خاطف السندوتشات
عمر القاضي – وما يسطرون – المساء برس|
في أيام الدراسة ومع وقت الراحة كنت أشاهد أغلب الطلاب يقبضون في أياديهم سندوتشات، طبعا غالبيتها سندوتشات بالطماط والبصل من حق الحجة زينة. أنا لما يكون معي 5 ريالات أقفز أكاحش بين الطلاب وأصرخ بكل صوتي يا زينب يا زينب. كنت أدعوها زينب. وعرفت مؤخرا أن اسمها كان زينة وليس زينب. كانت الحجة زينة معها شغمة مواشي (كسب وغنم).
كنا عندما نخرج من المدرسة وقت الراحة نجد قطيع الكسب والغنم حق الحجة زينة أمام المدرسة. أصلا الحجة زينة تعود من مهمة رعيها للأغنام قبل موعد الراحة بدقائق لتساعد ابنها أحمد الرجل الخمسيني في الدكان. كان أحمد يترك لأمه زينة مهمة تجهيز سندوتشات الطماط مع البصل للطلاب المحتشدين خارج الدكان وقت الراحة.
ما إن كان يُقرع جرس المدرسة لإعلان وقت الراحة حتى يتقافز جميع طلاب مدرسة معاذ بن جبل في ريف تعز راكضين باتجاه دكان أحمد عبدالقادر حفظه الرب، وهناك يحتشدون بجوار الميز الخشبي
يصرخون: يا زينة.. يا زينة.. أنا قلت لك واحد روتي مع الطماط. وطالب آخر يغور بكل صوته: يا زينة أنا أعطيتك قيمة الروتي.. هاتي حقي الروتي. وطالب ثالث يحلف يمين: والله ما جبتيلي حقي الروتي والحجة زينة ترد عليه: لا تكذبش أنا ناولتك يا…، الطالب يقرح يبكي. طبعا الحجة زينة ترجع تناوله واحد سندوتش مع الطماط والبصل.
كانت الحجة زينة أحيانا من شدة الصراخ حق الطلاب لا تعير صراخهم أي اهتمام، ومهما حصل بين الطلاب جوار الميز الخشبي حق الدكان. زينة تستمر بإخراج الطماط من وسط بالدي، ثم تقوم بتقطيعها ببطء وسط صحن كبير، بينما الطلاب يستمرون يتداهفون ويتضاربون في ما بينهم ويصرخون: يا زينة.. يا زينة. والحجة زينة والله ما لها علاقة.
ما إن ينتهي وقت الراحة إلا وقد قضى الطلاب على كمية الطماط التي كانت وسط البالدي كلها. وما يتبقى فيه غير مياه متسخة وبقايا طماط غير صالحة للأكل، ستقوم الحجة زينة بعد عودة الطلاب إلى فصولهم بإعطائها لأغنامها التي تتواجد جوار المدرسة. أما ابنها أحمد فكان يقف في الجهة الأخرى من الدكان حيث تتواجد الأشياء الثمينة داخل خانات خشبية، سندوتشات الجبن والطحينية والجام والمواد الأخرى التي لا علاقة للحجة زينة ببيعها.
أيام كثيرة كانت تمر عليَّ وأنا بدون مصروف، وبدل ما أظل أشاهد الطلاب الذين كانوا ميسوري الحال وهم يتناولون سندوتشاتهم بعنف، أنا أعترف لكم أننا وقتها لم أقف مكتوف اليدين، ولم أستسلم لمشهد ظالم كهذا، تغيب فيه عدالة تقسيم سندوتشات الطماط بين الطلاب. ما الذي سيفعله طالب يشبهني كثيرا يعطفه الجوع أثناء الراحة وهو يشاهد طلاباً يلتهمون أقراص الروتي الممتلئة بشرائح الطماط والبصل مع ملح اليود.
مشهد محزن على إثره كنت أنتقل مباشرة إلى خطف السندوتشات من أيادي الطالبات والطلاب والفرار والاختفاء بين زحمة الطلاب. أحيانا كان ضميري يؤنبني وأعيد نصف السندوتش لصاحبه. وأحياناً ألتهم الطماط وأعيد الروتي فارغا لصاحبه. وأحيانا لا أعيد شيئاً لصاحبه، كانت طريقة غير مجدية لإشباع رغبة جائع يقطع مسافة طويلة يوميا للوصول إلى المدرسة.
هذه العملية أحيانا كنت أدفع مقابلها ما أناله من الضرب المبرح من الأشقاء الكبار للضحايا الذين أخطف سندوتشاتهم. وأحيانا أبقى أعيش تأنيب ضمير، وبالذات عندما أختطف سندوتش من أيادي طلاب فقراء وبؤساء أكثر مني. بعد أن خطفت سندوتشاتهم وحاولوا يلاحقوني وعجزوا، وبالأخير يستسلمون للبكاء. أعود إلى الضحية وقد التهمت السندوتش حقه فأشاهد الدموع تنزل من عيونه، وقتها أشعر بحجم الكارثة التي تسببت بها. وأقول يا ليتني ما أخذت سندوتش زميلي سهيل الجائع والفقير.
المصدر: مقال منشور للكاتب في صحيفة (لا) الأسبوعية