هندسة الصراعات الداخلية في الجنوب.. وقود التحالف لاستمرار احتلاله
تقرير خاص – المساء برس|
لم يكن للتحالف السعودي الإماراتي أن يستمر في احتلاله للمحافظات الجنوبية طيلة السبع السنوات الماضية دون أن يواجه هذا التحالف بمقاومة وثورات شعبية تطرده نهائياً وتقضي على وجوده في كل المناطق الجنوبية لو أنه لم يخطط منذ البداية على سيناريو يفرض تطبيقه في الجنوب لضمان استمرار احتلاله.
هذا السيناريو الذي خطط له التحالف كان عموده المحوري هو تغذية صراعات داخلية في الجنوب بين قوى قبلية أو بين قوى سياسية ومكونات تقليدية أو مستحدثة، المكونات المستحدثة التي تمثلت بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي كان غرض ذلك ضمان وجود تيار أو مكون يعيش على النقيض وعلى الضد من القوى الأخرى الموالية للتحالف والتي اصطفت معه منذ بداية الحرب على اليمن، والهدف من ذلك هو: ضمان حدوث صراع مستمر ودائم يخفت فترة وتشتعل جذوته فترات متعددة، وإلهاء المواطنين في الجنوب بهذه الصراعات والانقسامات وعدم إتاحة الفرصة لهم للتنفس والتفكير بوضعهم ومعيشتهم وبالتالي التفكير بجدوى بقاء التحالف مسيطراً على منشآتهم وموانئهم ومطاراتهم وجدى بقاء قواته داخل الجنوب طالما وأن مناطقهم لم تعد تشهد معارك أو وجود لقوات صنعاء.
“الشرعية” التي تعد قطباً واحداً في حقيقة الأمر والتي يمثلها حزب الإصلاح الذي سارع لمباركة التدخل العسكري للتحالف في اليمن وقصفه وحصاره البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، تعتبر بالنسبة للتحالف معادلة ناقصة لا يكتمل معها مخطط الصراع، ولإيجاد صراع مستمر في الجنوب كان لزاماً على التحالف إنشاء كيان جديد وتولت الإمارات هذه المهمة وقامت بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وظل التحالف يهندس الصراع بين الانتقالي والإصلاح طوال السنوات الماضية، ولأن التحالف لم يأتِ من أجل سواد عيون أبناء المحافظات الجنوبية، وجاء لاستغلال ما تحتويه المناطق الجنوبية من ثروات وآثار وموقع استراتيجي، فقد ظل التحالف يهندس صراعاً شبه متكافئ بين الانتقالي والإصلاح بالقدر الذي لا يسمح بانتصار أي طرف على الآخر واستغلال هذا الصراع اطول فترة ممكنة، لكن مع تقادم السنين تبدأ المقاومات الشعبية بالتشكل تدريجياً ومن أمثال ذلك المقاومة المهرية التي ترفع شعار المقاومة المسلحة ضد التحالف السعودي الإماراتي والذي تصفه بالاحتلال والعدوان، التحالف ولإيقاف التشكل التلقائي لهذه المقاومات الشعبية ضده يجب عليه تغيير الأدوات المحلية واستبدالها بأدوات جديدة وتحميلها كل جرائمه وانتهاكاته ومسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في المناطق التي يحتلها التحالف باعتبار تلك المظاهر من فساد ونهب للثروات وغلاء معيشة وحصار ومليشيات مسلحة وانقسامات وغير ذلك، هي نتاج لهذه الأدوات التي تتصدر مشهد السياسة والحكم والإدارة، وبهذا يبقي التحالف نفسه بأنه خارج المسؤولية.
ها قد مرت 7 سنوات من عمر الحرب على اليمن، ومن الواضح أن التحالف بدأ بمخطط طي صفحة الإصلاح أكثر أداة محلية استخدمها التحالف ضد اليمنيين أنفسهم وفي النهاية مصيره إلى المزبلة، فهذه قاعدة تاريخية وذلك هو مصير أي كيان أو جهة أو شخص يجعل من نفسه أداة للخارج لتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم ضد بلاده.
الآن وبعد طي صفحة الإصلاح التي بدأ التحالف بشقيه السعودية والإمارات كتابة آخر سطور الإصلاح في سلطة ما تسمى “الشرعية”، سيبقى لدى التحالف كأداة محلية “المجلس الانتقالي الجنوبي”، وهنا تصبح المعادلة ناقصة من جديد ويجب إكمالها لإطالة الاحتلال العسكري للجنوب لسنوات قادمة أخرى.
على الرغم من أن الانتقالي صنيعة إماراتية، وتيار عفاش في حزب المؤتمر الذي يريد التحالف إعادته للسلطة من جديد محسوب هو الآخر على الإمارات، فإن ذلك لا يمنع من أن يهندس التحالف السعودي الإماراتي صراعاً بين الأداتين كما كان الحال في الصراع بين الانتقالي والإصلاح والذي نشهد حالياً آخر فصوله.
لن يبقى التحالف يوماً واحداً في الجنوب طالما لم يبقي على وجود صراع دائم بين كيانين أو قوتين تتبعانه، السبع السنوات الماضية ظل الصراع بين الانتقالي والإصلاح، والآن الإصلاح سيخرج من المشهد السياسي والعسكري، ليحل محله تيار عفاش بحزب المؤتمر الذي يعد نظامه عدواً لأبناء الجنوب بسبب ما ارتكتبه أسرة صالح من انتهاكات ونهب لثروات الجنوب بالشراكة مع حزب الإصلاح طوال 20 عاماً، بمعنى أن سبب إحياء صراع وهندسته بين المؤتمر جناح الإمارات والانتقالي الجنوبي هو سبب مقنع وموجود وقوي لتنفيذ وإدارة هذا الصراع، وقد بدأت بوادر الصراع بين الطرفين من الآن من خلال دفع التحالف بفصيل داخل الانتقالي للاعتراض على عودة نظام عفاش العائد إلى الجنوب وتحكمه وسيطرته على الجنوبيين، فبيان ما يسمى بالمقاومة الجنوبية بمحافظة شبوة الذي صدر قبل 3 أيام والذي حذر من أسماهم “عملاء وأزلام عفاش ونظامه والأحزاب اليمنية” بسبب ما أسماها البيان بـ”محاولة التطاول على تضحيات ودماء الجنوبيين”، و”تمجيد المجرم عفاش وعصابته وحزبه ونظامه على أسس برنامجه المعادي لشعب الجنوب ونظامه”، وغير ذلك مما ورد في البيان، هو مجرد بذرة لخلق صراع دائم بين تيار عفاش العائد للجنوب تحت قيادة أبناء شقيق علي عبدالله صالح وبين الجنوبيين اللذين اشترتهم الإمارات وحولتهم لأدوات طيعة ومنحتهم وعوداً زائفة بتمكينهم من حكم الجنوب بعد أن تساعدهم على الانفصال المزوم.