صدق أو لا تصدق فبركات “تحرير رهينتين أمريكيتين من صنعاء” لها علاقة بالحرب بأوكرانيا والتطورات بين الرياض وواشنطن
تقرير خاص – المساء برس|
في الوقت الذي اعتقد فيه البعض أن بيان وزارة الدفاع السعودية بشأن مزاعم “تنفيذ الرياض وواشنطن عملية مشتركة” لـ”تحرير رهينتين أمريكيتين كانتا محتجزتين في صنعاء بعملية خاصة” بأنه محاولة سعودية تسعى من خلالها لاختلاق أي انتصار أو بطولة بعد موجة الهزائم المتلاحقة التي تتوالى والتي تتعرض لها الرياض عسكرياً في جبهات القتال في اليمن والجبهات الحدودية من مأرب إلى حرض على أيدي قوات الجيش التابع لحكومة صنعاء، إلا أن الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذا الطرح بل إن هذا الإعلان وما تضمنه من فبركات لاصطناع بطولات، لا علاقة له باليمن أساساً، ومرتبط بشكل رئيسي بالعلاقات المتوترة بشكل كبير بين السعودية وأمريكا على خلفية الحرب في أوكرانيا، والهدف من القصة برمتها إنقاذ أمريكا لهيبتها بعد تسريبات الصحافة الأمريكية.
ويبدو أن التسريبات التي نشرتها كبريات الصحف الأمريكية بشأن رفض محمد بن سلمان الرد على مكالمة هاتفية للرئيس الأمريكي جوزيف بايدن أدت إلى زعزعة ثقة حلفاء أمريكا فيها، كيف: عندما يشيع بين الدول المتحالفة مع أمريكا أو التي تدور في فلكها، أن دولة مثل السعودية التي يُنظر إليها ليس على أنها حليف لواشنطن بل تابع، ترفض علناً السير وراء الرغبة الأمريكية وتنفيذ ما يطلبه الرئيس الأمريكي في حربه ضد روسيا، فإن ذلك يمكن أن يدفع دولاً أخرى تشبه في علاقتها مع أمريكا العلاقة بين الرياض وواشنطن إلى التمرد على السياسة الأمريكية واتخاذ التمرد السعودي على أمريكا موقفاً مشجعاً لتبني الموقف ذاته أو على الأقل التزام الحياد، وهنا تكمن خطورة الوضع إذ أن بايدن دفع باندلاع هذه الحرب بغرض إضعاف روسيا وتفكيك حلفائها وتجزئتهم ولكن الأمر بدأ ينجرف في الاتجاه المعاكس وتكرار موقف السعودية من دول أخرى سيقود إلى تفكك الحلف الأمريكي وليس الحلف الروسي.
ولتلافي حدوث أمر كهذا، لا بد من الخروج بفكرة تجعل من الدول الحليفة لواشنطن تقتنع بأن توتر العلاقات بين السعودية وأمريكا غير صحيح وأن تسريبات رفض بن سلمان الرد على مكالمة بايدن مجرد شائعة، وهنا جاءت فكرة الخروج بقصة “الرهينتين الأمريكيتين” والتي يتضح من خلال ما نُشر بوسائل الإعلام أنها مفبركة، أولاً: لوجود نقاط كثيرة يلفها الغموض في تصريحات ناطق التحالف تركي المالي وبيان وزارة الدفاع السعودية وأيضاً تصريح المسؤول الأمريكي الذي علق على البيان، وثانياً: لخروج وزارة الداخلية بحكومة صنعاء بتصريح كشفت فيه حقيقة الأمر وما فيه، وأن القصة لا علاقة لها بسجون ولا رهينتين وأن ما حدث أن الفتاتين اليمنيتين الحاصلتين على الجنسية الأمريكية غادرتا صنعاء إلى عدن بدون علم زوجيهما بعد خلاف عائلي مع عائلة الزوجين بعد 3 أسابيع فقط من الزواج الذي تبين أنه لم يكن زواجاً بل كان صفقة بين الطرفين الهدف منها حصول الفتاتين على 160 ألف دولار مقابل حصول الزوجين على الجنسية الأمريكية.
حيث كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية في حكومة صنعاء العميد عبدالخالق العجري، عن تفاصيل فرار امرأتين يمنيتين تحملان الجنسية الأمريكية إلى محافظة عدن.. مؤكدا أن عملية الفرار ناتجة عن خلافات عائلية بين أسرتي المرأتين وزوجيهما.
وأوضح العميد العجري أن المدعوتين زهراء أمين عبدالكريم سفيان وشقيقتها سميحة أمين عبدالكريم سفيان، تزوجتا من المواطنين جهاد علي عتيق البالي وشقيقه خطاب علي عتيق البالي، ولم يمر على زواجهما سوى ثلاثة أسابيع.
وأشار إلى أن الزوجين تقدما إلى مركز الشرطة ببلاغ رسمي يفيد بفرار زوجتيهما، ومن خلال جمع الاستدلالات والمعلومات، التي قام بها البحث الجنائي في مركز شرطة السياغي بالعاصمة صنعاء، كشفت عن قيام الزوجتين بالتنسيق مع المدعو عزيز الرادمي، والمدعو إبراهيم أحمد علي الردمي، اللذين قاما بإيصالهن إلى محافظة عدن بعد التنسيق مع والدتهن المقيمة في أمريكا.
ولفت ناطق الداخلية إلى أن الوثائق، التي حصلت عليها وزارة الداخلية، تثبت أن الزواج من الفتاتين كان بهدف الحصول على الجنسية الأمريكية، حيث دفع الزوجان 160 ألف دولار أمريكي كمهر لهما.
ونفى العميد العجري ما صرّح به ناطق التحالف تركي المالكي، ووسائل الإعلام التابعة له التي ادّعت أن الفتاتين كانتا في الاحتجاز لدى سلطات صنعاء، وأنه تم تحريرهما بتنسيق أمني بين الولايات المتحدة والسعودية، وأكد أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتبحث عن إنجازات وهمية على هامش القضايا والمشاكل الاجتماعية.
اللافت أيضاً وجود العديد من النقاط الغامضة في إعلان السعودية، منها مثلاً عدم تحديد الزمن الذي تم فيه تنفيذ هذه “العملية المشتركة” المفبركة، لأن التاريخ في هذه النقطة سيجعل من القصة برمتها بلا فائدة وبلا هدف، لماذا: لأن الهدف من فبركة هذه القصة وإظهارها بهذا الشكل هو إقناع الدول الحليفة لأمريكا بأن الخلافات بينها وبين السعودية غير صحيحة بدليل أن البلدين نفذا “عملية مشتركة” لإنقاذ “رهينتين أمريكيتين كانتا محتجزتين في صنعاء”.
لكن يبدو أن طرفاً خليجياً أراد فضح هذه الخطة نكاية بالسعودية فقط، إذ نشرت صحيفة العرب اللندنية المدعومة من إحدى دول الخليج، خبر “تحرير الرهينتين الأمريكيتين”، لكنها أضافت إلى الخبر تصريحاً نقلته عن مصدر لم تسمه وقالت إنه طلب عدم كشف هويته، ماذا قال المصدر: إن “عملية تحرير الرهينتين تمت في يناير الماضي”، وهنا تضمن التصريح المزعوم معلومة صحيحة فيما النصف الأول منها غير صحيح فهي ليست عملية تحرير والفتاتان لم تكونا رهينتين لدى سلطات صنعاء، وما هو صحيح في هذا التصريح فقط هو أن هروب الفتاتين من صنعاء إلى عدن كان في يناير الماضي، بمعنى أرادت هذه الدولة الخليجية الداعمة لصحيفة العرب اللندنية – من خلال هذا الخبر – التأكيد على أن العلاقات الأمريكية السعودية متوترة جداً بدليل أن العملية المشتركة كانت في يناير الماضي أي قبل الحرب في أوكرانيا وقبل رفض السعودية الطلبات الأمريكية برفع إنتاج النفط وقبل تسريبات الصحافة الأمريكية بشأن رفض بن سلمان الرد على مكالمة بايدن.
في نفس الوقت أيضاً تضمن التصريح المنسوب لمصدر مجهول الهوية زعمه بأن الفتاتان تم نقلهما جواً من صنعاء إلى عدن، وبقدر ما في هذه العبارة من فبركة، بقدر ما فيها من رسالة سخرية واستهزاء بالسعودية، لماذا: لأن من سيقرأ هذه العبارة سيسأل نفسه (كيف تم نقلهما جواً من صنعاء إلى عدن رغم أن السعودية تقول إنها عملية أمنية مشتركة وتحرير رهينتين؟ هل مثلاً هبطت طائرة في مطار صنعاء من دون إذن وبسرعة البرق استطاعت الرهينتان ومن معهما اقتحام بوابات المطار ورجال الأمن ونقاط التفتيش بمحيط المطار والدخول لصالة المغادرة والخروج إلى المدرج والعثور بالصدفة على سيارة وعليها مفتاح تشغيلها فأخذوها واتجهو نحو الطائرة وصعدوا إليها ثم أقلعت من جديد؟!!، أم أن السعودية استخدمت في هذه العملية المشتركة سوبر مان هبط سريعاً في مكان ما وأخذ الفتاتين بيديه وطار كما شاهدنا في مسلسلات الكرتون؟!!)، إذن وبسبب هذه التساؤلات سيدرك أي شخص تماماً أن القصة برمتها مفبركة وأن الهدف من نشرها حالياً له أبعاد سياسية خاصة أن المتابع لطبيعة الحرب في اليمن يدرك استحالة أن تُنفذ عملية كهذه وأن القوات السعودية لم تستطيع الصمود أمام المقاتلين اليمنيين في الجبهات الحدودية رغم ما تمتلكه من عتاد عسكري دفاعي فهل تستطيع تنفيذ “عملية أمنية” و “تدخل إلى صنعاء” وتتمكن من “تحرير الرهينتين الأمريكيتين المسجونتين” ثم بعد ذلك يخرج منفذوا هذه العملية من صنعاء ويقطعوا مسافة 500 كيلو متر من دون أن يعترضهم أحد!!!؟، يبدو أن صحيفة العرب استطاعت بذكاء تفنيد القصة المفبركة وعكس مسار أهدافها تماماً وجعلها مثار للسخرية من السعودية وقصصها المختلقة.
ثم إن المسؤول الأمريكي الذي علق على البيان هو أيضاً لم يذكر متى تمت العملية، بمعنى أن إخفاء زمن وقوع هذا الحدث المفبرك كان متفقاً عليه بين السعودية وأمريكا كما أن لا بيان السعودية ولا تصريح المسؤول الأمريكي تضمنا أسماء الفتاتين والطرفين اتفقا على القول بأن ذلك عائد لأسباب تتعلق بالخصوصية، وهنا يبرز تساؤل مهم: منذ متى تخفي أمريكا أسماء أي شخص أمريكي يتم “تحريره إذا كان رهينة”، لماذا هاتين الفتاتين بالذات لم يُذكر اسميهما، ولماذا لم يعلنوا عن المكان والسجن الذي كانتا محتجزتان فيه إذا كان ذلك صحيحاً؟ ألم تطلق عليها السعودية عملية أمنية لتحرير رهينتين، تحرير رهينتين يعني أنهما كانتا معتقلتان في أحد السجون، فأي سجن تم تحريرهما منه؟، كل ذلك يثبت وبشكل واضح أن القصة مختلقة وتم استغلال قصة الفتاتين وجوازيهما الأمريكيين وحل إشكاليتهما تم استغلال هذه القصة وفبركتها وإخراجها بالشكل الذي أعلنت عنه السعودية لتحقيق هدف واحد فقط وهو نفي تسريبات وجود خلافات بين الرياض وواشنطن.
هو يبدو أن ما حدث أن الفتاتين اليمنيتين اختلفتا بعد الزواج مع زوجيهما ومع عائلتهما لأن الزواج كان عبارة عن صفقة قيمتها 160 ألف دولار، ويبدو أيضاً أن الزوجين أبقيا جوازي سفر الفتاتين لديهما كضمانة لعدم هروبهما بعد استلام المبلغ لكون جوازي السفر هما وثيقة الإثبات الوحيدة التي تثبت أن الفتاتين حاصلتين على الجنسية الأمريكية ومن دونهما لن تستطيعا العودة إلى أمريكا، ويبدو أن الفتاتان أرسلتا المبلغ إلى والدتهما في أمريكا وهي يمنية أيضاً وحاصلة على الجنسية الأمريكية ويبدو أن موضوع الموافقة الأمريكية على اصطحاب الفتاتين لزوجيهما إلى أمريكا لأنهما ليسا أمريكيين يبدو أن الموافقة لم تتم، ويبدو أن الفتاتين وقعتا في ورطة حيث لم يعد لديهما المبلغ الذي استلماه وجوازيهما لم يعودا بحوزتهما، بمعنى لا وجود للمبلغ المالي لإعادته إلى الزوجين ويتم الطلاق وتنتهي القصة وتعود الفتاتان من حيث أتتا ولم بحوزتهما جوازي السفر الذي من دونهما يصبح الدخول إلى أمريكا مرة أخرى وبشكل سريع أمراً مستحيلاً خلافاً لكون مغادرة اليمن أساساً تتطلب وثائق رسمية وتأشيرة وإجراءات طويلة – في حال قررتا الخروج من اليمن بجنسيتهما اليمنية – فما كان منهما سوى التخاطب مع والدتهما للتنسيق لهما عبر سفارة اليمن في الولايات المتحدة والتي بدورها ستتخاطب مع سفارة السعودية لكونها صاحبة الحل والعقد وتقوم الأخيرة بمخاطبة الخارجية السعودية والتي بدورها ستتواصل مع الفتاتين بشكل مباشر والطلب منهما السفر إلى عدن وهذا سهل جداً ولا يحتاج إلى وثائق ولا شيء، ومن هناك سيتم نقلهما مع أول رحلة طيران إلى السعودية وهناك ستصدر السفارة الأمريكية في الرياض جوازي سفر أمريكيين للفتاتين ويعودان من جديد إلى أمريكا، فقط هذا هو السيناريو الأقرب للحقيقة لما حدث بمعنى أنها كانت عملية نصب واحتيال كان ضحيتها مواطنين من صنعاء كانا يريدان الحصول على الجنسية الأمريكية عن طريق الزواج من امرأتين تحملان الجنسية، وليس في الموضوع لا عملية مشتركة ولا تحرير رهينتين ولا سجن ولا هم يحزنون.