باعتراف وكالة الأنباء الأمريكية: التحالف السعودي يعمل لجعل اليمن نسخة من (عراق داعش) مارب وتعز نموذج
في أغسطس 2018 نشرت وكالة الأنباء الأمريكية أسيوشيتد برس تحقيقاً كشفت فيه أن الحوثيين في اليمن يقاتلون تنظيم القاعدة الإرهابي الذي تدعي أمريكا محاربته أيضاً في اليمن.
يكشف التقرير أن الولايات المتحدة كانت تعلم بوجود صفقات تمت بين التحالف السعودي الإماراتي وتنظيم القاعدة الإرهابي مقابل ملايين الدولارات في أكثر من محافظة بهدف (أولاً: الانسحاب من بعض المدن التي كانت تحت سيطرة القاعدة مع عدم الاعتراف بأن ما حدث كان انسحاب والترويج أن التحالف شن عمليات عسكرية للسيطرة على تلك المدن من القاعدة، ثانياً: ضم مقاتلي القاعدة للقتال في صفوف التحالف السعودي الإماراتي ضد قوات الحوثي).
اليوم يتكرر المشهد من جديد في كل من مأرب وتعز، فمأرب دفع فيها الإصلاح وبإشراف وضوء أخضر من السعودية بالسلفيين الجهاديين المنتمين لتنظيم داعش الإرهابي للقتال فيها، وفي تعز أيضاً يصف ضابط مخابرات تابع لهادي في مقابلة أجرتها معه وكالة أسوشيتد برس الأمريكية وهو يقول بأنها – أي تعز – أصبحت مثلها مثل مدينة الموصل في العراق التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي آنذاك، واليوم يسعى الإصلاح لتحويل بقية المناطق في تعز إلى نسخة أخرى من الموصل.
فيما يلي عرض مختصر لما ورد في تحقيق وكالة الأنباء الأمريكية عن الحرب في اليمن ومن هو جيش الشرعية الذي يقاتل الحوثيين بدعم من التحالف؟
نشرت وكالة أسوشييتد برس تقريراً مطولاً تحدثت فيه عن علاقات مزعومة بين التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن لمحاربة الحوثيين ومقاتلي القاعدة هناك، بما فيها صفقات سرية تم فيها دفع الأموال مقابل إخلاء القاعدة لمدن تسيطر عليها مقابل تسويق ذلك على أنه هزيمة لها من قبل التحالف، بل حتى في بعض الأحيان قاموا بإعادة تجنيد بعضهم للانضمام والقتال بين صفوف التحالف نفسه، ما أتاح للتنظيم أن يبقى حياً وقادراً على القتال بل وتقويته في ظل علم الولايات المتحدة بما يجري وتوقفها عن شن هجمات بالطائرات دون طيار.
وتقول الوكالة إنها اعتمدت في استقصاءاتها على تقارير من اليمن ومقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً، من بينهم ضباط أمن يمنيون وقادة ميليشيات ووسطاء قبليون وأربعة أعضاء في فرع القاعدة. ولم يكشف إلا القليل من هذه المصادر عن هويته خوفاً من الانتقام، حيث اتهموا الفصائل المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، مثل معظم الجماعات المسلحة في اليمن ، باختطاف أو قتل منتقديها.
ويعكس التقرير بحسب ما قالت الوكالة تناقض المصالح في الحربين اللتين تشنان في الوقت نفسه في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية.
ففي الوقت الذي تعمل فيه االولايات المتحدة مع حلفائها العرب – وخاصة الإمارات العربية المتحدة – للقضاء على فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تبقى المهمة الأكبر هي الانتصار في الحرب الأهلية ضد الحوثيين، حيث ضمن هذه المعركة، يقف مقاتلو القاعدة في الواقع في صف التحالف الذي تقوده السعودية، وبالتالي الولايات المتحدة ، بحسب ما تقول الوكالة.
وعلق مسؤول سعودي كبير بالقول إن التحالف الذي تقوده السعودية “يواصل التزامه بمكافحة التطرف والإرهاب”، فيما لم يرد متحدث باسم الحكومة الإماراتية على استفسارات وكالة الأسوشييتد برس.
ونقلت الوكالة عن مايكل هورتون، وهو زميل في مؤسسة جيمس تاون، وهي مجموعة تحليلات أمريكية تتعقب الإرهاب، قوله “إن الجيش الأمريكي يدرك بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهناك قلق كبير بهذا الشأن. ومع ذلك ، فإن دعم الإمارات والمملكة العربية السعودية ضد ما تعتبره الولايات المتحدة توسعًا إيرانيًا له الأولوية على محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحتى تحقيق الاستقرار في اليمن”.
وأضاف هورتون:”جزء كبير من الحرب على تنظيم القاعدة من قبل الإمارات والميليشيات المتحالفة معها هو تمثيلية، من شبه المستحيل الآن التمييز وفك الارتباط بين من هو من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومن ليس كذلك منذ أن عقد العديد من الصفقات والتحالفات”.
بحسب التقرير فإن أحد القادة اليمنيين الذي وضع على قائمة الإرهاب الأمريكية بسبب علاقته مع القاعدة في العام الماضي لا يزال يتلقى أمولاً من الإمارات العربية لإدارة ميليشياته، كما صرح مساعده الخاص للأسوشييتد برس. في حين أن قائداً آخراً منح مؤخراً 12 مليون دولار لقواته من قبل الرئيس اليمني، يتخذ من أحد الشخصيات البارزة في القاعدة المساعد الأقرب له.
وتطرق التقرير لتفاصيل عدد من الصفقات التي تمت في أكثر من منطقة يمنية.
شبوة
في فبراير من العام 2018، قامت القوات الإماراتية وحلفاؤها من الميليشيات اليمنية بأداء علامات النصر أمام كاميرات التلفزيون، حيث أعلنوا الاستيلاء على مديرية الصعيد، وهي مجموعة قرى في محافظة شبوة جنوب اليمن، وهي منطقة هيمنت عليها القاعدة إلى حد كبير لما يقرب من ثلاث سنوات، فيما اعتبرته الإمارات إنجازاً ضمن عملية السهم الحاسم التي أعلن السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة أنها “ستعطل شبكة المنظمات الإرهابية وتقلل من قدرتها على شن هجمات في المستقبل”. وردد البنتاغون، الذي ساعد في عدد قليل من القوات، هذا الوعد، معتبراً أن المهمة ستضعف قدرة الجماعة على استخدام اليمن كقاعدة لها.
لكن ما حصل هو أنه قبل أسابيع من دخول تلك القوات، خرجت سلسلة من الشاحنات الصغيرة محملة بمدافع آلية محملة بمسلحين من القاعدة ملثمين من الصعيد دون اعتراض، وفقاً لما قاله وسيط قبلي شارك في الصفقة لانسحابهم، مؤكداً غياب الطائرات الأمريكية دون طيار – كما حصل في صفقات أخرى- على الرغم من خروج القافلة الكبيرة الواضحة.
أما شروط الصفقة فكانت أن يدغع التحالف لأعضاء التنظيم مقابل المغادرة، وفقاً لعواد الدهبول، رئيس الأمن في المحافظة. والذي تم التأكد من روايته من قبل الوسيط ومسئولين حكوميين يمنيين.
وتحدث الدهبول عن تلقي نحو 200 من أعضاء القاعدة مبالغ مالية لم يتوصل لها بدقة وإنما صرح بعلمه أن 100 ألف ريال سعودي (26 ألف دولار) قد دفعت إلى قائد واحد للقاعدة، بحضور الإماراتيين
كما تتضمن الصفقة تجنيد الآلاف من المقاتلين القبليين المحليين في ميليشيا فرقة النخبة في شبوة التي تمولها الإمارات العربية المتحدة، حيث مقابل كل ألف مقاتل ستتضمن القوات 50 إلى 70 من أعضاء القاعدة، بحسب الوسيط ومسؤولين آخرين.
ونفى صالح بن فريد العولقي ، وهو زعيم قبلي مؤيد للإماراتي، وكان مؤسس أحد فروع قوة النخبة، أي اتفاقات تمت. وقال إنه وغيره يغري أعضاء شبان من القاعدة في شبوة للانشقاق، مما تسبب يإضعاف الجماعة والانسحاب من تلقاء نفسها، وأضاف أن حوالي 150 مقاتلاً سمح لهم بالانتساب إلى قوة النخبة بعد خضعوهم لبرنامج “توبة”.
إلا أن تطهير محافظة شبوة وغيرها من المحافظات من القاعدة لم ينجز دائماً من دون قتال، فقد اندلعت اشتباكات في القرى مع بعض العناصر الباقية التي رفضت الانخراط في هذه اللعبة، حيث قال أحد أعضاء القاعدة السابقين إنه رفض مع رفاقه عرضاً من الإماراتيين مما تسبب بانسحابهم بعد محاصرتهم من قبل قوات النخبة في بلدة حوطة.
المكلا
في ربيع عام 2016 تم عقد اتفاقية انسحب بموجبها الآلاف من مقاتلي القاعدة من المكلا، خامس أكبر مدينة في اليمن وميناء رئيسي على بحر العرب.
وتم تأمين طريق الخروج للمقاتلين الذين سمح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم والأموال التي نهبوها من المدينة والتي تصل إلى 100 مليون دولار حسب بعض التقديرات.
وكما حصل في شبوة، كذلك غابت هجمات الطائرات عن المشهد، يقول أحد زعماء القبائل الكبار الذين رأوا القافلة وهي تغادر :”كنت أتساءل لماذا لم يضربوها، الطائرات المقاتلة التابعة للتحالف والطائرات الأمريكية بلا طيار”.
وبحسب قائد يمني سابق رفيع المستوى، قام شيخ عشائري بإبرام الصفقة بين قادة التنظيم في المكلا والمسؤولين الإماراتيين في عدن.
لتتحرك بعدها بيومين القوات المدعومة من التحالف، معلنة مقتل مئات المقاتلين، ومعتبرة عملية استعادة السيطرة “جزء من الجهود الدولية المشتركة لهزيمة المنظمات الإرهابية في اليمن”.
إلا أن شهوداً لم يروا أي متشددين قتلوا وقال صحفي محلي، تحدث إلى وكالة الأسوشييتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام: “استيقظنا في يوم من الأيام واختفت القاعدة دون قتال”.
أبين
اتفاق آخر تم عقده تنسحب بموجبه القاعدة من ست مدن في محافظة أبين بما فيها عاصمتها زنجبار، وفقاً لوسطاء مشاركين في المفاوضات.
وتضمنت بنود الصفقة إيقاف التحالف والطائرات بدون طيار الأمريكية لهجماتهم أثناء انسحاب التنظيم بأسلحته، وضم عشرة آلاف من رجال القبائل المحليين – بينهم 250 من مقاتلي القاعدة – إلى الحزام الأمني ، وهو القوة اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في المنطقة.
وبالفعل على مدى أسبوع تقريباً في مايو 2016 ، غادر المسلحون في شاحناتهم. وقام أحد الوسطاء بإقامة وليمة عشاء وداعية لآخر دفعة من المقاتلين المغادرين بين بساتين الزيتون والليمون عندما توقفوا في مزرعته ليعبروا عن احترامهم، بحسب ما قال لأسوشييتد برس.
وبحسب وسيط آخر هو طارق الفضلي، جهادي سابق دربه زعيم القاعدة أسامة بن لادن، فقد كان على اتصال بالمسؤولين في السفارة الأمريكية وبالتحالف لإبقائهم مطلعين على آخر التطورات بشأن الانسحاب، وقد تم إعلامهم عندما خرج آخر عنصر من المنطقة.
موقف الولايات االمتحدة
أرسلت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من الأسلحة إلى التحالف لمحاربة الحوثيين المدعومين من إيران. كما يقدم مستشارو الولايات المتحدة للتحالف معلومات استخبارية تستخدم في استهداف خصوم على الأرض في اليمن ، وتزويد الطائرات الأمريكية بالوقود جوًا للطائرات الحربية التابعة للتحالف. لكن الولايات المتحدة لا تمول التحالف، ولا يوجد دليل على أن الأموال الأمريكية ذهبت إلى متشددي القاعدة في جزيرة العرب.
إلا أن الولايات المتحدة تدرك وجود تنظيم القاعدة بين صفوف المناهضين للحوثيين ، هذا ما قاله مسؤول أميركي كبير للصحفيين في القاهرة في وقت سابق من هذا العام. ولأن أعضاء التحالف يدعمون ميليشيات يقودها إسلاميون متشددون، “فإن من السهل جداً على القاعدة أن تندس في هذا المزيج” ، كما قال المسؤول، مشترطاً عدم الكشف عن هويته.
وفي الآونة الأخيرة، نفى البنتاغون بشدة أي تواطؤ مع مقاتلي القاعدة.
يقول شون روبيرستون، ومتحدث باسم البنتاغون أن الولايات المتحدة شنت منذ بداية عام 2017 أكثر من 140 ضربة لإزاحة قادة رئيسيين في القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتعطيل قدرة التنظيم على استخدام فضاءات لا تخضع للسلطات لتجنيد وتدريب وتخطيط عمليات ضد الولايات المتحدة وشركائها في جميع أنحاء المنطقة.
وقالت كاثرين زيمرمان ، وهي زميلة أبحاث في معهد أميركان إنتربرايز: “من المؤكد أن الولايات المتحدة تواجه مأزقاً في اليمن، فمن غير المنطقي أن تكون الولايات المتحدة قد حددت القاعدة كتهديد، ولكن لأنه لدينا مصالح مشتركة داخل اليمن فنقوم بتوجيه نظرنا باتجاه آخر عند بعض النقاط”.
خصوصية القاعدة في اليمن
ويرى التقرير أنه بحصر التفكير بالقاعدة كمجموعة إرهابية دولية يهمل جانب آخر مهم من واقعها وهي أنها فصيل فعال جداً ومسلح ومحصن، أعضاؤها متغلغلون في المجتمع ويرتبطون بعلاقات متينة مع القبائل من خلال شراء الولاءات والزواج، وبهذا يراها اللاعبون في المنطقة أداة مفيدة جداً.
هذا كان نهج الرئيس السابق علي عبد صالح، الذي كان يتلقى المسعدات الأمريكية لمحاربة القاعدة ومع ذلك يقوم بالاستفادة منها بقتال خصومه، ولطالما اتُهم علي محسن الأحمر نائب الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي بتجنيد الجهاديين.
وفي ضوء هذه المعطيات سيكون من المستغرب عدم انخراط القاعدة في القتال ضد الحوثيين، حيث يحضر مقاتليها في كل الجبهات الأمامية ضد الحوثيين وحلفائهم من القبائل، كما ذكر خالد باطرفي القيادي في الجماعة في مقابلة نشرتها صحيفة محلية عام 2015، ويقول باطرفي أن القاعدة قد خففت هجماتها ضد قوات هادي والقوات المرتبطة بالإمارات كي لا يستفيد الحوثيون.
وفي الوقت الذي تقاتل القاعدة فيه بشكل مستقل في بعض المعارك يقوم قادة الميليشيات السلفية وميليشيات الإخوان المسلمين بضمهم إلى صفوفهم حيث يستفيدون من تمويل الائتلاف.
ويقول أحد أعضاء القاعدة إن اثنين من أربعة قادة مدعومون من التحالف على شواطئ البحر الأحمر هم حلفاء للقاعدة، حيث قام التحالف بتحقيق تقدم كبير، حيث انخرط في المعركة التي كان هدفها السيطرة على ميناء الحديدة عام 2018.
وتقول الوكالة أن مقاطع فيديو تم تصويرها عام 2017 تضمنت مشاهد لتحركات مقاتلين لهم هيئة مقاتلي القاعدة يحملون أسلحة وشعارات القاعدة يقومون بالقتال ضمن وحدة مدعومة من التحالف في معركة لاستعادة السيطرة على المخا، أكد أحد أعضاء التنظيم لاحقاً أنهم ينتمون لصفوفه.
ويبدو تأثير انخراط القاعدة في القتال مع حملة التحالف أوضح في تعز.
في إطار هذا الصراع المعقد، تقول القاعدة إن أعدادها – التي قدرها المسؤولون الأمريكيون من 6000 إلى 8000 عضو – آخذة في في الارتفاع، حيث توفر خطوط الجبهة الأمامية أرضاً خصبة لتجنيد أعضاء جدد.
وباختصار يمكن القول إن ما يحدث اليوم في اليمن من قبل التحالف هو صناعة يمن يكون نسخة أخرى من العراق في فترة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي.