صحفيو اليمن نموذج المأساة المغيّبة عن عيون العالم في “الحرب المنسية” وما ترتكبه بحق المجتمع الإعلامي
لجنة دعم الصحفيين – المساء برس|
في اليمن، أتت الحرب التي تعصف بالبلد الأفقر عالمياً للعام السابع الذي يقارب نهايته، على كل شيء.. لم يسلم منها غني أو فقير ولا مواطن عادي أو مسؤول حكومي، ولا طفل أو كهل، ولا رجل أو امرأة. وكما هو الحال بالنسبة لبقية فئات المجتمع في اليمن، فقد كان للصحفيين في اليمن نصيبهم الذي نالوه جراء تعرض بلادهم لهذه “الحرب العبثية” بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
في هذا التقرير حاولت لجنة دعم الصحفيين – بعد إجراء استطلاع رأي موسع في مختلف مناطق اليمن شمالاً وجنوباً على عينة واسعة من الصحفيين والعاملين بمجال الإعلام – تسليط الضوء على المأساة شبه المنسية والتي لم تجد من كل تلك المنظمات والهيئات الدولية المعنية من تقوم بكشف الغطاء عنها ونثر أسرارها المتوارية، إنها مأساة الصحفيين والعاملين بالإعلام الذين فقدوا أعمالهم بسبب توقف المؤسسات الإعلامية التي كانوا يعملون فيها بسبب الحرب والحصار المفروض على البلد الأفقر في المنطقة العربية.
الاعتراف بالحقيقة المرّة
بالنسبة لمعظم المنظمات الدولية المعنية بالصحفيين والصحافة والمتخصصة بالدفاع عن الصحفيين وحمايتهم لكونهم يعتبرون عيون وآذان شعوبهم وناقلي الحقيقة والمعلومة صوتاً وصورة وكلمة، لم يسبق لأي منظمة من تلك ان طرقت باب “مصير الصحفيين وجميع من كانوا يعملون إلى جانبهم الذين فقدوا وظائفهم جراء توقف المؤسسات الصحفية والإعلامية التي كانوا يعملون فيها بسبب الحرب في اليمن”، كون هناك العديد من المؤسسات الإعلامية التي توقفت عن العمل ومعها فقدت مئات الأسر مصدر دخل عائلها الوحيد، فمواضيع مثل هذه – كما يقول ممثل لجنة دعم الصحفيين في اليمن يحيى الشرفي – قد يتسبب فتحها والتطرق إليها بإحراج لهذه المنظمات التي يفترض بها أن تهتم لشؤون من تتخذ من حمايتهم والدفاع عنهم عناوين لأنشطتها الرئيسية.
يقول الشرفي إن معظم أو كل المنظمات المعنية بالدفاع عن الصحفيين قد تتهرب من مناقشة مصير الصحفيين الذين فقدوا وظائفهم وأصبحوا عاطلين عن العمل لأسباب سياسية أو اقتصادية تعيشها بلدانهم، إذ قد تصبح هذه المنظمات أمام مسؤولية أخلاقية تجاههم أقلها توفير الدعم المادي أو العيني الثابت لهم وذلك استجابة لأوضاعهم ومصائرهم التي صاروا إليها، فمهمة تلك المنظمات لا تقتصر فقط على الدفاع عن الصحفيين حين يكون الأمر متعلقاً فقط بالحق في النشر والإعلام، بل والدفاع عنهم وإيجاد الحلول لهم كي يتمكنوا من مواصلة مهامهم في النشر ونقل الحقيقة.
إن تجاهل بعض المنظمات المعنية لمأساة فاقدي وظائفهم من الصحفيين والعاملين بمجال الإعلام في اليمن، يعود من وجهة نظر ممثل (JSC) في اليمن إلى أسباب سياسية وذات بعد دولي وقد تضطر بعض هذه الهيئات الدولية المعنية بالصحفيين إلى اللجوء للتعامل بمعيارية غير منصفة تجاه جزء من الصحفيين مقارنة بطبيعة التعامل والتعاطي مع مشاكل وظروف جزء آخر من الصحفيين وفقاً وبناءً على ما تفرضه سياسات القوى العالمية التي يمكنها بشكل أو بآخر وبموجب ما تقدمه من دعم وتمويل لهذه الهيئات أن تحدد سياساتها في التعاطي مع هذا البلد أو ذاك أو مع هذا الفصيل أو غيره داخل البلد الواحد، والحال كذلك ينطبق على واقع تعاطي الهيئات الدولية المعنية بالصحفيين مع الصحفيين اليمنيين المصنفين للأسف بناءً على التوجه السياسي أو الموقف الشخصي من الحرب على اليمن، يقول ممثل اللجنة في اليمن إن هناك أمثلة أثبتت لهم وجود تمييز من قبل هيئات تابعة للأمم المتحدة بين صحفيين يرفضون الحرب على اليمن وآخرين يؤيدونها وهؤلاء الأخيرين يحصلون على دعم مادي استطاعوا من خلاله البقاء مقيمين خارج اليمن، فيما من رفضوا الخروج من اليمن لم يجدوا استجابة من تلك الهيئات الأممية.
الحصار جريمة أخرى تطال الإعلاميين
إن حجم الكارثة التي حلت بالعاملين في المؤسسات الصحفية أو الإعلامية المتوقفة في اليمن أكبر من أن يمكن احتواؤه في تقرير كهذا، لكن سنحاول قدر المستطاع إبراز أكثر النماذج شيوعاً، فمثلاً تداعيات الحرب والحصار على اليمن على الصحفيين لم تأتِ فقط على أعمالهم ومصدر أرزاقهم بل تسببت لهم أيضاً بإبقائهم في حكم المسجونين أو الممنوعين من السفر والمحكوم عليهم بالموت تحت عذابات الأمراض المزمنة.
فهذا الزميل “عبدالرحيم محمد الفقيه” – رئيس تحرير صحيفة “الهدف” وهي صحيفة مستقلة، إضافة لكونه مديراً لمكتب صحيفة “المسيلة” في العاصمة صنعاء، وهي صحيفة كانت تصدر عن حزب المؤتمر الشعبي العام في محافظة حضرموت، وبسبب الاضطراب السياسي في البلاد توقفت الصحيفة الصادرة عن حزب المؤتمر في حضرموت ما تسبب بتوقف مكتبها في صنعاء وبالتالي توقف راتب الفقيه منذ العام 2012، لم يبقَ حينها للزميل الفقيه سوى صحيفته الخاصة “الهدف” والتي وبسبب خطها التحريري المناهض للحرب التي يشنها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية على اليمن، أصبح الصحفي الفقيه محسوباً من قبل التحالف بأنه خصم وعدو ومطلوب للاعتقال الأمر الذي منعه من التحرك من مكانه وأفقده القدرة على السفر للعلاج في الخارج، إذ يعاني الفقيه الذي دخل في عقده الثامن من “تهتك في شرايين القلب إضافة لأمراض السكر والضغط والبواسير”، ومنذ فقدان الزميل الفقيه لعمله الصحفي بعد توقف الصحيفتين الحزبية وصحيفته الخاصة، لم يكن أمامه سوى الاعتماد على بيع الأراضي التي ورثها من جده ليتمكن من العيش وتسديد حاجات أسرته، ورغم ذلك يبقى مقيداً غير قادر على السفر للعلاج في الخارج.
حين يكون عملك السابق ذنباً
ترسم مأساة محمد المسجدي تكثيفاً مصغراً لمعاناة الصحافيين المهنيين في اليمن، الذين كانوا في طليعة الضحايا الذين ابتلعتهم جحيم الحرب على اليمن.ليس فقط الصحفيون هم من أتت عليهم الحرب بالكوارث، فكل من كان يعمل في أي وسيلة إعلامية توقف عملها بسبب الحرب أو بتأثيرها اقتصادياً ما أدى لإغلاقها نالهم نفس مصير الصحفيين (مصورين، مخرجين، فنيين، عمال المطابع، موزعين، موظفي الحسابات والإداريين).
محمد، أب لولدين وطفلة، كان يعمل مصوراً لإحدى القنوات الفضائية في صنعاء، قبل أن تندلع الحرب عام 2015م بعد توقف رواتبه لفترة طويلة واضطراره للنزوح إلى مدينته تعز.
قرر المسجدي، وفي غمار الحرب الطاحنة، أن يواصل مسيرته في العمل، حيث قام بتغطية الحرب بكاميرته الشخصية في تعز، وبيع مواده المصورة للوكالات الإخبارية والقنوات الدولية، التي ظلت تماطله في دفع مستحقاته، لقرابة العامين.
وهناك يقول المسجدي إنه تعرض للمضايقات أثناء عمله في تغطية الحرب الطاحنة التي شهدتها المحافظة، حيث قام مسلحون تابعون للشيخ حمود سعيد المخلافي حينها باعتقاله نتيجة وشايات من بعض الأشخاص، على خلفية عمله السابق في قناة “الساحات” في الفترة السابقة لنشوب الحرب. يقول المسجدي، “أخذوني إلى الشيخ حمود سعيد بتهمة عملي السابق في قناة الساحات، مع أني كُنت اشتغل مواد إنسانية”.
ومع اشتداد المعارك اضطر محمد للانتقال من مدينة تعز إلى مدينة التربة جنوب تعز، وبقي فيها عدة أشهر ثم انتقل لمدينة عدن بحثاً عن عمل هناك، فلم يجد فرصة للعمل في مجاله ما اضطره للعمل كسائق لدى إحدى شركات تأجير السيارات وبسبب ظروف المعيشة وعدم قدرته على الإيفاء بالتزاماته بسبب تدني الأجر الذي كان يتقاضاه، قرر محمد العودة إلى تعز مرة أخرى.
هناك عمل مصوراً بالقطعة لصالح منظمات عاملة في المجال الإنساني، لكن ذلك العمل لم يكن مستمراً بسبب موسمية أنشطة المنظمات فاضطر لعودة العمل مع القنوات التي كان يقوم بالتصوير لها بالقطعة رغم عدم إيفائها بالتزاماتها المادية تجاهه، ولكن مع تدهور حالته المادية بشكل كبير إضافة لظهور مشاكل صحية، اضطر المسجدي لبيع كاميرته الشخصية مصدر دخله الرئيسي.
أصبح المسجدي بدون كاميرا الآن ولم يعد بوسعه العمل في مجاله، فاضطره ذلك الوضع للانتقال إلى عدن مرة أخرى والبحث عن عمل آخر هناك، لكنه لم يجد عملاً مناسباً لقدراته الشخصية، ما اضطره للعمل كسائق شاحنة لبيع المياه العذبة للمنازل والمحال والمنشآت وبقي على ذلك الحال لمدة عامين، ثم بعدها انتقل للعمل في معرض لتأجير السيارات حيث كان يقوم بنقل السيارات بين محافظتي عدن والمهرة.
وإذا كانت المضايقات التي تعرض لها المسجدي في تعز، قد دفعته للانتقال إلى عدن أكثر من مرة بحثاً عن الأمان وطلباً للرزق، فقد تلقفته عدن بصورٍ أخرى من الانتهاكات، حيث أنه وخلال عمله في نقل السيارات بين محافظتي عدن والمهرة، تعرض لحادثة اعتقال من قبل المسلحين في إحدى نقاط التفتيش.
يقول المسجدي: “أثناء عملي في نقل السيارات، تم توقيفي في نقطة العلم (بين محافظتي عدن وأبين) من قبل عسكر النقطة، وذلك بحجة عملي السابق في قناة الساحات الفضائية، قبل الحرب، وبسبب هذه التهمة فقد تم سجني لمدة شهر كامل، وتم لاحقاً الإفراج عني بعد متابعة حثيثة من الأهل والأصدقاء”.
ويضيف: “بعد خروجي من السجن، فقدت عملي، وضاق بي الحال في عدن، حتى اضطررت للعودة مجدداً إلى تعز، والاستقرار فيها، حيث أني ومنذ ذلك الحين أعمل في أحد المخابز بأجر يومي وقدره 3 آلاف ريال” (أقل من 2 دولار).
كان الثمن الذي دفعه محمد في كفاحه المرير هذا باهظاً، فبين الانتهاكات التي تعرض لها في مختلف الأماكن التي نزح إليها، إلى مماطلته والعبث بحقوقه المادية، إلى المضايقات والسجن دون سبب وجيه، إلى الإقصاء والنبذ والحرمان من حق العمل في مهنته الأساسية “الصحافة” إلى الضغوط القاهرة والمؤلمة التي عاشها من أجل توفير حياة كريمة لأسرته وأطفاله، وإلى المزيد من الكفاح والدأب والمعاناة المستمرة من أجل العيش.
خلال هذه الأعوام، أصيب محمد المسجدي بعدد من الأمراض المُزمنة، أبرزها أمراض القلب، والسكر، وارتفاع ضغط الدم، كل هذه الأمراض أصابت محمد المصور الصحفي الشاب الذي بات يصرف أكثر من نصف دخله على شراء الأدوية، يقول: “كل شهر أشتري علاجات بمبلغ 50 ألف ريال”.
يقول محمد، “ما بين عامي 2009 – 2015 كونت علاقات واسعة في الوسط الصحافي، ورغم ذلك، لم أستطع أن أجد عملاً لدى كل من أعرفهم، أعرف الكثيرين، مديري قنوات ووكلاء في وزارة الإعلام ولكن، لا أحد منهم يرد حتى على رسائلي، في النهاية يتخلون عنك.. كل واحد مشغول بنفسه”.
تواصل محمد مع الكثيرين في الوسط الصحافي، وعدد منهم يتولون مناصب حكومية، أو مواقع قيادية في بعض القنوات والمؤسسات الإعلامية ولكن كل اتصالاته تلك لم تسفر عن فائدة تذكر، حتى نقابة الصحافيين اليمنيين، طرق محمد بابها لتساعده في البحث عن حل لمشكلته دون جدوى.
“العدوان أقفل أمامنا كل منافذ الرزق”
عام 2014 توقفت صحيفة الإبحار عن الإصدار، ومعها توقف عبدالله الشوخي رئيس تحريرها وتوقف معه بعض الزملاء العاملين معه في تلك الصحيفة عن العمل، وأصبحوا منذ ذلك الحين عاطلين عن العمل.
يقول عبدالله “سبع سنوات وصحيفتي موقفة من الإصدار نتيجة ما يمر به الوطن من الحروب والاقتتال ومعي بعض الزملاء والعاملين متضررين نتيجة تلك المشاكل، ونعيش الأمرين ونعاني من عدم الدخل، ونتمنى أن تصل أصواتنا للمنظمات الدولية المهتمة بالصحفيين على رأسها لجنة حماية الصحفيين التابعة للأمم المتحدة للالتفات لمعاناتنا وحاجتنا للمساعدة أسوة بزملائنا الذين هم في خارج الوطن باعتبارنا جميعاً متضررين”، كما يحمّل عبدالله “التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن” مسؤولية عدم إمكانية حصوله على عمل آخر في وسيلة إعلامية أخرى حيث يقول: “نتيجة العدوان سدت أمامنا كل منافذ الرزق”.
شبح الإنتربول
يعتبر الصحفي صبري سالمين بن مخاشن وهو رئيس تحرير صحيفة “المحرر”، صحيفة كانت تصدر من مدينة المكلا بمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، أن الشرطة الدولية “الإنتربول” كالشبح الذي يطارد ضحيته.
فـ”بن مخاشن” وبرغم كونه استطاع النجاة بنفسه من الاعتقال السياسي في حضرموت في فبراير 2019 وتمكن حينها من الخروج من اليمن وأصبح منفياً قسراً في العاصمة المصرية القاهرة هو وعائلته وعددهم 6 أشخاص، إلا أنه وبسبب كتاباته ومقالاته التي كشف فيها عدداً من قضايا الفساد التي ارتكبها مسؤولون رفيعون في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، أصبح مهدداً بين فترة وأخرى بالقبض عليه في القاهرة عبر الإنتربول الدولي وترحيله إلى اليمن.
يقول بن مخاشن: “للفترة من 2005 إلى 2008 وما بعدها تعرضت للسجن والاحتجاز والمحاكمة والاختطاف والاخفاء عدة مرات وتعرضت أيضاً لمحاولة اغتيال واصبت بالرصاص في فخذي وتعرضت مقار ومكاتب الصحيفة للمداهمة وسرقة أجهزتها، ومؤخراً في العام 2018م بتوجيهات من اللواء فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت قائد المنطقة العسكرية الثانية وفي 3 ديسمبر 2018م بمدينة المكلا تعرضت للاعتقال وإيداعي سجن الاستخبارات العسكرية في زنزانة انفرادية لمدة شهر كامل ثم تم تحويلي إلى السجن المركزي لمدة شهر عبر النيابة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب لا قضايا النشر والتعبير بتهمة تمس أمن الدولة حسب زعمهم وقضيت شهرين في السجن تعسفاً وظلماً وعقاباً على ما نقوم به من نشر يختص بمحاربة الفساد والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير وحقوق وكرامة الإنسان”.
ويضيف بن مخاشن ” تم الإفراج عني بعد تعذيب نفسي وجسدي ومعنوي وبشكل قاسيٍ جداً بتاريخ 29يناير 2019 بعد إجبار أقاربي على تعهدات بمنعي من الكتابة وممارسة الصحافة وأجبرت بتاريخ 14فبراير 2019م وعائلتي للسفر الى جمهورية مصر لعلاج ابنتي الصغرى التي تعاني من مرض السكر وفوجئت بإصدار الاستخبارات العسكرية بناءً على توجيهات محافظ حضرموت مذكرة بمنعي من السفر، حينها بقيت في القاهرة مرغماً حتى لا أتعرض للاعتقال حال عودتي إلى حضرموت ومع ذلك فقد التزمت الصمت مجبراً وأنا في القاهرة خوفاً على أقاربي وعائلتي، وفي ديسمبر 2019 اضطررت بشكل طارئ للسفر وحدي إلى حضرموت بسبب مرض أحد أقاربي وبسبب احتياجي الشديد لبعض المال لمواصلة العيش أنا وعائلتي في القاهرة، وصلت حضرموت وبقيت هناك 10 أيام وعند عودتي في 26 ديسمبر عبر مطار سيئون تم منعي من السفر من قبل مندوب التحالف العربي بقيادة السعودية واحتجزت لمدة يومين وبعد ضغوط عدة وضمانات بأن أعود إلى اليمن مرة أخرى تمكنت من السفر إلى القاهرة في 28 ديسمبر 2019″.
حالياً؛ يتعرض الزميل بن مخاشن لسلسلة من التهديدات والوعيد من قبل السلطات في حضرموت، بل وصل الأمر ببدء محاكمة بن مخاشن بالمحكمة الجزائية في المكلا بناءً على طلب الاستخبارات العسكرية، بالإضافة لمخاطبة سلطات حضرموت وعبر التحالف العربي بقيادة السعودية لسفارة اليمن في القاهرة بطلب احتجاز بن مخاشن وإعادته إلى حضرموت، مشيراً إنه تلقى إخطاراً من السفارة اليمنية بالقاهرة يبلغوه فيها بأنه مطلوب للعودة إلى حضرموت للخضوع للمحاكمة بتهم تتعلق بالأمن القومي للدولة وأخرى عن محاولة اغتيال محافظ حضرموت وتكدير الأمن العام وقضايا أخرى جرى تلفيقها ضده لإجباره على وقف نشر قضايا الفساد في حضرموت.
ويقول بن مخاشن إنه يعيش هو وزوجته وأطفاله حالة رغب وقلق وخوف من اختطافه وإعادته إلى اليمن في أي لحظة، مؤكداً عدم شعورهم بالأمان والاستقرار النفسي إضافة لعدم الاستقرار المالي نظراً لعدم وجود أي مصدر دخل له حالياً.
بن مخاشن اختتم تصريحه برسالة أخيرة وجهها للصحفيين حول العالم “إنني وأسرتي وأطفالي بحاجة ماسة وبشكل عاجل لإنقاذنا من هذا الوضع الخطير جدا والمخيف والمقلق والمهدد لي في أي لحظة باختطافي من وسط اطفالي وإعادتي إلى اليمن أو إلى أي جهات أخرى غير معلومة، أعزائي لم يعد لدينا المال ولا الأمان ولا الاستقرار وأملي كبير جداً بعد الله فيكم في المساعدة والمساندة وتأمين لنا الخروج العاجل إلى بلد أكثر أماناً واستقراراً لي ولأطفالي”.
البحث عن “أي عمل”
في اليمن لم يعد البحث عن عمل في مجال تخصصك مهماً، المهم هو أن تجد مكاناً شاغراً للعمل في أي مهنة، وهذا هو حال المئات من العاملين بالمؤسسات الإعلامية والصحفية التي توقفت عن العمل وفقد هؤلاء وظائفهم وأعمالهم، إذ يقول الصحفي فارس بافاضل من حضرموت، إنه “لا يخفى على أحد أن الإعلاميين والصحفيين منذ 7 سنوات من الحرب لا يعملون في مجالهم الصحفي، فقد تركوا أعمالهم الصحفية واتجهوا للبحث عن أعمال أخرى لسد احتياجاتهم الأساسية”.
ويضيف “الصحفيون والإعلاميون البعض منهم إلى اليوم لا يستلمون رواتبهم الشهرية ولا يصلهم أي دعم من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الصحفيين الجنوبيين، أنا واحد منهم ما زلت أبحث عن عمل آخر غير مهنة الصحافة”.
بافاضل كغيره من الصحفيين يتمنى أن يجد من المنظمات الدولية المعنية من تأخذ بيده وتدعمه مادياً، معتبراً أن واجب هذه المنظمات “أن تنظر لحال الصحفيين الجنوبيين في اليمن وتعمل على توفير الدعم لهم سواءً الدعم المادي أو العيني إضافة لما عليها من واجبات من توفير الحماية اللازمة لهم لكي يتمكنوا من أداء عملهم الصحفي بشكل طبيعي”.
صورة تختصر مليون كلمة
صحفيو اليمن نموذج المأساة المغيّبة عن عيون العالم في “الحرب المنسية” وما ترتكبه بحق المجتمع الإعلامي
السابق 1 Of 4 التاليمحمد الجعماني، رئيس تحرير صحيفة “التفاصيل”
يتنقل في العمل بين جمع بقايا الأخشاب وبيعها حطباً أو العمل كعامل بناء بالأجر اليومي حين يجد فرصة لذلك
إيجار الشقة السكنية
ويبحث الصحفي عبده العبدلي، من الحديدة، عن تأمين إيجار شقته السكنية في العاصمة صنعاء، فبعد أن كان يعمل بصحيفة أهلية ويتقاضى راتباً جيداً ويكتب للعديد من الصحف ويستلم مقابل ذلك ما يعرف بالإنتاج الفكري، وإلى جانب راتبه الحكومي كونه موظف رسمي، وإلى جانب ما كان يتقاضاه لقاء الحلقات التي كان يعدها ويقدمها في قناة “معين” الفضائية، أصبح اليوم العبدلي يبحث عن تأمين إيجار شقته السكنية في صنعاء.
يقول العبدلي إن “العدوان على اليمن جاء وبعدها أغلقت قناة معين ثم تم نقل البنك المركزي إلى عدن وهو ما أدى لتوقف الرواتب فتوقف راتبي، وتفاقمت معاناتي وأصبحت غير قادر على دفع إيجار الشقة في صنعاء مكان وظيفتي”.
ويضيف “نحن نشعر أن الأمم المتحدة تخلت عن الصحفيين، ونعلم أنها تدعم عبر لجنة حماية الصحفيين التابعة لها الصحفيين المتواجدين خارج اليمن بينما لا تفعل ذلك مع الصحفيين في الداخل”، يقول العبدلي إن ذلك يعد “عملاً ممنهجاً يضع صحفيي الداخل في خانة تصنيف وفرز سياسي ممقوت، فمعظم الصحفيين والإعلاميين في الداخل ممن لا يتبعون أي طرف سياسي هم أكثر معاناة ومثل هكذا تمييز قذف بشريحة واسعة من الصحفيين والإعلاميين إلى قاع الفقر والعوز”، مطالباً بإنقاذ الصحفيين والإعلاميين المتواجدين في الداخل اليمني ودعمهم أسوة بمن هم في خارج الوطن.
تنظيم القاعدة والسلطة يطاردان ناقلي الحقيقة
محمد بوصالح الشرفي – صحفي من حضرموت، متزوج وله طفل لم يكمل عامه الأول، عمل صحفياً ومذيعاً ومعداً لبرامج إذاعية في المهرة والمكلا، وعمل أيضاً مراسلاً صحفياً، وبسبب الحرب توقف عن العمل بعد ملاحقة تنظيم القاعدة له في المكلا عقب سيطرة التنظيم على مدين6ة المكلا بحضرموت في الفترة بين عامي 2015 و2016.
يقول محمد إنه تم تكفيره من قبل التنظيم إضافة لمحاولة اعتقاله، ومع عودة السلطات الحكومية والعسكرية المدعومة من التحالف للسيطرة على حضرموت، تعرض الشرفي للمضايقات والتهديد بالتصفية الجسدية والاعتقال بسبب نشاطه الصحفي، وفي نهاية المطاف صدر قرار باعتقاله بتهم ملفقة من السلطة الحاكمة هناك ابرزها تهمة تكدير الأمن والسلم العام ما اضطره للهروب من اليمن، حيث يقيم الآن في المملكة الأردنية ويبحث عن عمل ولم يجد حتى الآن.
وكغيره من بقية الصحفيين والإعلاميين المتضررين من الحرب، يتمنى الشرفي من الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالصحفيين تقديم الدعم له ولزملائه وتأمين سبل العيش والعمل لهم، خاصة وأنها كما يقول “لم تقدم لنا شيئاً حينما كان الخطر يحدق بنا في اليمن”.
يضيف محمد “حاليا وبسبب بعض كتاباتي عن الفساد والارهاب في اليمن وحضرموت تحديدا تتعرض أسرتي وإخواني للتهديد من قبل سلطات حضرموت بقيادة محافظ حضرموت فرج البحسني وهنا نجدد دعوتنا للأمم المتحدة منحنا ولو القليل من حقنا في الحرية والعيش بكرامة وتوفير حماية لنا ولذوينا أسوة بمن تم دعمهم من الصحفيين والناشطين اليمنيين الذين سارعوا للخروج من اليمن مع بداية الحرب وصحفيين وإعلاميين آخرين في كل من العراق وليبيا وسوريا تعرضوا لنفس المخاطر والظروف التي تعرضنا لها”.