قراءة تحليلية لخطاب هادي الأخير بعد تعثر اتفاق الرياض وسقوط سقطرى
خاص – المساء برس|
أتى خطاب الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي مخيباً لآمال من كانوا لا يزالون يعولون عليه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سلطة الشرعية ومصالح شخوصها المرتبطة ببقاء هذه السلطة.
بدا من الواضح أن السعودية اختلفت مع الإمارات بعد تسليم سقطرى لها، فالأخيرة افتتحت شهيتها أكبر بعد سقطرى لتحط أنظارها إلى إكمال المشوار وهو ما نراه اليوم في حضرموت، في حين كان الاتفاق بين الرياض وأبوظبي أن تسلم سقطرى للإمارات بمقابل حصول السعودية على استحقاقات أخرى تتعلق بعدن وانتشار قوات هادي، لكن فيما يبدو أن الإمارات انقلبت على اتفاقها مع الرياض، وهو ما جعل الأخيرة تدفع بهادي لإصدار خطاب صاغته بعناية بحيث لا يتعرض للإمارات بأي إشارة أو اتهام للحفاظ على بقائها في التحالف من ناحية وبحيث تبدي فيه الرياض تمسكها باستمرار سيطرتها على عدن وقرارها ورفض أي تعديل في اتفاق الرياض قبل أن يتم تشكيل حكومة يضمن للسعودية بقاء هيمنتها على الجنوب.
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الإصلاح خروج هادي بخطاب يدين بشكل صريح المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات كداعم رئيس لما فعله الانتقالي في سقطرى، هذا إن لم يكن الإصلاح ينتظر – أساساً – ولو تلميحاً بدور سعودي خفي فيما حدث، لكن خطاب هادي لم يتعرض لا للإمارات ولا للسعودية ولم ينتقد بشدة الانتقالي.
يرى مراقبون إن خطاب هادي كان إعلاناً بانتهاء دوره ونقل صلاحياته للتحالف السعودي، وذلك ما يتبين من خلال إعلانه الالتزام التام بوقف إطلاق النار في أبين وإعلان أنه وجه لقواته بتنفيذ ذلك، وهو بذلك يثبت أنه فعلاً خضع لضغوط سعودية أجبرته على هذا الإعلان على الرغم من أن الانتقالي لم يوفِ بالاستحقاقات المطلوبة منه.
بل على العكس من ذلك يثبت خطاب هادي خصوصاً في فقرة أبين أن الرجل ثبت الوضع الجديد في الجنوب وثبت سيطرة الانتقالي ومن خلفه الإمارات على جزيرة سقطرى، حتى وإن تضمن خطابه التنديد بما حدث في الجزيرة واعتبار ذلك تمرداً آخر على الشرعية، إلا أن إعلان توجيهه بوقف إطلاق النار في أبين لقواته يعني القبول بتثبيت المستجدات على حالها، ورغم ذلك فإن ما تضمنه خطاب هادي لا يعني أنه بات في صف الإمارات أو الانتقالي، إذ أن مجرد تمسكه باتفاق الرياض يعني أن الرياض هي متمسكة باتفاق الرياض ولا تقبل بأي تعديل فيه مالم يضمن هذا التعديل بقاء الجنوب تحت سيطرتها مع الاحتفاظ للإمارات بمصالحها التي لا تسلب السعودية نفوذها جنوب اليمن.
جانب آخر من خطاب هادي يثبت أن السعودية التي أشرفت على صياغة الكلمة ومراجعتها وفق ما تسرب من مكتب هادي لوسائل الإعلام ومنها قناة الجزيرة، أرادت استمرار سيطرتها على عدن وهيمنتها على القرار السيادي لسلطة هادي لضمان كبح جماح ولي عهد أبوظبي الذي زاد جشعه وطمعه في جنوب اليمن بعد أن رأى مدى سهولة السيطرة والتحكم بقرار نظيره محمد بن سلمان الذي مكنه من السيطرة على سقطرى ولهذا لا عجب أن نجد الإمارات تعد العدة لتكرار ما فعلته في سقطرى في محافظة أخرى هي حضرموت.
ويبدو أن الرياض ترى أن أفضل طريقة لكبح جماح الإمارات هو إبقاء سيطرتها – أي الرياض – على عدن وما تبقى من محافظات جنوبية، ولتحقيق ذلك أو لضمان تنفيذه لا بد من ألا يتم تشكيل حكومة جديدة إلا بعد خروج قوات الانتقالي من عدن وأهم المناطق التي يسيطر عليها في الجنوب، في حين ترى أبوظبي أن خروج القوات الموالية لها قبل تشكيل الحكومة يعني إحكام الرياض قبضتها على الجنوب وانتزاع ما باتت الإمارات تملكه من نفوذ وصلاحيات في أكثر من محافظة.
من الواضح أن هناك أزمة ثقة بين الرياض وأبوظبي فلا يثق كل منهما في الآخر على الرغم من نفوذ بن زايد وتأثيره على قرارات محمد بن سلمان إلا أن أزمة الثقة لا تزال موجودة وبقوة.
فتحركات الإمارات في حضرموت قلبت الأمور رأساً على عقب بعد أن كانت أبوظبي والرياض متفقتان سرياً إلى ما بعد سقوط سقطرى.
ويبدو اليوم أن الرياض لم يعد أمامها خيارات متعددة لاستخدامها فإما استئناف مواجهة الإمارات وأدواتها وذلك باستخدام الإصلاح وقوات هادي – لكن ذلك لن يحدث إلا بثمن سيدفعه هادي في الشمال، أو أن تستسلم الرياض ومن معها من أدوات لرغبة أبوظبي وهو ما يعني إنهاء النفوذ السعودي جنوب اليمن وللأبد والقبول بما تمنحه أبوظبي للرياض من مصالح والذي فيما يبدو لن يتعدى السماح لها بتمرير أنبوبها النفطي عبر المهرة فقط فيما دون ذلك سيبقى تحت الوصاية الإماراتية.