بن لزرق يكتب عن حال عدن في الذكرى الخامسة لـ”تحريرها”
فتحي بن لزرق – وما يسطرون – المساء برس|
في الذكرى الخامسة لتحرير “عدن” من قبضة الحوثيين فتشت في كتبي ودفاتري لبصيص أمل لكي اُشير إليه في هذه الذكرى فلم أجد.
سرت على الطريق الرابط بين المنصورة والبريقة هذا المساء وطوال الطريق كان هاتفي يرن معلنا وصول مقالات كثيرة لمسئولين وقيادات وشخصيات بارزة وتغريدات تمجد هذا الحدث العظيم .
استجمعت كل قواي لكي اكتب لكنني عجزت ان اكتب حرفا واحدا بهذه المناسبة .
تذكرت كل أسماء القيادات التي شاركت في صناعة هذا الحدث العظيم ، اتصلت على ماتبقى من أرقام هواتفها المحلية لكنها كانت جميعها مغلقة .
حثثت الخطى كمجنون إلى أمام منازلهم الأقرب فالأقرب ، اشحذ ذكرى قديمة ، كانت الأبواب موصدة والرياح تسوق ماتبقى من اثر وذكريات .
سألت الطرقات عن العميد علي ناصر هادي ونايف البكري واحمد سيف اليافعي والشيخ سالم المرقشي ومارم وفضل حسن والادريسي والرباش والبوكري وامجد والراوي واديب وابو مشعل وابو همام والزامكي وقائمة طويلة من الأسماء لاتعد ولاتحصى..
قلت لها :” أين الرفاق الذين وحدتهم المتارس؟
قالت:” مروا من هنا رُحِلوا ورحلوا وارتلحوا وفرقهم الغريب.
تذكرت لقائي بقيادي جنوبي كبير قبل أكثر من عام في مصر .
كان السؤال الذي أشعل تلابيب فكري لسنوات طويلة :” كيف أضاع الرفاق وطنا .
جلست في مواجهته وسألته :” ما الذي حدث..؟
قال :” ابتلعنا رفاقنا وابتلعنا من رافقونا لاحقا..
كان الحديث يومها طريا عن أحداث عدن الأخيرة .
صمت قليلا، ثم أردف:”وهؤلاء اليوم يسيرون على نفس خطانا وأخطائنا”.
في مكتبي جلست واستجمعت ماتبقى من قوى وقررت ان اكتب عن انتصار عدن العظيم كانت الكهرباء مطفئة والحر شديد والأماني ضائعة والخوف كبير ورسائل موت الناس في المستشفيات تأتي تباعا.
وددت ان اكتب لكنني تذكرت ان أبطال هذه الملحمة التاريخية لاوجود لهم فلمن سنكتب؟ .
يكتب المحبون لحبيب قد يأتي أو غائب قد يعود.
ويكتب المنتظرون لمسافر ستجره خطى الأيام.
وفي عدن لمن تكتب؟
فجعفر اغتيل ونايف مشرد ومن تبقى من الرفاق وجهوا البنادق إلى صدور بعضهم .
لم يتبقى أحدا، منهم من اغتيل ومنهم من ابتلعته السجون ومنهم من شُرد بعيدا عن دياره .
وددت ان اكتب عن الانتصار فتذكرت ان عدن منذ خمس سنوات لم تُرفع فيها حجرا واحدة مما دمرته الحرب.
فعن ماذا اكتب؟
ووسط الظلام طاردت الأحرف لكي اكتب فتذكرت ان عدن ومنذ 5 سنوات غارقة في الظلام والحر والجوع والخوف وان الوعود بدبي جديدة ذهبت أدراج الرياح .
وددت ان اكتب عن الأماني الكبيرة والأحلام العظيمة فتذكرت أنهم لم يهبوا لنا إلا السلاح والموت وقالوا هاكم الموت اقتلوا بعضكم .
والموت لايصنع الحياة.
الموت لايصنع إلا السواد والعتمة.
وفي المحيط عتمة غطت على كل شيء..!
وفي القلب “غصة”.
وددت ان اكتب عن الطريق الذي سرت فيه هذا المساء طويلا فتذكرت انه لايزال محطما وأننا لازلنا نسير على طريق صالح ومشاريعه.
وددت ان اكتب وأقول شكرا للتحالف شكرا للحكومة فتذكرت ان عدن وأهلها وكل اليمن منذ خمس سنوات يموتون بلا صوت ولا شكوى إلا لغير الله .
وليست وحدها من تموت ..
هذا الوطن بأجمعه يحتضر..!
وددت ان أقول إننا انتصرنا لكنني تذكرت ان الناس بلا رواتب حتى اليوم وان الناس تموت من الجوع والحرب والحر والأوبئة فكسرت سن قلمي وقلت لأحرف كلماتي موعدنا غدا.
وغدا سنكتب عن النصر حينما يعود أهله وصانعوه.
سنكتب حينما تقول المستشفيات أنها افتقدت إلى مرضاها والكهرباء إلى انطفائتها وزحام البريد إلى متقاعديه والأفواه لجوعها.
ذات يوم سنكتب ..
لكن ليس اليوم ..
المصدر: من حائط الكاتب على حسابه بالفيس بوك