السياسة الأمريكية المطبقة في اليمن في هذه المرحلة
المساء برس – يحيى محمد الشرفي|
استطاع مهندس السياسة الخارجية الأمريكية وكبير الدبلوماسيين الأمريكان هنري كيسنجر أن يغير عقيدة الجيش الأمريكي الخارجية، ففي الوقت الذي ذهبت فيه بعض الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية إلى وضع عقيدة لجيوشها تقوم على عدم التدخل عسكرياً في شؤون الدول الأخرى وعدم شن أي حروب عسكرية على أي دولة، ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى العمل بعقيدة جديدة، ولا تزال هذه العقيدة تؤثر علينا نحن في المنطقة العربية بشكل كبير حتى اليوم.
تقوم العقيدة العسكرية الأمريكية خارجياً على تغذية الصراعات الخفيفة المحدودة المتحكم بها وبخيوطها، بمعنى تغذية النزاعات العسكرية الخفيفة والمحدودة بين الدول على أن تكون هذه النزاعات محكومة استراتيجياً.
يقول مهندس الاستراتيجية الأمريكية الخارجية كيسنجر أن مهمة الدبلوماسي الأمريكي فيما يخص النزاعات والصراعات الخارجية، ليس حل الأزمة بقدر ما هي الإمساك بخيوطها وإدارتها، وأنه كلما طالت الأزمة كلما كان أمام الولايات المتحدة الأمريكية فرصة كبيرة لتطويع هذه الأزمة أياً كانت وأينما كانت وكيفما كانت.
ومنذ ذلك الحين تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية هذه المنهجية في سياستها الخارجية في الأزمات حول العالم التي عادة ما تكون أمريكا مشتركة فيها بشكل مباشر او غير مباشر، وأكثر منطقة استخدمت فيها أمريكا هذه الاستراتيجية هي منطقتنا العربية.
بالنسبة لليمن وخاصة في هذه المرحلة – مرحلة الحرب على اليمن منذ 2015 وحتى الآن – تعمل الولايات المتحدة بناءً على هذه الاستراتيجية وقد استطاعت تطويع هذه الحرب رغم مشاركتها فيها لصالحها وللاستفادة منها قدر المستطاع، أقلها ما حققته واشنطن من أرباح جراء مبيعات الأسلحة التي تمت منذ بداية الحرب وحتى الآن إلى جانب ما أنفقته الرياض من مليارات الدولارات على العسكريين الأمريكان الذين شاركوا في إدارة وقيادة الحرب على اليمن من داخل غرف العمليات العسكرية داخل السعودية سواءً تلك التي في مركز القيادة في الرياض أو تلك التي تنتشر على المعسكرات أو القواعد العسكرية جنوب السعودية.
وتركز الولايات المتحدة في التعاطي مع الصراعات والأزمات الخارجية خاصة في منطقتنا العربية ومنها اليمن، على أن تبقي هذه النزاعات والصراعات قائمة أطول فترة ممكنة مع التحكم فيه بالقدر الذي لا يسمح لهذا الصراع أن يتم حله أو إنهاؤه وبالقدر الذي لا يسمح أيضاً بأن يتحول هذا الصراع إلى حرب كبيرة تهدد الوجود الأمريكي في المنطقة أو المصالح الأمريكية في المنطقة.
هدف أمريكا من اتخاذ هذه الاستراتيجية بات واضحاً وجلياً، فواشنطن تعمل بمبدأ “ليس علينا حل أو إنهاء هذه النزاعات بل التحكم بخيوطها لكي تعطينا شرعية التدخل وآلية هذا التدخل”، والشواهد والأمثلة حاضرة وكثيرة جداً بهذا الشأن بدءاً من استغلال القضية الفلسطينية واحتلال إسرائيل لفلسطين، مروراً بحرب اكتوبر وحرب الخليج الأولى والثانية وحرب اليمن في صيف 94م وأحداث 2011 في عدد من الدول العربية بينها اليمن، وصولاً إلى الحرب التي تُشن على اليمن بإشراف أمريكي مع وجود تنفيذ محدود على الأرض، وبتنفيذ مباشر وكبير وقيادة وتمويل سعودي.
وعندما لا تستطيع أمريكا أن تتحكم بأي طرف من أطراف أي نزاع في منطقتنا العربية فإنها تتجه لاستخدام أوراق القوة والتحكم والسيطرة وهذه الأوراق استخدمتها أمريكا في اليمن ضد صنعاء وحركة أنصار الله وحلفائهم حتى وصل الأمر لأن يتم استخدام هذه الأوراق ضد الشعب اليمني بأكمله في الشمال والجنوب، هذه الأوراق أبرزها: الأمم المتحدة، والحصار الاقتصادي، فالأمم المتحدة وظيفتها برئاسة مجلس الأمن الذي هو في الأساس خاضع لهيمنة واشنطن والكتلة الغربية عموماً أن تقوم بإصدار القرارات “الأممية” ضد أي طرف متمرد على الرغبات الأمريكية، كما حصل معنا في اليمن، وعندما لا يجدي استخدام الأمم المتحدة نفعاً تلجأ واشنطن لاستخدام الأوراق الاقتصادية كالحصار الذي كان السفير الأمريكي لدى اليمن في 2016 أول من هدد به وباستخدامه كورقة حرب ضد طرف صنعاء في مفاوضات الكويت.
الحل: الحل للتخلص من الهيمنة الأمريكية المتحكمة بشعوب الأمة العربية ومن بينها اليمن، هو تحقيق الأمن الغذائي عبر العمل في الزراعة والصناعة وبالقدر المتاح والممكن حتى نصل لمرحلة تصبح فيها ورقة الحرب الاقتصادية غير مجدية بالنسبة لواشنطن، كما هو الحال بالقدرة العسكرية التي جعلت من اليمن قوة عسكرية هائلة تمكنت من الصمود بوجه الآلة العسكرية الأمريكية والبريطانية التي تستخدمها السعودية في حربها ضد اليمن طوال هذه السنوات ووصلت معها في نهاية المطاف إلى الفشل والهزيمة وعدم القدرة على تحقيق الأهداف المعلنة منذ بداية الحرب، ومثلما استطاع اليمنيون إلغاء فعالية الورقة العسكرية ضد اليمن، سيستطيعون أيضاً إلغاء فعالية ورقة الحرب الاقتصادية، وفي نهاية المطاف ستستسلم واشنطن للأمر الواقع في اليمن وسترى عمّا قريب أنه لا جدوى من إقحام نفسها في الحرب وسترى أن ما أنفقته أو ما خسرته مالياً بسبب إشرافها أو مشاركتها في هذه الحرب أصبح ثمناً كبيراً ومكلفاً وبالتالي فإن الانسحاب هو الحل الأمثل، تماماً كما حدث في أفغانستان التي لم تحقق فيها واشنطن أهدافها التي أعلنتها سابقاً ودفعت فيها واشنطن ثمناً باهضاً بشرياً ومالياً وعسكرياً بدون فائدة فلا هي ضمنت وقف التصاعد العسكري الإيراني ولا هي احتفظت بجنودها وأموالها التي تبددت في أفغانستان طوال الـ20 عاماً الماضية.