تقرير: عُمال اليمن بعيدهم العالمي.. واقع مؤلم وتمييز مناطقي وعدن تتصدر قائمة المدن المنتهكة لهم

المساء برس| تقرير: يحيى محمد|

يمر اليوم العالمي للعمال، على قطاع العمال والعاملين في المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي، غير أن هذا اليوم بدلاً من أن يكون مناسبة لتكريم العمال ومنحهم المكافآت المالية المجزية والمناسبة، أصبح عيد العمال العالمي بالنسبة للعمال اليمنيين في المناطق الجنوبية والشرقية يوماً لحصر وتعداد جوانب معاناتهم ومأساتهم وما يطالهم من انتهاكات يتلقونها يومياً على مدار العام.


الصيادون نموذج ومثال يختصر واقع عُمال جنوب اليمن

يأتي يوم العمال العالمي 2021، وعمال جنوب اليمن من العاملين بمجال الصيد لا يستطيعون الصيد في مناطق الاصطياد المعروفة بوفرة الأحياء البحرية وتواجد آلاف الأسماك في المياه اليمنية في جنوب الساحل الغربي والساحل الجنوبي والساحل الشرقي، وذلك بعد حظر التحالف السعودي الإماراتي على الصيادين الاصطياد في مساحات كبيرة جداً من المياه الإقليمية اليمنية، وحصر السماح بالصيد في مناطق قريبة من الشواطئ وهو ما أدى إلى ضعف كميات الاصطياد وانخفاض كبير في كمية ما يتم اصطياده الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الأحياء البحرية في اليمن خاصة بمناطق سيطرة التحالف لأربعة أضعاف ما كان عليه السعر قبل فرض حظر الاصطياد من قبل التحالف على الرغم من أن اليمن من الدول المصنفة عالمياً بالدول البحرية كما أنها من أكثر الدول الغنية بالأحياء البحرية.

كما يأتي اليوم العالمي للعمال، وقد سقط من العاملين اليمنيين بمجال الصيد المئات والذين قتلوا بنيران وغارات بوارج وطائرات التحالف السعودي الإماراتي والذين جرى استهدافهم على مدى الست السنوات الماضية بذريعة أنهم دخلوا في مناطق محظور عليهم التواجد فيها بالمياه اليمنية وتم اعتبارهم أهدافاً عسكرية.

في هذا التقرير أردنا فقط قصر الحديث على معاناة العمال وتحديداً بمناطق سيطرة التحالف السعودي الإماراتي جنوب وشرق البلاد، على العاملين بمجال الصيد فقط كنموذج واحد يختصر حال ووضع بقية العاملين والعاملات في مختلف المجالات الأخرى بمناطق التحالف والحكومة المنفية كون المجال لا يتسع حتى لسرد حتى جزء منها.

“10حقائق عن وضع العمال جنوب اليمن بعد 6 أعوام من التدخل العسكري للتحالف”

لكن وبلمحة سريعة يمكن اختصار المشهد الذي يرسم واقع العمال جنوب اليمن في النقاط التالية التي خرج بها “المساء برس” من حصيلة رصد أحداث ووقائع في هذا الشأن على مدى الست السنوات الماضية من عمر الحرب والحصار على اليمن، علماً أن معظم ما تم رصده من وسائل إعلام رسمية تابعة للحكومة المنفية في الرياض الموالية للتحالف ووسائل إعلام موالية للتحالف وتتبع المكونات السياسية اليمنية المنقسمة في تبعيتها بين الرياض وأبوظبي وقطر.

أولاً: لوحظ أن التحالف السعودي الإماراتي ارتكب بشكل مباشر جرائم حرب ضد مئات الآلاف من العمال خاصة في الجانب المالي والحقوق المالية الأساسية.

ثانياً: تحولت مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن من مناطق جاذبة لبيئة الأعمال والمشاريع بحكم الثروات الطبيعية المتنوعة والمساحة الجغرافية الكبيرة والمؤهلة لاحتضان الاستثمارات، إلى مناطق طاردة للمستثمرين وبالتالي طاردة للعمال وهو ما يفسر سبب موجات النزوح لآلاف العمال من المناطق الجنوبية إلى مناطق سيطرة سلطات صنعاء بحثاً عن بيئة آمنة أولاً ومستقرة اقتصادياً ثانياً – رغم الحصار المفروض، للعمل فيها، فوفقاً للعامل عصام الشوافي العائد إلى صنعاء منذ 3 أشهر بعد أن قضى عامين كاملين في مدينة عدن يعمل في متجر للمواد الغذائية، فإن انهيار الوضع الاقتصادي في المناطق الجنوبية بما فيها عدن ولارتفاع الأسعار بشكل كبير جداً ومبالغ فيه في ظل عدم وجود رقابة سلطوية بحكم حالة الصراع والانقسام بين أدوات التحالف السعودي في الجنوب فإن ما يتم تقاضيه من راتب شهري لقاء عمله لم يعد مجدياً وغير كافٍ حتى لتغطية احتياجاته الشخصية بعد أن عجز حتى عن إرسال أي مبالغ بسيطة لأسرته التي تركها في تعز واتجه للاغتراب في عدن ظناً منه أن العمل في المناطق التي يسميها التحالف السعودي وحكومة هادي بـ”المناطق المحررة” سيكون مجدياً وسيتمكن من تحصيل دخل وفير، حسب ما تحدث لـ”المساء برس”.

ثالثاً: شهد العمال في مدينة عدن واحدة من أبشع جرائم الإنسانية التي لم يسبق أن حدثت في أي منطقة يمنية حتى قبل تحقيق إعادة الوحدة بين شطري اليمن شماله وجنوبه في مايو 90م، تمثلت تلك الجريمة بتعرض المئات من أبناء المناطق الشمالية من العاملين للترحيل القسري وبطريقة مهينة من مدينة عدن من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته الأمنية المدعومة من الإمارات بذريعة أنهم شماليون متواجدون في مناطق جنوبية وأن وجودهم يجب أن يكون تواجداً رسمياً وأن يحصلوا على فيزة عمل حيث اتجه الانتقالي بعد انتفاخة انتصاره على خصومه (حزب الإصلاح) والذي انتهى بسيطرته على عدن وطرد من كان موجوداً من مسؤولي هادي، إلى التفكير بالتعامل مع حكومة هادي المنفية وحكومة صنعاء بأنها حكومات أجنبية وأن أبناء المحافظات الشمالية في الجنوب هم مقيمون أجانب فذهب للاستقواء على عاملي البسطات البسطاء ليتعرض لأكبر هجوم شرس وسخط شعبي واسع من قبل أبناء الجنوب أنفسهم الذين لم يجدوا في تلك الفترة من يبيع لهم ويوفر لهم احتياجاتهم الغذائية من الحضروات والفواكه وخدمات المطاعم والمقاهي بعد ترحيل المئات من أبناء الشمال.

رابعاً: لوحظ تعرض المئات من العاملين لمعاملة بمعيار المناطقية من قبل مرؤوسيهم وقد تكرر ذلك كثيراً داخل المجلس الانتقالي الجنوبي والمناطقية والعنصرية التي شابت عمليات التجنيد في الأحزمة الأمنية في كل من عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة وحضرموت الأمر الذي عزز من مخاطر التفتيت المجتمعي وساهم في تفكيك نسيج المجتمع ليس داخل المحافظات الجنوبية فقط بل على مستوى المحافظة الواحدة.

خامساً: فقد الآلاف من العمال لوظائفهم في مختلف القطاعات الخاصة جراء الانهيار الأمني بعد سيطرة التحالف على المناطق الجنوبية وانكماش الاستثمارات الداخلية وهروب جزء كبير من رؤوس الأموال وانتقالها من الجنوب إلى الشمال الأمر الذي أدى لحرمان الآلاف من أعمالهم وانقطاع مصدر عيشهم الوحيد.

سادساً: لوحظ أن مدينة عدن التي تعتبر عاصمة حكومة ما تسمى “الشرعية” كانت على رأس المدن التي تم فيها تسجيل أكبر عدد من الانتهاكات والجرائم ضد العمال بما في ذلك العمال في القطاع العام وعلى رأس هذه الانتهاكات إيقاف المرتبات عنهم أو تعرضهم للفصل وفي أقل الأحوال قطع الحوافز والإكراميات والبدلات الشهرية واقتصار ما يتم صرفه لهم على الراتب الأساسي علماً أن جميع موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف لم يتم صرف رواتبهم التي توقفت لفترات متباينة وتراكمت منذ نقل هادي للبنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016 وحتى اليوم لتتجاوز مستحقاتهم المنقطة رواتب عام ونصف، علماً أن سلطة صنعاء ظلت تصرف رواتب جميع موظفي الدولة في كافة محافظات الجمهورية بما في ذلك رواتب القوات الموالية للتحالف ولم تتوقف الرواتب عن موظفي وعاملي اليمن في القطاع العام إلا منذ نقل هادي – بتوجيه مباشر من السفير الأمريكي آنذاك – للبنك المركزي إلى عدن بهدف استخدام ورقة المرتبات كورقة حرب وضغط مالي ضد سلطة صنعاء، ورغم الحصار الاقتصادي وسياسة التجويع التي استخدمها التحالف ضد صنعاء إلا أن الأخيرة قامت بتحويل ما تبقى من إيرادات رغم شحتها لإعادة استخدامها كنفقات تشغيلية للمؤسسات الحكومية بالحد الأدنى بما في ذلك تخصيص مبالغ مالية ليس كرواتب وإنما كمستحقات شهرية لكافة موظفي القطاع العام ممن لا يزالون يمارسون الخدمة.

سابعاً: في تقرير للمركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية التابع لحكومة صنعاء، أكد التقرير أن مدينة عدن جرى فيها ممارسة أكثر الجرائم والانتهاكات بحق العمال في القطاعين العام والخاص تلتها محافظة لحج ثم الضالع ثم أبين ثم شبوة ثم حضرموت ثم سقطرى.

ثامناً: كان للإمارات دور بارز في الانتهاكات التي مورست ضد العمال في القطاع العام في كل من عدن ولحج والمكلا وسقطرى وأبين والذين تمت محاربتهم لكونهم محسوبين على حكومة هادي المسيطر عليها من قبل حزب الإصلاح أبرز خصوم أبوظبي.

تاسعاً: ارتكب أيضاً حزب الإصلاح انتهاكات كبيرة ضد المئات من العمال في القطاع العام والقطاع الخاص ومارس بحقهم معاملات على أسس مناطقية وعنصرية في كل من شبوة ووادي حضرموت وكان ذلك بهدف إبعادهم وإقصائهم واستبدالهم بموالين للحزب.

عاشراً: أدت سيطرة التحالف على المطارات والموانئ وتحويلها لمقرات عسكرية أو شبه عسكرية والسماح فقط باستخدام مطار واحد وميناء واحد مع تقليص وخفض حجم الاستفادة المباشرة للمواطنين العاديين من المطار والميناء، أدى كل ذلك إلى وقف أعمال الآلاف من العمال وبالتالي بقاءهم عاطلين عن العمل واتجاه معظمهم للبحث عن أعمال أخرى خاصة في ظل انقطاع الرواتب التي كانوا يتقاضونها من عملهم في تلك المنشآت المتوقفة.

في ختام هذا التقرير، يجدر بنا الإشارة إلى أن العمال في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي لم يحظوا حتى بالتفاتة ولو بتصريح بوسائل الإعلام من قبل قيادة سلطة هادي المنفية في الخارج والمنشغلة باستثماراتها الخاصة في اسطنبول والقاهرة ودبي وبعض المدن الأوروبية، ليكون المسؤول الوحيد في اليمن الذي توجه بخطاب للعمال في اليمن في عيدهم العالمي هو رئيس سلطة صنعاء، مهدي المشاط والذي أصدر بياناً كشف فيه أن سلطة صنعاء وعبر مجلس القضاء الأعلى قامت بإنشاء محكمة خاصة بالعمال لضمان حقوقهم المكفولة في الدستور والقانون في توجه لم يسبق أن فكرت في تنفيذه أي سلطة سياسية يمنية سابقة، وهي بذلك – أي سلطة صنعاء وإنشاءها محكمة خاصة بالعمال – تكون قد نفذت على أرض الواقع واحداً من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وواحداً من أهدافها التي وضعتها في خطة ووثيقة “الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة” والتي تم وضعها وفق خطة زمنية تستمر حتى 2030.

قد يعجبك ايضا