(تقرير) تناقص كبير في عدد الطلاب المتقدمين للعلوم الإنسانية بجامعة صنعاء
خيوط| تقرير: احمد الكمالي| متابعات – المساء برس|
تشهد أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة صنعاء انحسارًا في إقبال الطلاب المتقدمين إليها؛ حيث سجل ثلاثة طلاب فقط في قسم الفلسفة حسب إحصائية شؤون الطلاب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية لسنة 2020. المستوى المتدني في الإقبال نفسه ساد معظم أقسام العلوم الإنسانية؛ الأمر الذي قد يهدد مستقبل الدراسة في تلك الأقسام خلال الأعوام القادمة، خاصةً مع القرار الصادر من مجلس رئاسة جامعة صنعاء بشأن تجميد القبول في جميع الأقسام التي يقل عدد المتقدمين لها عن 15 طالبًا وطالبة.
إقبال متدنٍ
قسم الآثار هو الآخر سجل نتيجة إقبال متدنية بـ4 طلاب فقط، فيما سجل كلٌّ من قسمي التاريخ والجغرافيا 5 طلاب في كل منهما، و10 طلاب في قسم المكتبات والمعلومات، فيما لم يتقدم لقسم الفرنسية سوى طالب واحد، وتفاوت عدد المتقدمين في بقية الأقسام، حيث تقدم 17 طالبًا في كلٍّ من قسمي اللغة العربية والدراسات الإنسانية، 54 طالبًا في علم النفس، 62 طالبًا في قسمي علم الاجتماع واللغة الإنجليزية، 64 طالبًا في قسم الخدمة الاجتماعية.
وأرجع نائب عميد كلية الآداب لشؤون الطلاب الدكتورة سكينة هاشم في تصريح لـ”خيوط” أن إشكالية تدني الأرقام في إحصائية القبول عائدة لعدة أسباب، أبرزها: الظروف الحالية التي تشهدها البلاد، ومتطلبات سوق العمل التي تجعل الأسر تفضل دفع أبنائها نحو الأقسام العملية بشكل أكبر بالمقارنة مع الأقسام الأدبية.
وعن العراقيل التي تواجه الطلاب عند الالتحاق بالكلية والجهود التحفيزية التي تبذل لتحسين الحركة التعليمية، نفت الدكتورة سكينة “وجود أي عراقيل فنية أو إدارية تحول دون التحاق الطلاب بالكلية”، مشيرة إلى أن الجامعة قامت بالعديد من الخطوات التي ستسهم في تجويد العملية التعليمية، وأهمها انتهاء الجامعة سنة 2020، من عملية توصيف المناهج والبرامج والمواد الدراسية لجميع الكليات، التي لم يشهد معظمها أي تطوير أو تحديث منذ إقرارها في الكليات، ومنها كلية الآداب.
عراقيل ومعوقات
عبدالله عبدالسلام، طالب في قسم التاريخ مستوى ثالث، يقول: “عند التحاقي بقسم التاريخ واجهتني الكثير من المواقف والعراقيل المثبطة التي كادت أن تصرفني عن مواصلة الدراسة في هذا التخصص، منها الأسئلة التي طرحت أمامي من معظم الذين صادفتهم في محيطي عن جدوى دراستي وتخرجي من هذا القسم وانعكاسه على إنجازاتي الشخصية، بالإضافة إلى تفاجئي أن عدد زملائي في القسم لا يتجاوز العشرة طلاب”.
ويشير عبدالله في حديثه لـ”خيوط”، أنه استطاع تجاوز تلك العراقيل وواصل مشواره الأكاديمي بسبب إيمانه بأهمية القسم الذي التحق به والتشجيع الذي تلقاه من أحد أقربائه، داعيًا الدولة إلى عدم الاستمرار في تهميش الاهتمام بالدراسات الإنسانية، ومعربًا عن تخوفه من صحة التسريبات التي تحدثت عن قرار مجلس جامعة صنعاء “بتعليق الدراسة في الأقسام الإنسانية لكون عدد المتقدمين إليها أقل من 15 طالبًا”، وواصفًا القرار إذا صح بـ”الكارثي”.
قرار إغلاق
حول صحة القرار الصادر من رئاسة مجلس جامعة صنعاء، يؤكد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتور عبدالملك عيسى لـ”خيوط” صحة القرار دون أن يضيف أي تفصيل، مؤكدًا أنه ليس مخولًا بإعطائنا المزيد من المعلومات حول الموضوع، بحسب قوله. وفي تصريح لـ”خيوط” أوضح نائب رئيس جامعة صنعاء لشؤون الطلاب الدكتور محمد شكري، أن “القرار لا يستهدف أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية فقط، وإنما جميع الأقسام التي يقل فيها عدد الإقبال للالتحاق عن 15 طالبًا”، مشيرًا إلى أن القرار لا ينص على إغلاق تلك الأقسام بل تجميد القبول فيها.
جذور المشكلة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى الحرب الأيديولوجية التي مورست ضد هذه العلوم المعرفية في فترة الثمانينيات، بالإضافة إلى فلسفة التعليم في اليمن التي تعزز من تحريم العلوم الإنسانية
وبيّن د. شكري أن مجلس رئاسة الجامعة شكل لجنة خاصة لدراسة هذا القرار برئاسته، وتباحث مع الأقسام المعنية لتحديد الأسباب وطرح المعالجات التي ستتخذ على ضوء ذلك.
وقال شكري إن “المقترحات المطروحة ستكون بتشجيع الطلاب على الالتحاق بتلك الأقسام، أو دمج المتشابهة منها بين كليتي التربية والآداب مثلًا”.
من جهته قال، أستاذ النظم السياسية والقانون الدستوري في جامعة صنعاء، د.أمين الغيش إن “لمجلس الكليات الحق في تقديم اقتراحات إلى مجلس رئاسة الجامعة لإضافة أو إزالة أو تحديث أي من أقسامه، حسب ما تخوله صلاحياته الواسعة في اللائحة التنظيمية للجامعة”، ونوّه إلى أن ذلك لا يحرم أي جهة أو شريحة من حقها الدستوري والقانوني في مقاضاة الجامعة في حال ما رأت أن أي من قرارات الجامعة يضر بمصالحها.
ارتداد نحو الماضي
“لا يوجد طلب لخريجي أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية في سوق العمل إلا بنسبة ضئيلة، سواء بالقطاعات العامة أو الخاصة”، هكذا علقت الطالبة المتخرجة من قسم علم الاجتماع أمة السلام الجعدبي، معلقةً على سبب عزوف الطلاب عن الالتحاق بأقسام العلوم الإنسانية.
كما أجمع عدد من الطلاب والباحثين أن سبب ضعف تدفق دماء جديدة لتدعيم أقسام الدراسات الإنسانية والاجتماعية كل عام، هو انعدام فرص العمل أمام خريجي تلك الأقسام كسبب جوهري، إذ يرى الباحث محمد ناجي أحمد أن “جذور المشكلة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى الحرب الأيديولوجية التي مورست ضد هذه العلوم المعرفية في فترة الثمانينيات، بالإضافة إلى فلسفة التعليم في اليمن التي تعزز من تحريم العلوم الإنسانية، كما حرمت الدراسة في قسم الفلسفة ودعت لإغلاقه وقتها”، مشيرًا إلى أنه “في العقد الأخير صار هنالك ردة نحو الماضي كزمن ثقافي سيطر على العقول؛ العودة للأعشاب، والعلاج بالقرآن، والإيمان بالغيبيات الذي تضخم على حساب المسؤولية الإنسانية”.
ويؤكد ناجي لـ”خيوط” أن “الحروب وتآكل الجغرافيا الوحدوية، والاعتياش على الاقتتال البيني، وهجرة العقول إلى الخارج، واستقالة العقل لصالح هيمنة الخرافة، وكذا المخرجات التعليمية طيلة العقدين الأخيرين، قد دفعت بالطلاب للتوجه نحو تخصصات نقدية يستطيعون فهمها، بدلًا من التخصصات الإنسانية والاجتماعية التي لا تتناسب مع وعيهم ولا تحصيلهم العلمي شديد التواضع”.