مدرس يعمل مع أحد طلابه في محل خياطة بعد عودته من المدرسة
المساء برس| تقرير: عمر القاضي|
كل ما اذهب إلى البوفية اصادف هناك الاستاذ عبدالسلام يجلس على إحدى مقاعد البوفية من الخارج في حي المطاعم بشارع التحرير في صنعاء.
الأستاذ عبده هناك يضع إحدى قدميه فوق بعضها. ويتمعن النظر في المارة بنظرات ذابلة ترسل الحزن، ملامح وجهه قبل سنوات كانت غير ما هي عليه اليوم، فقد كلستها معاناته الخافتة بعد أن أوقفت حكومة هادي راتبه.
منذ تلك اللحظة وتفكيره الدائم مشغول تجاه أسرته ويفكر كيف سيعود إليها من البوفية وهو مفرغ اليدين.
أربعة أعوام وعبده بدون راتب، وأربعة تجاعيد برزت على جبهة عبده وتوسعت أكثر ومن غير إرادته.
أما عن انتشار بياض شعر لحيته فقد أخفاها عبده متعمداً بشفرة حلاقة، وواضح ان جز لحيته كان قبل يومين أو ثلاثة من يوم لقائي به على ما أعتقد.
الاستاذ عبدالسلام يتماهى مع أي حديث بخصوص بياض شعره، سوف يستمع حديثاً كهذا من أي شخص معروف في الشارع أو في البوفيه.
وكعادته سيتقبل أي حديث إلا الحديث الذي يستهدف شعر لحيته البيضاء والتقدم بالعمر، مباشرة عبده سينتفض من مكانه وهو رافع يده اليمنى بشده مفتعلاً حركة ما، لها دلالة بالقوة وعدم الاستسلام لنفي أي حديث له علاقة بالشياب والتقدم بالعمر.
بعد أن يرفع يده اليمنى سيرد هكذا: “عادنا بعافط عشرة أفراد من أمثالك، والله ما شيبت إلا انت”، ثم سينهي رفعة يده المشدودة إما بضربها على طاولة البوفية أو على صدره المحشور بالهموم ومعاناته بسبب انقطاع الراتب.
انتفاضة عبده لإثبات القوة والكبرياء التي يعيشها الآلاف من الموظفين التي انقطعت رواتبهم. أما عبده يحاول يثبت قوته وكبريائه وشموخه وعزته وأيضا صغر سنه.
حديث الشيب سيبقى محفوظاً في ذهنية الأستاذ والموظف عبدالسلام إلى أن يعود منزله وهو مفرغ اليدين، لا رغيف ولا خضرة ولا فاكهة لأطفاله ولا أي شيء مما كان يعود به إلى أسرته قبل انقطاع راتبه قبل نقل البنك إلى عدن.
“مدرس ويعمل في الخياطة جوار طالبه”
بعد أن توقف راتب الأستاذ ناجي مدرس مادة العلوم، لجأ إلى العمل في معمل خياطة في العاصمة صنعاء، حيث يذهب صباح كل يوم لتأدية دوامه في المدرسة وإلقاء الدروس، ومع الظهيرة يعود إلى منزله وبعد تناوله وجبة الغداء يذهب للعمل في معمل خياطة في شارع القيادة.
هناك في المعمل يشتغل الأستاذ ناجي بجور أحد طلابه الذي يدرسهم في المدرسة صباحاً ويعود الإثنان للعمل في المعمل.
الاستاذ ناجي حدثني عن أن الوضع وانقطاع الرواتب هي من أجبرته على العمل جوار أحد طلابه في المعمل.
وقد أشاد الاستاذ ناجي بطالبه الذي يعمل معه، قال ان الطالب هو من دعاه للعمل داخل المعمل.
واضاف بالقول: “أن يعمل الموظف في مهنة أخرى غير التدريس لأجل توفير لقمة عيش أسرته ويدفع الإيجار ليس عيباً، العيب هو من يضع حدود بين مهنته وعمله السابقة ويبقى في منزله ينتظر الراتب التي اوقفتها حكومة هادي من عدن.
“بدائل للبقاء”
بعد ان حاصر التحالف اليمن ونقلت حكومة هادي البنك الى عدن وتوقفت رواتب جميع الموظفين في الشمال، وجد الآلاف من موظفي الدولة أنفسهم عاجزين وغير قادرين على توفير ما يسد رمق اسرهم، منهم من انتقل الى العمل في مهنة أخرى غير عمل الحكومي، وأمنهم من انتقل إلى رحمة الله بسبب المعاناة والتعب وقساوة الحياة بعد أن وجد أنفسهم ضحايا وغير قادرين على توفير أبسط سبل الحياة.
لكن أغلب الموظفين لم يبقوا في منازلهم، حيث اتجهوا للعمل في شتى المجالات والمهن المختلفة.
ستجد محمد انتقل للعمل على سيارة أجرة وآخر في محل ملابس وأستاذ ذهب يتعاقد مع مدرسة خاصة وآخر يعمل على دراجة نارية.
يقول الموظف وهيب عقلان ان “التحالف وحكومته في عدن بعد ان اوقفوا رواتبنا عشان اهداف قذره كانوا يراهنون عليها وأنها سوف تساعدهم لأجل الوصول الى صنعاء او لأجل زعزعة الوضع، وكانوا يأملون من تصاعد هذه المشكلة أن تحدث احتجاجات أو ثورة كما يعتقدون وكانوا ينتظرون اللحظة هذه بفارغ الصبر، والحمد لله لقد استوعب موظفو الدولة من هو عدوهم الأول الذي تعمّد قطع رواتبهم، ولم ينجروا خلف أكاذيب وإشاعات قنوات التحالف، وقد فشل هذا المخطط القذر الذي كانت دول التحالف تعول عليه كثيرا”.
واضاف عقلان ان الأوضاع اصبحت في صنعاء افضل من المناطق التي تقع تحت سيطرة حكومة هادي، وأن الجميع يعرف ما يعانيه الموظف في جميع المحافظات اليمنية، واشار بقوله “رغم الحصار ونقل البنك فحكومة صنعاء التزمت بصرف نصف راتب كل شهرين وهذا دليل على حرصها وأنها تحمل على عاتقها مسؤولية هموم الموظف”، مبدياً تفاؤله بأن تكون قادم الأيام أفضل من الوضع الحالي بكثير.