هل تنجح الإمارات في استبدال قناة السويس؟
أسامة عبدالرحمن جميل – وما يسطرون – المساء برس|
بعد بروز الطموحات السعودية الجديدة المتمثلة بالتحول الاقتصادي نحو اقتصاد ما بعد النفط وخطط جديدة، متمثلة بالمدن الصناعية والاقتصادية والمدن الحرة على خطوط الملاحة، بدأت أسوأ مخاوف الإمارات بالتحقق منذ أن أعلنها البريطانيين دولة بديلة عن مستعمرة عدن.
فالإمارات التي بنت اقتصادها كمركز مالي ومنطقة حرة صناعية ومركز شحن مركزي في خطوط الملاحة العالمية، تجد هذه الخطوات السعودية مهدد وجودي لمركزها الاقتصادي وموقعها الجيوسياسي.
كانت اليمن بسبب موقعها الجغرافي المثالي في خطوط الملاحة الدولية هي مركز التهديد الدائم لمدينة دبي، فاليمن تمتلك مجموعة كبيرة من الموانئ والجزر الاستراتيجية والتي تقع ضمن خطوط الملاحة العالمية، بالإضافة إلى كونها البوابة الرئيسية لشبه الجزيرة العربية، ولكن كان من السهل دائما تعطيل كل تلك المقدرات عن طريق السيطرة على الحكومات الضعيفة المتوالية في البلد سواء في عهود التشطير، حيث خضع الجنوب للنفوذ السوفييتي الثقيل والمتصارع مع نفوذ صيني ضمن المحور الاشتراكي وفي مواجهة المحور الرأسمالي، حول ذلك الصراع المنطقة الى قواعد عسكرية متقدمة في المياه الدافئة مما جعل الاستغلال الاقتصادي لتلك الميزات الجغرافية والاقتصادية امر في غاية الصعوبة!
بينما تعاقبت الحكومات الضعيفة في الشمال أيضا والتي لم تستغل سواحلها الغربية كبديل جيد آخر واستمرت تلك المنطقة الممتدة من باب المندب الى ميدي كمناطق معطلة منخفضة السكان ذات قدرات شبه منعدمة في الجذب الاستثماري مع قوات بحرية ضعيفة جدًا غير قادرة على تأمين خطوط الملاحة البحرية في مياهها الإقليمية.
تولت الامارات البعيدة دور البوابة التجارية لشبه الجزيرة العربية وفي ظل ثروات هائلة من النفط وطفرة في أسعاره، كانت المركز الذي يبيع كل شيء للمنطقة ويحصد ثروات هائلة من أعمال الوساطة بين هذه المنطقة فاحشة الثراء والعالم، واستمر تعطيل الموانئ والجزر اليمنية بشكل مستمر كحل لا غنى عنه لإبقاء نفسها في هذا الوضع المربح.
ثم جاءت الحرب المستمرة على اليمن تحت عناوين كثيرة ومتناقضة، بالتزامن مع إعلان طموحات سعودية جديدة للتحول الاقتصادي من اقتصاد يعتمد على النفط ومشتقاته إلى اقتصاد صناعي وخدمي، لم يكن بالإمكان بناء مدن اقتصادية وصناعية على خطوط الملاحة العالمية قبل تعطيل تلك المناطق التي تمر منها كل السفن القادمة من الشرق، ولكن ثقل موانئ دبي التي راكمته عبر العقود استمر كمشكلة أخرى يصعب تجاوزها دون الإضرار الكبير بمركز دبي الملاحي اما عن طريق الحرب المباشرة او الاقتصادية!
وبينما انشغل المتنافسين بحربهم العدوانية في اليمن، وصلت الأمور لمرحلة أقرب للمواجهة المباشرة، بدأت السعودية بإشعار الشركات والبنوك العالمية لنقل مراكزها الإقليمية للسعودية بدلا عن الامارات والا ستفقد قدرتها على الوصول لأكبر سوق في المنطقة، ثم وسعت موانئها على ضفت البحر الأحمر بينما استمرت الدولتين بتحويل مسار أي مواجهة مباشرة بينهما إلى مواجهة في الحرب المشتعلة في الداخل اليمني.
تقاربت السعودية مع سلطنة عمان وعرضت الأخيرة مد أنابيب النفط عبر أراضيها للبحر العربي للهروب من أي حرب أو إغلاق محتمل في مضيق هرمز كبديل لمشروع كانت السعودية تطمح لتنفيذه في محافظة المهرة البعيدة عن مناطق المعارك المشتعلة في اليمن، بينما تقاربت مع الدول الخليجية الأخرى كثيرا على حساب الامارات.
تعلم الامارات أن الجزء الأكبر من اقتصادها يأتي من خلال لعب دور الوساطة التجارية بين العالم ودول الخليج الأخرى وأن أي قرار لتحويل المركز المالي والتجاري الرئيسي إلى السعودية يعني ضربة قاضية لها في المدى المتوسط والبعيد على الأقل.
قررت الامارات فجأة أن تذهب إلى سوريا ثم تركيا ثم إيران وقبلهم الصين لعقد اتفاقيات استراتيجية للشراكة وتمويل طريق جديد يصنع حل بديل للتجارة البحرية التاريخية عن طريق خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق السويس من خلال اقتراح طريق بحري يمر عبر دبي ثم عبر بحر الخليج لينتقل بريًا عبر إيران وتركيا وينتهي في موانئ سوريا في البحر المتوسط، مستغلة الفوضى الكبيرة التي خلفتها في اليمن والحادث الأخير في قناة السويس للترويج لطريقها البديل “الآمن” والسريع والأقل كلفة.
بعد الصدام الطويل في المنطقة وخصوصًا مع إيران وتركيا وسوريا تتحول الامارات فجأة للتصالح السريع وعرض صناديق استثمارية بمليارات الدولارات في هذه الدول لتمويل الطريق التجاري الجديد.
لتتحول سريعًا الى مواجهة جديدة مع محور مصر السودان و السعودية التي تحالفت معه ولا زالت، على الأقل، حتى الآن في الحرب العبثية ضد اليمن.
وكما هو الحال في حرب اليمن لا يمكن ان ينتج هذا التخبط إلا إلى مزيد من الفشل والصراع على المستوى الاستراتيجي، لأن اعتماد سياسة تدمير اليمن كطريقة لبناء استراتيجيات اقتصادية بديلة لن يغير من حقيقة أن هذا البلد حتى لو لم يستقر قريبًا ويتمكن من الاستغلال الأمثل لموقعه وموارده سيكون معيق دائم لهذه الاستراتيجيات المتخبطة.
فلا يمكن استمرار السيطرة على السواحل والمياه الإقليمية الى ما لانهاية، ولا يمكن أيضًا تحريك موقع البلد شبر من موقعه المهيمن.
ومالم تغير هذه الدول سياساتها وسلوكها في المنطقة إلى السلام والتعاون والمصالح المشتركة ستكون عواقب كل هذه العدوانية كارثية، ولا يمكن الهروب منها من خلال الطرق الجديدة او الحلفاء الجدد.