لهذه الأهداف.. كريس ميرفي في مسقط؟
علي ظافر – وما يسطرون – المساء برس|
السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، أحد أبرز المشرعين الأميركيين في مجلس الشيوخ، فمن هو ميرفي؟ وما علاقته بملف الحرب على اليمن؟
لا تحمل مباحثات مسقط في جولتها الثالثة جديداً يشجّع على التقدم، إذ إنَّ الأمور ما تزال عالقة عند الملف الإنساني. في زيارة هي الثالثة إلى العاصمة العمانية مسقط، وبالتزامن مع وصول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليتندر كينغ، بمقارباته الجامدة للحل، ومن دون أي جديد يذكر، وخصوصاً في الملف الإنساني.
الجديد هذه المرة أنه جاء مصطحباً معه السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، أحد أبرز المشرعين الأميركيين في مجلس الشيوخ، فمن هو ميرفي؟ وما علاقته بملف الحرب على اليمن؟ ولماذا اختارته إدارة بايدن دون غيره؟
من المعروف أنَّ السّيناتور ميرفي من منتقدي علاقة واشنطن بالرياض وسجلّ الأخيرة في حقوق الإنسان، ولا سيما ما يتعلَّق بدورها في حرب اليمن، وأنه أيَّد محاولات عدة خلال فترة ترامب لمنع بيع أسلحة للمملكة من دون موافقة الكونغرس، وظل موقفه على حاله حتى صعود إدارة بايدن؛ ففي أواخر كانون الثاني/ يناير 2021، وبينما كان يستعرض صور حافلة جريمة التحالف بحق أطفال ضحيان – صعدة، أكد أن “السعودية تقتل أطفال اليمن بقنابل أميركية”، وأن “اليمنيين محقّون عندما يحمّلون الولايات المتحدة مسؤولية القتل، لأن القنابل أميركية”، وحمّل بلاده أيضاً مسؤولية حرب وصفها بـ”الكابوس على الأمن القومي الأميركي”. وبغضّ النظر عن دوافع الرجل، فقد بدا لليمنيين أنَّ الإنسانية ما تزال بخير في أميركا المشهورة بجرائمها الوحشية حول العالم، فيما شكّك البعض بمقاصده ودوافعه.
موقف ميرفي من حرب اليمن وانتقاد دور السعودية وواشنطن يأتيان بحكم موقعه داخل مجلس الشيوخ، إذ إنه رئيس لجنة الشؤون الأوروبية المتفرعة من لجنة العلاقات الخارجية. وهنا، تطرح أسئلة مشروعة، أبرزها: لماذا وقع اختيار بايدن على ميرفي تحديداً، وليس على رئيسة لجنة شؤون الشرق الأدنى جين شاهين مثلاً؟
في تقديرنا، إنَّ اختيار ميرفي، بقدر ما هو مؤشر إيجابي أو يوحي بالإيجابية بحكم مواقفه، فإنه في المقابل لا يدلّ على حسن نية إدارة بايدن، فالاختيار ليس عفوياً، بل هو مخطّط له، ويصبّ في هدفين؛ الأوّل استمالة صنعاء، بحكم مواقف الرجل المعلنة والرافضة للحرب على اليمن، وتحميل سلطة بلاده المسؤولية، وتعاطفه مع الجريمة المروعة بحق أطفال ضحيان.
أما الهدف الآخر، فهو إسكاته عن أيّ مواقف مستقبلية مشابهة ضد إدارة بايدن الديمقراطية، لأن وجود أصوات معارضة للحرب بين الديمقراطيين أنفسهم تحمّلهم المسؤولية سيكون أمراً محرجاً، وبالتالي أوفدوه إلى مباحثات مسقط التي لم يكتب لها النجاح خلال الجولتين السابقتين أملاً في تحقيق اختراق، غير أن المعطيات لا توحي بذلك، وإن بدا ميرفي نفسه متفائلاً في التغريدة التي نشرها في حسابه في “تويتر” بعد لقائه وزير الخارجية العماني بأن: “الوقت حان لإحلال السلام في اليمن، وأنّ سلطنة عمان تستطيع أن تؤدي دوراً حاسماً”.
ولكي يبدو تفاؤله في محله، نتوقع أن الوفد الوطني في مسقط سيطالب الوافد الجديد – مباشرة أو عبر الجانب العماني – بالعمل على اتخاذ إجراءات عملية ملموسة لوقف الحرب وإنهاء كل مظاهر الحصار، وتحويل التزامات بايدن عبر تصريحاته إلى إجراءات عملية ملموسة، بعيداً من المناورات والمساومات والمقاربات الجامدة التي يقدّمها كينغ وغريفيث والجانب السعودي، باعتبار أن الحرب أميركية بامتياز، ومن صلاحيات لجنة العلاقات الخارجية التي ينتمي إليها ميرفي أن تعييد تقييم الدور السلبي لواشنطن، وأن تسنّ تشريعات جديدة من شأنها أن تضع حداً للدور الأميركي القذر في اليمن، سواء ما يتعلّق بالمشاركة والتدخّل المباشر، أو بالتسليح أو الدعم اللوجستي، أو مشاركة القطع البحرية الأميركية في حصار 80% من سكان اليمن، مع الضغط إن أمكن لإلغاء القرار 2216 أو استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، لمعالجة تعقيداته وتعبيد الطريق لحلول منطقية واقعية وعادلة، عبر مفاوضات واتفاق موقّع يصدر بناء عليه قرار عن مجلس الأمن بوقف الحرب والحصار وإخراج اليمن من الفصل السابع، غير أنّ مقاربات الحل المطروحة غير مشجّعة، وما تزال هناك فجوة كبيرة بين مقاربات واشنطن – الرياض ومقاربة صنعاء، إذ تتمسّك الأخيرة بموقفها الثابت والمعلن والمطالب بوقف الحرب ورفع كل مظاهر الحصار أولاً وقبل كلّ شيء.
في المقابل، ما تزال مقاربات واشنطن والرياض على حالها، رغم حديث الخارجية الأميركية قبل أيام عن أن المباحثات هذه المرة ستتركز على “ضمان وصول السلع والمساعدات الإنسانية إلى أنحاء اليمن بانتظام، ومن دون عوائق، إلى جانب دعم وقف دائم لإطلاق النار، وانتقال الأطراف إلى عملية سياسية”، لكن مصادر دبلوماسية مطلعة على مباحثات مسقط تؤكّد أن “مزاعم واشنطن لوقف إطلاق النار ومقاربتها لا تحمل جديداً يشجّع على التقدم في المباحثات، وأنّ الأمور ما تزال عالقة عند الملف الإنساني بتشعّباته، سواء في ما يتعلّق بفتح مطار صنعاء أو ميناء الحديدة، إذ ما تزال السفن النفطية والغذائية تتعرض بين الحين والآخر للاحتجاز والقرصنة”.
هذا المعطى يوحي بأنَّ هذه الجولة لن تختلف عن سابقاتها، وإن كان ميرفي طرفاً فيها. وعليه، فإنّنا نتوقّع أيضاً أنّ الأميركي والسعودي، في حال فشلا هذه المرة في فرض مقارباتهما، سيهربان، كما جرت العادة، لتحميل صنعاء وطهران المسؤولية واتهامهما بعرقلة عملية السلام.
المصدر: مقال منشور للكاتب على موقع قناة “الميادين”