تلافياً لمأرب.. الرياض والمجتمع الدولي في مهمة “تحسين صورة أدوات التحالف” في عدن “تقرير”
المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
دفعت السمعة السيئة لسلطة ما تسمى “الشرعية” المنفية خارج اليمن، طوال فترة الحرب منذ مارس 2015 إلى استشعار السعودية والدول الغربية الكبرى الخطر الذي يتهدد مستقبل هذه السلطة التي ترى فيها الرياض والدول الغربية أن بقاءها أو حتى جزء منها هو ضمان لبقاء مصالحها غير المشروعة في اليمن خاصة المصالح الجيوسياسية.
ومع احتدام المعارك يوماً بعد آخر على أبواب مدينة مأرب الغنية بالنفط والغاز مع استمرار الضغط العسكري الكبير الذي تنفذه قوات صنعاء ضد قوات التحالف السعودي، أصبح من الضروري للتحالف وتحديداً الرياض البحث عن تخريجة مناسبة لتحقيق إنهاء جزئي للحرب في اليمن على أمل أن يدفع ذلك الإنهاء وقف الضغط العسكري على مأرب، ويبدو أن الرياض ترى في أن الدفع نحو حل سياسي لا ينهي الحرب نهائياً ويرفع الحصار على اليمن بشكل كلي بل يسمح بوقف المعارك على الأرض خاصة في مأرب هو الطريق الأنسب لتلافي سقوط المحافظة الغنية بالنفط والغاز مع الاحتفاظ بذريعة التدخل العسكري في اليمن، ولأن الرياض ومعها الدول الغربية تدرك أن موقف الطرف اليمني الموالي للتحالف ضعيف أكان على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري أو حتى على المستوى الخدمي في مناطق سيطرة التحالف بسبب فشل السلطات والحكومات المتعاقبة داخل “الشرعية” في تقديم نموذج إداري منافس للنموذج الذي قدمته صنعاء رغم فارق الإمكانات والظروف، فإن موقف هذه السلطة في المفاوضات سيكون ضعيفاً جداً فهي لا تحظى بشعبية في الداخل كما أنها مشتتة ومقسمة في ولاء تياراتها ومكوناتها وشخوصها بين أكثر من طرف إقليمي ودولي.
وحتى تتمكن الرياض ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية من الإبقاء على بعض الأدوات في الداخل اليمني كجزء من مستقبل الحل السياسي في اليمن، فإنه يتوجب على هذه الأدوات أن تفرض وجودها وحضورها وإن شكلياً أو إعلامياً على أرض الواقع في المناطق المسماة “محررة” جنوب البلاد، وهذا ما تكشفه التحركات الأخيرة للرياض والأمم المتحدة في عدن الخاضعة لسيطرة الانتقالي والتي تهدف لتحقيق استقرار نسبي في عدن سياسياً على الأقل، تستطيع من خلاله الدفاع عن أدواتها في “الشرعية” بصفتها السلطة المعترف بها دولياً وتستخدمها لاحقاً كأدوات نافذة وحليف مشارك في سلطة ما بعد الحرب تضمن عبرها الإبقاء على مصالحها ونفوذها في اليمن.
ومع الوضع الحالي الذي تعيشه سلطة هادي المنفية وعودتها من جديد إلى منفاها الدائم بالرياض، بعد طردها آخر مرة في 17 مارس الماضي من قبل المتظاهرين من أبناء عدن ومعهم عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، من قصر معاشيق، فإن الضرورة تستدعي إعادة هذه الحكومة إلى عدن من جديد حتى وإن لم يقبل الانتقالي بذلك، ولهذا سارعت الرياض إلى فرض صلح إجباري بين الانتقالي وهادي في عدن مؤخراً وفق ما تفيد به مصادر مطلعة رفيعة في حكومة المناصفة والمجلس الانتقالي تحدثت في وقت سابق لـ”المساء برس”، وحسب المصادر فإن الرياض استطاعت إجبار الانتقالي على التراجع عن تهديداته التي ساقها رئيسه عيدروس الزبيدي الذي أعادته أبوظبي إلى عدن قبيل حلول الذكرى الرابعة لإشهار الانتقالي والذي لوّح بإعلان فك الارتباط واتخاذ خطوات تصعيدية ضد هادي، حيث قادت التوجيهات السعودية للزبيدي إلى الدفع بالانتقالي عن التراجع والرضوخ لهادي وحكومته.
وحسب المصادر فإن التوجيهات السعودية للانتقالي وإجباره للقبول بمصالحة – وإن مؤقتة – مع هادي وحكومته أتت على وقع تصاعد مخاوف الرياض من سقوط مدينة مأرب بيد قوات صنعاء، حيث سارعت الرياض لقطع الطريق على الانتقالي الذي كان قد بدأ بالفعل التأثير عسكرياً في مأرب من خلال استجابة عدد من المقاتلين الجنوبيين لدعوته لهم بترك جبهات القتال في مأرب والجوف والساحل الغربي والعودة إلى المحافظات الجنوبية، ولاقت الدعوة استياءً سعودياً كبيراً، وسط أنباء تتحدث عن وقوفها خلف عملية اغتيال أحد عناصر قوات العمالقة الجنوبية بعد عودته من الساحل الغربي، حيث اغتال مسلحون مجهولون أمس الأول السبت، الجندي بألوية العمالقة محمد ربيع بعد عودته من الساحل الغربي في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج وجرى اغتياله بالقرب من منزله عبر إطلاق مسلحين كانا يستقلان دراجة نارية، النار عليه ثم لاذا بالفرار، وكانت عملية الاغتيال رسالة دموية يرى مراقبون إن السعودية قصدت توجيهها للانتقالي بسبب دعوته للمقاتلين الجنوبيين في الجبهات الشمالية بالعودة وترك القتال.
مؤشرات الترتيب السعودي الأمريكي لتحسين صورة “الشرعية” قبيل المفاوضات
برزت مؤخراً وعلى وقع التحركات السعودية لتهدئة الانقسام والصراع بين الانتقالي وهادي في الجنوب، عدة مؤشرات تقود جميعها إلى وجود رغبة في تحسين صورة “الشرعية” على الأقل أمام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي من خلال إعادة الحكومة المنفية إلى عدن وتحقيق ولو القليل من الاستقرار النسبي، وحتى يتم تخريج المسرحية التي يجري الترتيب لها بصورة يشهد لها المجتمع الدولي، جرى الدفع بالأمم المتحدة للانخراط في هذه المسرحية كما سيتبين تالياً.
أولاً: أعلنت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي خلال اجتماعها أمس الأول السبت قبولها بعودة حكومة المناصفة إلى عدن، بعد أن كان المجلس يرفض قطعاً عودتها في ظل استمرار الوضع على حاله وعدم تنفيذ بقية بنود اتفاق الرياض، غير أن ذلك الرفض لم يكن معلناً رسمياً بل كان الانتقالي يتظاهر بأنه متمسك بمطلب عودة الحكومة إلى عدن رغم أنه كان شريكاً رئيسياً في طردها من قصر معاشيق في 17 مارس الماضي.
ثانياً: تصريح مدير مكتب الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، عبدالله العليمي، خلال لقاء مع مركز صنعاء للدراسات أمس الأول السبت أيضاً بأنه يتوقع عودة الحكومة إلى عدن بعد عيد الفطر المبارك.
ثالثاً: مشاركة الأمم المتحدة في طبخة تحسين صورة “الشرعية” تمهيداً لتحسين وضعها التفاوضي ومنحها “شرعية” شعبية، وهذا ما يتضح من خلال تقديم الأمم المتحدة عدداً من السيارات المدرعة التابعة لها والتي وصلت أمس الأول السبت إلى ميناء عدن، في مؤشر على فرض تواجد ميداني لمكاتب الأمم المتحدة في عدن للإيحاء للخارج بوجود استقرار نسبي ونشاط أممي في المدينة بالتزامن مع وجود فعلي للحكومة المعترف بها على أرض الواقع، علماً أن الخطوة الأممية تأتي بتوجيه مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعاً: تقديم بعض الخدمات الأساسية وإعادة تفعيلها في عدن كالكهرباء، حيث استقبلت المدينة شحنة جديدة من المشتقات النفطية الخاصة بوقود محطات توليد الكهرباء، ما يوحي بتمكين التحالف لحكومة هادي من بعض الإمكانات لتسهيل عملها وتجنب اصطدامها بالشارع الجنوبي من جديد بسبب فشل وانهيار الخدمات.
خامساً: ضخ تريليون ريال يمني من العملة المحلية بالطبعة الجديدة الخاصة بحكومة هادي والتي تمت طباعتها بدون غطاء نقدي يحافظ على استقرار العملة المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، ورغم أن هذه الكمية من الأوراق النقدية الجديدة ستعمل على ضرب القيمة الشرائية للريال اليمني في مناطق سيطرة التحالف وسترفع من سعر الصرف وتهبط أكثر بالريال اليمني مقابل الدولار، إلا أن هذه الخطوة وفي هذا التوقيت تحديداً تشير إلى أن من ضمن الإجراءات والمهام التي ستعمل عليها حكومة هادي لتحسين صورتها صرف الرواتب المنقطعة عن الموظفين خاصة في قطاعي الأمن والجيش وأيضاً صرف رواتب قوات الحزام الأمني التابعين للانتقالي في عدن والمتوقفة منذ عودة التوتر بين الانتقالي وهادي.
وفي المجمل فإن كل تلك الإجراءات هدفها خلق صورة جديدة للشرعية تسمح بتحسين وضعها التفاوضي من جهة، وتسمح للسعودية بالإبقاء على تمسكها بخيار الحرب في حال استمرت صنعاء بالتمسك بموقفها الرافض لأي حلول جزئية لوقف الحرب لا تشمل الوقف الشامل ورفع الحصار كلياً وفصل الملف الإنساني عن الملفين السياسي والعسكري.