسبة للمزاع أمراً مكلفاً بالنظر لتكاليف الزراعة والحصاد والتسويق مقارنة بسعر كيس القمح المستورد.
الأمن الغذائي وأولويات صنعاء
حالياً تعتبر إعادة إنتاج القمح والحبوب بشكل عام من أولويات اللجنة الزراعية والسمكية العليا وهي أعلى هيئة رسمية في اليمن معنية بالشأن الزراعي ومعها المؤسسات السابقة التي حولتها الأنظمة السابقة إلى مؤسسات لتسويق المستورد بدلاً من مهامها الأساسية التي أنشئت من أجلها.
في هذا السياق أقامت كلاً من المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب ومؤسسة بنيان التنموية وبإشراف من اللجنة الزراعية ووزارعة الزراعة ورشة عمل إعلامية للأمن الغذائي، بهدف ربط الهيئات الإعلامية والصحفيين في القطاعين العام والخاص بأنشطة وجهود اللجنة الزراعية والسمكية العليا في مجال إعادة زراعة القمح والحبوب التي يستهكلها الشعب اليمني، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بضرورة تضافر جهود الجميع لإحداث نهضة زراعية تُخرج اليمن بالكامل من تحت الهيمنة الخارجية وتحكم الخارج بالأمن الغذائي لليمن وبالتالي إمكانية الخارج التحكم بالقرار السياسي اليمني سواءً ما يتعلق بالسياسات الداخلية أو السياسات والعلاقات الخارجية.
وزير الإعلام بحكومة صنعاء ضيف الله الشامي قال في كلمة له في الفعالية التي عقدت بالاتحاد الزراعي بصنعاء، إن لديهم توجيهات واضحة من المجلس السياسي الأعلى بالعمل على تحقيق التكامل بين العمل الإعلامي والعمل الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي وتوعية المجتمع بأهمية التوجه للاستصلاح الأراضي الزراعية.
في هذا الصدد أيضاً قال الباحث في الشؤون الاقتصادية رشيد الحداد في ورقة عمل قدمها خلال الورشة إن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا حولت المجتمعات العربية والإسلامية ومنها اليمن إلى مجتمع مستهلك لتكريس التبعية الاقتصادية على المنطقة.
وأشار الحداد إلى أنه وبسبب تلك السياسات السابقة تحولت الاقتصاد اليمني إلى الاقتصاديات الأشد حساسية بالأزمات الخارجية وخاصة فيما يتعلق بأزمات الغذاء، مشيراً إن ذلك هو حال العديد من الدول العربية والتي البعض منها يملك إمكانيات كفيلة بتحقيق أمن غذائي على مستوى قياسي كمصر مثلاً.
وكشف الحداد أرقاماً مهولة من كميات الاستيراد من القمح والحبوب الرئيسية والتي كان اليمن إلى ما قبل ستينات القرن الماضي ينتجها بالكامل محلياً، حيث قال إن خطورة أزمة الغذاء في اليمن مرتبط بالحبوب وخاصة سلعة القمح التي وصلت الفجوة الغذائية فيها بين الإنتاج المحلي والاحتياج من هذه السلعة أكثر من 90% يتم تغطيتها من الأسواق الأجنبية.
الحداد قال إن اليمن تستورد قرابة 3.8 مليون طن من القمح الأجنبي سنوياً من كل من (أمريكا واستراليا وأوكرانيا وكندا) إضافة لاستيراد ما يعادل 750 ألف طن سنوياً من الذرة الشامية وأكثر من 159 ألف طن من فول الصويا المستخدم كأعلاف للدواجن.
العديد من المشاركين في ورشة العمل أكدوا على أن قطاع الاستثمار في المجال الزراعي وخصوصاً زراعة القمح أصبح مفتوحاً بعد أن ظل طوال العقود الماضية ممنوعاً على اليمن زراعة القمح خاصة بعد توقيع نظام علي عبدالله صالح اتفاقية بهذا الشأن مع صندوق النقد الدولي.
فرص استثمارية تقدم على طبق من ذهب
وتعتبر محافظة الجوف من أكثر المحافظات التي كشفت الأبحاث التي أجرتها وزارة الزراعة لزراعة بأنها الأصلح لزراعة القمح نظراً للكميات التي تم حصادها مؤخراً والتي وصل حجم محصولها إلى مابين 6-7 طن من القمح لكل هكتار واحد وذلك بعد دعم مؤسسة البذور المحسنة هذه المزارع بكميات من البذور المعدلة والتي ثبت ناجعتها في إنتاج كميات وفيرة من حبوب القمح بعد زراعتها في الجوف أكثر من أي حقل قمح تمت زراعته في أي منطقة أخرى من اليمن، الأمر الذي دفع اللجنة الزراعية العليا إلى إنشاء مزارع للقمح في محافظة الجوف بعد استعادة السيطرة عليها من التحالف السعودي، وهي المزارع التي أطلق عليها “مزارع الصماد”.
وتتميز الزراعة في محافظة الجوف بأن تربتها من أفضل أنواع التربة الزراعية، بالإضافة لميزة الجوف أنها قريبة من المياه الجوفية التي لا تحتاج لمضخات مياه كبيرة نظراً لقرب المياه الجوفية من سطح الأرض، وبالتالي فإن الفرص الاستثمارية في زراعة القمح أو أي حبوب أخرى تعتبر من الفرص الاستثمارية الناجحة جداً خصوصاً وأن صنعاء وضعت ضوابط قانونية وتعهدات وتقدم التسهيلات التي تضمن لأي مستثمر أو مزارع أن يبيع محصوله الزراعي بما يعود عليه بالأرباح من دون أي تهديد بشأن الكميات المستوردة من أي منتج زراعي.
حالياً وبحسب ما يؤكده وزير الإعلام بحكومة صنعاء هناك 46 مليون هكتار من الأراضي القابلة للزراعة وكل هكتار يمكنه إنتاج 6 أو 7 طن من القمح أي ما يعادل 276 مليون طن من القمح يمكن لليمن إنتاجه وتحقيق اكتفاء ذاتي من ناحية وتحويل اليمن لواحدة من كبرى الدول المصدرة للقمح عالمياً، وهذه المساحات الشاسعة بانتظار استثمارها من قبل أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن فرص استثمارية سريعة الربح والفائدة، رغم ذلك هناك أيضاً سياسات فرضتها صنعاء لضمان عدم جعل اليمن سوقاً مفتوحة للاستيراد من الخارج ففي جانب الأمن الغذائي اتجهت صنعاء لسن قوانين وضوابط لإلزام أي مستورد لأي سلعة غذائية زراعية أن يستورد فقط نصف الكمية التي يريد المتاجرة بها من الخارج فيما النصف الآخر من هذه الكمية عليه أن يشتريها من المزارع المحلي وفي حال لم يكن هناك كميات من الإنتاج المحلي من هذه السلعة أو تلك مثلاً فعلى التاجر القيام بدعم أي مزارع لاستصلاح أرض زراعية وزراعة الكمية التي يريدها التاجر ثم بعد ذلك يستلم التاجر الكمية بعد حصادها من المزارع عن طريق الجمعية الزراعية الوسيطة والتي تضمن للمزارع حصوله على ربح وفائدة من مجهود زراعته كما تضمن الجمعية ومؤسسات الدولة الأخرى المعنية تسويق السلعة المنتجة للتاجر المستورد بما يعود عليه هو الآخر بفائدة أيضاً.