باختصار.. هذا ما تريده صنعاء من الرياض حالياً (تقرير بتفاصيل لم تُنشر من قبل)
تقرير خاص – المساء برس|
إما أنها مفارقة القدر، أو عدالة السماء بين سكان الأرض، ففي 26 مارس 2015 تقصف السعودية العاصمة اليمنية صنعاء في حين تبقى الأخيرة عاجزة عن الرد، وفي 28 مارس 2020 تقصف اليمن العاصمة السعودية الرياض في حين تعجز الأخيرة عن الرد.
ما الذي حدث وكيف ولماذا انقلبت الموازين؟، هذا ما يكشفه مسار الأحداث خلال خمسة أعوام من الحرب والحصار على اليمن، بدءاً من مسألة مدى وجود مشروعية لهذه الحرب وليس انتهاءً بأسلوب وتفاصيل الأسلحة المستخدمة والأهداف التي ضربها التحالف بأكثر من 257 ألف غارة جوية على مدى الخمسة الأعوام الماضية، وانتهاءً بقدرة الحوثيين على مواجهة التحالف بدءاً بإعادة تشكيل الجيش اليمني والاستعانة بالحشد القبلي – الذي يتصدر مشهد المواجهة مع العدو الخارجي على مدى مراحل التاريخ – مروراً بالتكيف مع الوضع الجديد “حصار خانق وسلاح شبه مدمر ومعطل وانهيار اقتصادي” وتخطيط لبناء دولة وجيش وتصنيع أسلحة ردع تستطيع قلب الموازين العسكرية ولو بعد 3 أو 4 أو 5 أعوام، ومن يعرف فربما – بل من المؤكد – بأنه لا يزال هناك ماهو أكبر وأكثر مما نراه اليوم من موازين عسكرية وسياسية جديدة مختلفة تماماً عما كان عليه الوضع في 2015.
العملية العسكرية الأخيرة (أكبر من عملية أرامكو في سبتمبر الماضي)
اليوم يعلن العميد يحيى سريع المتحدث باسم الجيش اليمني التابع لحكومة صنعاء عن تنفيذ أكبر عملية عسكرية نوعية تستهدف العمق السعودي بداية العام السادس من الحرب على اليمن، ولم تكشف صنعاء عن طبيعة الأهداف التي ضربتها لكنها فضلت تسميتها بـ”أهداف حساسة” داخل العاصمة الرياض وهذا بالنسبة للعملية الأولى التي استُخدمت فيها عدداً من الصواريخ الباليستية من طراز (ذو الفقار) وسلاح الجو المسير بطائرات من طراز (صماد3) محلية الصنع.
أما العملية الثانية التي تمت في نفس التوقيت مساء أمس السبت، فقد ضربت فيها صنعاء عدداً من الأهداف الاقتصادية والعسكرية في كل من جيزان ونجران وعسير بعدد كبير من صواريخ بدر الباليستية محلية الصنع وطائرات قاصف K2.
ذلك يعني أن الأهداف الحساسة ليست عسكرية ولا اقتصادية، فما هي طبيعة هذه الأهداف الحساسة التي ضربتها صنعاء ولم تكشف عنها حتى الآن؟ وتتكتم عليها الرياض وتفضّل صنعاء عدم الإفصاح عنها لعدم إحراج الرياض أكثر؟
“المساء برس” حصل على معلومات موثوقة جداً بأن العملية العسكرية الأخيرة لصنعاء داخل العمق السعودي كانت أكبر من عملية أرامكو التي استهدفت منشئاتها في بقيق وخريص شرق الرياض في سبتمبر العام الماضي والتي أدت لتوقف نصف الإنتاج السعودي من النفط والغاز لعدة أشهر.
اليمن تتحول لقوة إقليمية تصيغ الجغرافيا السياسية والعسكرية في المنطقة
في تصريح للمحلل السياسي والمفكر الاستراتيجي اللبناني ناصر قنديل بشأن دخول اليمن عامه السادس من الحرب التي يشنها التحالف، قال البرلماني اللبناني السابق إن “نحن على موعد على كل حال، مع نقلات نوعية قريبة أعدكم بها إن شاء الله خلال أسابيع أو أشهر قليلة قادمة، سيكون زمام المبادرة في الجغرافيا بيد قوى المقاومة في اليمن، لليمن التحية لقيادتها وشعبها لكن هي مثال ونموذج على مجموعة من العناصر الجديدة في صياغة الجغرافيا السياسية والعسكرية لا أقول الإقليمية فقط بل ربما الدولية بعقل انفتاحي استثنائي يستطيع الآن أن يجد جسوراً لعلاقة مع روسيا والصين اللتان تخلتا عن اليمن في محطات كثيرة لصالح المشروع الأمريكي، وبالتالي هذه العقلية والقدرة والآلية والإمكانية في فرض الحقائق والوقائع ورسم السياسات تستحق في سنتها السادسة التي تبدأ انتظار المفاجآت”.
ربما كانت العملية العسكرية التي نفذتها صنعاء على العمق السعودي يوم أمس واحدة من هذه المفاجآت التي تحدث بها قنديل، والتي وعد بها زعيم أنصار الله في آخر خطاب له بمناسبة الحدث والذي أكد أن العام السادس من الحرب سيحمل مفاجآت لا يمكن للتحالف السعودي أن يتخيلها أو تخطر في حسبانه.
توقعات
حالياً يكثر الحديث عن (الإعلان الرسمي وبشكل صريح من قبل التحالف لوقف الحرب) صدرت هذه العبارة أكثر من مرة على لسان قيادات بجماعة أنصار الله وسلطة صنعاء خلال الأيام القليلة الماضية، منها يرى مراقبون إن ثمة رسائل أوصلتها الرياض لصنعاء تتضمن وقف الحرب أو وعوداً بذلك، وربما أيضاً قد يكون هناك تخفيض كبير في عدد العمليات العسكرية للتحالف في الداخل اليمني من باب إثبات حسن النية أمام صنعاء، لكن تكرار الأخيرة لعبارة (الإعلان بشكل رسمي وصريح) يعني أن صنعاء تريد من التحالف ليس فقط وعوداً بوقف الحرب أو تخفيضاً في عدد الغارات أو حتى وقفاً لها بشكل سري، بل تريد إعلاناً صريحاً وبشكل رسمي من التحالف بانتهاء عملياتها العسكرية في اليمن كون ذلك هو ما يضمن لصنعاء عدم التدخل العسكري الأجنبي مرة أخرى في اليمن، باختصار تريد صنعاء أن تضع الرياض ومن خلفها من متحالفين دوليين، أمام التزام عالمي بأنها أوقفت عملياتها العسكرية في اليمن وذلك ما سيمنعها أو سيجعلها في موقف المدان إذا أعادت قصف اليمن من جديد.
محاولة سعودية أخيرة
مع انتشار جائحة كورونا عالمياً أطل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بمخاطبة طرفي الصراع في اليمن بوقف الأعمال العسكرية بسبب فيروس كورونا الذي يتطلب مواجهته، قبل ذلك بيومين كان عضو المجلس الرئاسي في صنعاء محمد علي الحوثي قد طلب من المبعوث الأممي الدعوة لوقف الحرب بسبب كورونا، وبعد إعلان غريفيث سارعت صنعاء إلى الاستجابة وأصدرت بياناً رسمياً رحبت فيه بدعوة المبعوث وأكدت التزامها بالتنفيذ مع التأكيد على أنها سترد على أي اعتداء من التحالف، لكن الطرف الآخر الممثل بـ”التحالف السعودي” ظل صامتاً ولم يعلق على دعوة غريفيث، وبعد يومين من تصريح المبعوث الدولي دفعت الرياض بحكومة هادي إلى إصدار بيان ترحيبي بوقف القتال، ولأن المجتمع الدولي ومنه الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن كانوا ينتظرون موقفاً رسمياً يصدر من التحالف نفسه إزاء دعوة غريفيث، اكتفى التحالف بإصدار تصريح مقتضب قال فيه إنه “يرحب بترحيب” حكومة الشرعية لدعوة المبعوث لوقف القتال، ولعل العبارات المطاطية للتحالف هي ما أزعجت سلطات صنعاء التي كررت على لسان قياداتها عبارة (إعلان واضح وصريح ورسمي بوقف الحرب).
اليوم ربما تحاول السعودية للمرة الثانية أن تبلغ صنعاء أنها جاهزة لوقف الحرب لكنها لن تعلن عن ذلك بنفسها، وهو ما يُفسر إعلان حكومة “الشرعية” للمرة الثانية أنها “ترحب بدعوة المبعوث الأممي لوقف إطلاق النار بشكل شامل والاتفاق على منع انتشار فيروس كورونا” هذا الإعلان جاء مساء اليوم الأحد أي بعد أقل من 24 ساعة من استهداف صنعاء للرياض وجميع المناطق الجنوبية للسعودية، ومن غير المستبعد أن تكون هذه محاولة سعودية أخيرة لإقناع صنعاء بأنها تريد وقف الحرب لكنها لا تزال غير مقتنعة بالإعلان بشكل رسمي وباسم التحالف وليس باسم الشرعية، وهو ما يعني أن الرياض تريد إبقاء خط رجعة لاستئناف ضرب اليمن من جديد بعد انتهاء أزمة كورونا العالمية.