أبرز المستجدات بشأن مفاوضات (صنعاء الرياض) وهل تقدمت أم تعثرت؟
تقرير خاص – المساء برس|
عاد المبعوث الأمريكي إلى اليمن مرة أخرى إلى العاصمة السعودية الرياض، اليوم الثلاثاء، قادماً من العاصمة العمانية مسقط للمرة الثانية على التوالي خلال يومين فقط.
قبل ثلاثة أيام كان كلاً من المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث والمبعوث الأمريكي تيم ليندركينج متواجدان في العاصمة العمانية مسقط وكانت هناك مفاوضات مع وفد صنعاء غير أن المفاوضات كانت مع الجانب الأمريكي بشكل غير مباشر وعبر الوسطاء العمانيين بينما كانت اللقاءات المباشرة بين وفد صنعاء والمبعوث الأممي غريفيث، حينها طرح المبعوثان مناقشة ما ورد في الإعلان المشترك الذي تقدمت به الأمم المتحدة قبل عام من الآن وأبدت صنعاء تحفظها عليه ورفضت بعضاً من النقاط التي تضمنها الإعلان المشترك، غير أن المفاوضات الأخيرة شملت إلى جانب مناقشة الإعلان المشترك طرح الأمريكيين عبر الوسطاء العمانيين مناقشة مسألة مقايضة فتح مطار صنعاء جزئياً والسماح بدخول المشتقات النفطية جزئياً أيضاً مع ملفات أخرى عسكرية، وهو ما رفضته صنعاء جملة وتفصيلاً من واقع رفضها ربط الملف الإنساني بالملف السياسي أو العسكري.
عاد بعد ذلك كلاً من المبعوثان الأممي والأمريكي إلى الرياض قبل يومين لمناقشة السعوديين بما خرجوا به من نقاش وتفاوض مع وفد صنعاء، فأوعزت الرياض سفيرها لدى اليمن وإلى الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي باللقاء بالمبعوثين الأممي والأمريكي اللذين طرحا ما طلبه وفد صنعاء، لكن هادي رفض استثناء الملف الإنساني في اليمن وأصر على ربطه بتنفيذ صنعاء خطوة عسكرية، وقد بدا من الواضح أن الرياض هي من دفعت بهادي لتبني هذا الرفض، كما بدا واضحاً وفق مصادر دبلوماسية أن هناك إصرار من جانب التحالف على وقف تقدم صنعاء نحو مأرب.
وبدا من الواضح أيضاً أن لقاء المبعوثين الأمريكي والأممي بهادي ومن ثم وزير خارجيته ومن ثم رئيس الحكومة المنفية كانت كلها لقاءات شكلية غرضها فقط الإعلام والإيهام بأن الشرعية معنية بالمفاوضات وجولات المبعوثين الأمريكي والأممي بين الرياض ومسقط، لكن في الحقيقة كان اللقاء الحقيقي الذي جرى فيه أخذ موقف مما طرحه وفد صنعاء في عمان هو مع لقاء المبعوثين بالمسؤولين السعوديين على رأسهم السفير محمد آل جابر الموصوف بأنه الحاكم الفعلي في مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق البلاد باليمن، وهذا يبدو واضحاً من خلال لقاء المبعوثين بآل جابر في صالة اجتماعات وعلى طاولة مستطيلة وأمام كل شخص منهم أوراقه وما يحمله، بينما كان لقاء المبعوثين بهادي ومن معه في صالة استقبال اعتيادية بدون أوراق وبدون ملفات.
ويوم أمس الإثنين عاد المبعوث الأمريكي إلى عُمان لمناقشة الدبلوماسيين العمانيين بشأن رفض التحالف الفصل بين الملفين الإنساني والعسكري، طالباً من الوسطاء العمانيين محاولة الضغط على وفد صنعاء وكبير المفاوضين محمد عبدالسلام للقبول ببعض النقاط التي لا زالت تتحمور حول صلب الملف الإنساني بمقابل تقديم تنازل عسكري، ولم يتم التأكد عمّا إذا كان المبعوث الأممي مارتن غريفيث قد عاد أمس إلى عمان رفقة المبعوث الأمريكي.
اليوم قالت قناة “الجزيرة” إن المبعوث الأمريكي عاد من جديد إلى الرياض قادماً من عمان لاستكمال بحث التفاهمات مع التحالف السعودي، ولم يتم الحديث عما إذا كان غريفيث لا يزال في الرياض أم عاد إلى عمان وبقي هناك حتى الآن، المهم في الأمر هو أن المؤشرات الرئيسية تؤكد أن صنعاء لا تزال متمسكة بموقفها إزاء فصل الملف الإنساني عن الملفين السياسي والعسكري وهذا ما يتضح من خلال تصريح كبير مفاوضي صنعاء على حسابه بتويتر ومنصاته الرسمية على السوشيال ميديا ظهر اليوم الثلاثاء والذي قال فيه: “منع تحالف العدوان لسفن المشتقات النفطية والمواد الغذائية والطبية المرخصة من الامم المتحدة والمفتشه من الدخول إلى ميناء الحديدة إجراء تعسفي مخالف للقانون الدولي وانتهاك بحق الشعب اليمني المشروع وقرصنه بحرية مكشوفه وإجرام لا مثيل له يفضح كل مدع للإنسانية ويعرقل كل نوايا السلام”، ومن سياق تصريح عبدالسلام يتضح أن المفاوضات لا تزال متعثرة ولا يوجد أي تقدم فيها في ظل تعنت التحالف المصمم على ربط رفع الحصار الاقتصادي والمدني بمقابل تنازلات عسكرية.
في المقابل بدا من الواضح أن هناك محاولة من إعلام التحالف تقديم المفاوضات في مسقط على أنها تتم بشكل جيد وأن هناك تقدم كبير وأن صنعاء وافقت على ما يطرحه المبعوثان الأمريكي والأممي في حين كان كل ذلك الحديث غير صحيح، وهو ما يكشف محاولة التحالف تقديم طرف صنعاء أمام العالم بأنه يبدأ بقبول ما يتم طرحه ثم في نهاية الأمر ينقلب على كل شيء ويرفض، وهو ما سبق ومارسه التحالف خلال جولات المفاوضات العديدة السابقة.
صنعاء بدورها لم تغفل هذه المرة مواجهة هذه السياسة التي مارسها التحالف خلال جولات التفاوض الماضية فسارع إلى توضيح موقفه أو التلميح إلى ما يستجد في المفاوضات وإن بشكل غير مباشر، ومن ذلك مثلاً تصريحات وكيل وزارة الإعلام بحكومة صنعاء نصر الدين عامر على قناة الجزيرة والذي يجري استضافته تقريباً بشكل يومي، كان آخرها اليوم والذي أكد أنه لم يتم تقديم أي جديد في المحادثات التي جرت في مسقط بل إنه أضاف وأكد بأن موقف الأمم المتحدة ودورها منحاز بشأن الأزمة اليمنية في إشارة إلى أن غريفيث منحاز للمبعوث الأمريكي والتحالف.
تصريح نصر الدين عامر يأتي مغايراً لمزاعم إعلام التحالف من جهة الذي يُروج لوجود تقدم في مفاوضات مسقط وأن هناك حلحلة واستجابة من صنعاء لما يتم طرحه، ومن جهة ثانية يأتي مغايراً لتصريح المتحدث باسم حكومة المنفى “الشرعية” في الرياض راجح بادي والذي قال إن المعلومات القادمة من مسقط تشير لتقدم بطيء في المشاورات، وهنا يبدو من الواضح أن التحالف بدأ تزوير حقائق ما يحدث في مسقط بلهجة عالية ومبالغ فيها ومن ذلك تصريح السفير السعودي لدى اليمن لصحيفة الشرق الأوسط السعودية بداية المفاوضات بأن هناك حلحلة كبيرة من صنعاء وقبول نسبي لمبادرة السعودية ليأتي الرد من صنعاء على لسان مسؤوليها بأن ما يتم في الرياض ليس مناقشة المبادرة السعودية وأنه لم يكن هناك أي ذكر للمبادرة، ثم بعد ذلك انخفضت المبالغة السعودية تدريجياً إلى أن وصل الحال إلى تصريح متحدث حكومة هادي بأن هناك تقدم بطيء، كل ذلك يعني من وجهة نظر مراقبين أن التحالف لم يكن جاداً لا في مبادرته ولا في المفاوضات الحالية بدليل محاولته الإيقاف بطرف صنعاء وتقديم هذا الطرف أمام الرأي العام والمجتمع الدولي بأنه ينقلب على ما يتم الاتفاق عليه ويعرقل عملية السلام.
تأكيد آخر على أن المفاوضات متعثرة بسبب إصرار التحالف ربط الملف الإنساني بالملفين العسكري والسياسي، جاء بشكل غير مباشر في بيان الخارجية العمانية الذي صدر اليوم والذي بدا فيه بأن هناك توقف للمفاوضات وربما يكون من طرف وفد صنعاء موقف جديد يتضمن قطع المفاوضات وعدم إكمالها طالما ظل المبعوث الأمريكي أو الأممي يحملان معهما وجهة نظر التحالف السعودي، حيث قال البيان إن سلطنة عمان مستمرة في العمل مع التحالف والمبعوثان الأمريكي والأممي لدعم جهود السلام في اليمن، هذا البيان قرأه مراقبون بأنه مؤشر على أن المفاوضات توقفت أو أن صنعاء أوقفت التفاوض واستقبال المبعوث الأممي إلا إذا جاؤوا بشيء جديد وعلى إثر هذا الموقف الذي لا يزال محتماً وغير مؤكد جاء البيان العماني كي يبقي على مسار المفاوضات مفتوحاً وبما لا يقطع أو يغلق الباب على المبعوث الأممي ونظيره الأمريكي على أمل أن يستطيعا ثني الرياض عن موقفها المتمسك باستخدام حصار المطار والميناء على الغذاء والدواء والتجارة كورقة حرب ضد صنعاء.