ناشيونال إنترست: لا حل أمام الرياض سوى فهم خصومها الحوثيين والتمسك بمأرب خطأ استراتيجي وكارثي
ترجمة خاصة – المساء برس|
نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية تقريراً عن الوضع المتأزم للسعودية الغارقة في حرب ومستنقع يمني للعام السابع على التوالي وسط استمرار توالي الهزائم والخسائر مقابل تعاظم قوة خصومها الحوثيين الذين دخلت الرياض الحرب للقضاء عليهم قبل ست سنوات.
وأورد التقرير الذي كتبه نيك دانيي وهو ضابط مخابرات في البحرية الأمريكية، إن قوات الحوثيين تحدت عظمة الملك السعودي وأجبرت مملكته على التسول من أجل البحث عن مخرج من المستنقع، حسب وصفه.
واعتبر التقرير الصادر عن المجلة الأمريكية التي تعكس بدرجة كبيرة أراء ومواقف واتجاهات المحافظين الجدد بالإدارة الأمريكية أن ولي العهد السعودي اليوم أمام الشريان الوحيد لحياته ورغم ذلك هو الشريان الأكثر كرهاً من قبله لكون هذا الشريان هم الحوثيون أنفسهم الذين سعى لتدميرهم منذ ست سنوات وحتى الآن، ورغم ذلك – يقول الضابط الأمريكي – ورغم ما جندته السعودية من تحالف من دول الخليج ودعم عسكري من كل من واشنطن ولندن وباريس لشن حملة قصف ضخمة لطرد الحوثيين من صنعاء وإعادة الحكومة المتحالفة معها برئاسة عبدربه منصور هادي، إلا أن الحرب دخلت منذ أشهر عامها السابع ولم تنجح السعودية بتحقيق أهدافها المعلنة، فالسعودية أبلغت إدارة أوباما أن حملة القصف التي تم تسميتها بـ”عاصفة” ستستمر فقط “ستة أسابيع”، ويضيف الكاتب “وبعد ست سنوات يتبين أنه لم تكن العملية في الوقت المناسب ولم تكن حاسمة ولا تزال الحكومة المتحالفة مع الرياض ضعيفة وغير منظمة ولا يزال رئيسها هادي منفياً في الرياض ولا يزال الحوثيون هم المنتصرين والأقوياء رغم الغارات الجوية السعودية التي أمطرت المدنيين اليمنيين والتي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 230 ألف شخص وتشريد 4 ملايين آخرين”.
وأضاف التقرير “ومع دخول الصراع عامه السابع، تبحث الرياض عن طريقة للتفاوض بشأن السلام مع الحوثيين، وفي أحدث خطوة نحو السلام، عرضت المملكة السعودية إعادة فتح مطار صنعاء إذا وافق الحوثيون على وقف إطلاق النار على مستوى البلاد. رفض الحوثيون الفكرة، فالاقتراح لم يقدم أي جديد مقارنة بالاقتراح الذي اقترحته الرياض قبل عام، وقال كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبد السلام (توقعنا أن تعلن السعودية إنهاء حصار الموانئ والمطارات ومبادرة للسماح بدخول 14 سفينة في حوزة التحالف)، حتى ترفع الرياض الحصار، سيواصل الحوثيون القتال”.
من المحتمل أن يكون السعوديون قد قدموا العرض لإرضاء النقاد الدوليين والضغط على الحوثيين للتفاوض. فشلت الحيلة لأن الحوثيين على وشك الاستيلاء على مأرب، وهي مدينة يمنية استراتيجية تعمل كمركز هيدروكربوني في البلاد وساحة القتال الأكثر دموية في الصراع. ليس لديهم حاجة للتحدث عن السلام حتى يقاتلوا بأقصى ما في وسعهم من أجل مأرب. كما يريد الحوثيون جعل الحرب أكثر تكلفة للسعوديين من خلال مهاجمة منشآت أرامكو النفطية بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية. إن إحداث مثل هذا الضرر قد يجبر السعوديين على مغادرة اليمن بسرعة وبهدوء دون مؤتمر سلام ودون أن يضطر الحوثيون إلى تقديم أي تنازلات.
أمام هذه الاستراتيجية للقيادة السياسية والعسكرية في صنعاء، يرى التقرير إن من أكثر الأمور السيئة التي قد تقدم عليها السعودية هو تمكين خصومها مما يريدونه، وقال الكاتب: “أسوأ شيء يمكن أن تفعله الرياض للخروج من الصراع هو التركيز فقط على منع انتصار الحوثيين في مأرب، أي إنها معركة لا يمكن للسعوديين الفوز بها، فالحوثيون مصممون على الاستيلاء على المدينة لأن ذلك سيسمح لهم بالسيطرة على شمال ووسط اليمن، يشير سجلهم العسكري إلى أنهم سينجزون مثل هذا العمل الفذ، كما أن لدى الحوثيين وقت غير محدود للسيطرة على مأرب، على عكس السعوديين، الذين يواجهون ضغوطًا من مواطنيهم والتحالف والمجتمع الدولي لإنهاء الحرب، بينما الحوثيون يمكنهم اللعب لكسب الوقت والفوز بشكل افتراضي”.
ويعقب الكاتب على ذلك بالقول إنه السعودية إذا ركزت فقط على هزيمة الحوثيين في مأرب فإنها إما ستخسر المدينة أو تخوض حالة من الجمود لفترة طويلة بحيث تعترف قيادتها بأنها تفتقر إلى طريق للنصر أو مصلحة استراتيجية في استمرار الحرب، إذا ركزت المملكة العربية السعودية فقط على هزيمة الحوثيين في مأرب ، فإنها إما ستخسر المدينة أو تخوض حالة من الجمود لفترة طويلة بحيث تعترف قيادتها بأنها تفتقر إلى طريق للنصر أو تفتقر لمصلحة استراتيجية في استمرار الحرب، وفي كلتا الحالتين، سيكون للحوثيين اليد العليا، ومن المتوقع أن يرفضون التفاوض حينها، ولن يكون أمام الرياض عندئذٍ خيار سوى الانسحاب، وترك اليمن في حالة يرثى لها وتحت حكم الحوثيين”.
ما على الرياض فعله لدفع صنعاء نحو طاولة المفاوضات
تحت هذا العنوان يسرد التقرير الأمريكي طريقين أمام الرياض لدفع صنعاء نحو الحوار، الطريق الأول هو “بما أن الحوثيين سيجلسون للتفاوض بعد السيطرة على مأرب وبما أن هذا الهدف بالنسبة لهم هو هدف طويل الأمد فهم عازمون على استعادة مأرب وإخراج القوات السعودية والتحالف، فإن السعودية بإمكانها تمكين الحوثيين من هدفهم وجعلهم أمام واقع جديد لا يستطيعون أمامه سوى الذهاب للتفاوض وهو انسحاب الرياض من مأرب وتوزيع قواتها وحلفائها وسلاحها على مناطق أخرى في اليمن بحيث تبقى مأرب مفتوحة أمام سيطرة الحوثيين، وهذا سيجنب الرياض معركة الاستنزاف والخسائر التي يريدها الحوثيون للسعودية كما سيعجل من دفع الحوثيين للجلوس على طاولة المفاوضات مع الرياض لبحث وقف الحرب وكف الهجمات على السعودية خاصة الهجمات المكلفة التي تستهدف عصب الاقتصاد السعودي أرامكو”
الطريقة الأخرى المتاحة أمام السعودية للخروج مما هي فيه من مستنقع باليمن، هو قيام السعودية بإغراء خصومها الحوثيين بالسعي وراء السلام عبر تقديم حوافز خارج السياق العسكري والمعارك على الأرض، وهنا يسرد التقرير “يمكن للسعوديين أن يقللوا من “قدرتهم الاستراتيجية وهي القدرة على إطالة أمد الصراع أو التحكم بمدى التصعيد أو التهدئة”، تجاه الحوثيين من خلال خلق بيئة تُظهر فيها الرياض بأنها وتحالفها لم يعودوا يشكلون تهديداً خطيراً لأهداف الحوثيين السياسية”، أي تقديم تطمينات ملموسة لصنعاء تجعل من الأخيرة إلغاء اعتبار وفكرة أن السعودية والتحالف يسعون إلى إضعاف أو تدمير الحوثيين.
ولتنفيذ هذا المقترح يقول التقرير الأمريكي إنه ولإقناع الحوثيين بعدم رغبة السعوديين في مواصلة الحرب، يجب على واشنطن أن تحدد علناً وليس بالإعلان فقط، عن خطتها لوقف الدعم العسكري الهجومي للسعودية ضد اليمن، ويمكن لواشنطن أو الرياض، عبر قنوات سرية، أن تنقل لصنعاء وقيادة الحوثيين إمكانية الاعتراف بمركزهم المهيمن في اليمن وإضفاء الطابع الرسمي على اتفاق تقاسم السلطة السياسية خلال المفاوضات، ويختتم التقرير المعنون بـ”السعوديون يبحثون عن استراتيجية خروج غير معروفة من اليمن” بالقول إن خلاصة ما قدمه التقرير هو ما يجب على الرياض فعله وهو فهم خصومها الحوثيين وإدراك ما يريدون وتسهيل تحقيقه للهروب من المستنقع اليمني.