من الذي دمّر الأسطول الجوي الحربي لليمن.. وكيف ضُربت المنظومة العسكرية اليمنية؟ “تقرير”
-
المساء برس – تقرير: يحيى محمد|
خطة من شقين “استهداف مادي ومعنوي”.. هكذا خططت ونفذت واشنطن عملية ضرب المنظومة العسكرية اليمنية
مشاهد توثيق تدمير صواريخ الدفاع الجوي من قبل الأمريكان 2005 أكملت حلقة تفكيك القوة العسكرية لليمن ورفعت غطاء السرية عن أحداث السبعين والعرضي وتدمير الأسطول الجوي الحربي
يمكن القول إن حلقة استهداف الجيش اليمني وضرب المنظومة العسكرية لليمن قد اكتملت واتضحت معالمها بعد أن كانت مجرد أحداث هنا وهناك تفصلها عن بعضها مدداً زمنية متفاوتة.
هذه الأحداث التي كان يتم تفسيرها أنها حدثت من قبيل الصدفة وأن اعتبار حدوثها يأتي في سياق مؤامرة خارجية كان أمراً مبالغاً فيه، تبين اليوم أنها كانت جميعاً تحدث بترتيب وتوقيت وتنسيق خارجي بشكل مدروس وتدريجي، وجميعها كان يقف خلفها طرف واحد هي الولايات المتحدة الأمريكية.
الحلقة الأخيرة التي أكملت سلسلة مؤامرة ضرب وتدمير الترسانة العسكرية اليمنية من سلاح وجيش ومن الناحيتين المادية والمعنوية، كانت المشاهد التي بثتها القنوات التلفزيونية اليمنية والتي عُثر عليها في أرشيف إحدى أجهزة الأمن اليمنية في صنعاء والتي وثقت بالصوت والصورة عملية تدمير صواريخ الدفاع الجوي التي كان يملكها اليمن بأمر مباشر من واشنطن وتنفيذ مشترك بين البنتاغون الأمريكي “وزارة الدفاع” وما كان يعرف سابقاً بجهاز الأمن القومي اليمني والذي كان يفترض أن يُطلق عليه اسم “جهاز ضرب وتهديد الأمن القومي لليمن” بقيادة عمار محمد صالح شقيق علي عبدالله صالح.
البداية
سنعتبر أن بداية تدمير واشنطن للمنظومة العسكرية لليمن كانت من بعد العام 2000، في هذا التوقيت شرعت واشنطن بإنشاء جهاز الأمن القومي في اليمن، وهنا يتساءل خبراء عسكريون: أي نظام غبيّ هذا الذي يقبل على نفسه أن تأتي دولة أجنبية وتقوم بإنشاء أكبر وأهم وأخطر الأجهزة الأمنية السرية، ألم يكن “صالح” يعرف ما هي طبيعة ومهمة أكبر وأهم أجهزة الاستخبارات في أي بلد؟!، وفي حال خاض نظام الرئيس صالح حرباً من أي شكل من أشكال الحروب مع أي دولة أجنبية تربطها مع واشنطن علاقات قوية جداً فكيف سيتعامل هذا النظام مع المعلومات المخابراتية المتعلقة بالعدو والتي تأتي من جهازه الاستخباري الذي أنشأته واشنطن التي يفترض أنها صاحبة علاقات قوية مع هذه الدولة الأجنبية “العدو”؟!، هل كان صالح يستخف باليمنيين بهذه المهزلة أم يستغل طيبتهم وعفويتهم؟!.
المهمة الأولى للبنتاجون في اليمن بعد إنشاء “جهاز تهديد وضرب الأمن القومي لليمن”
عام 2005 وجهت واشنطن نظام صنعاء بضرورة التخلص من الترسانة العسكرية لليمن، بحجة أن اليمن لا يحتاج إلى هذا الكم من السلاح، وبحجة أن العالم قد تغير وأننا في عصر السلام وأن هذه الترسانة لم يعد منها أي فائدة لأن الأسلحة قد تطورت وأن ما لدينا من ترسانة لا يمكنها التصدي لأنظمة الأسلحة المتطورة، والأفضل أن تتخلصوا من هذه الترسانة.
كان المبرر الآخر لواشنطن لتدمير هذه المنظومة هو مزاعم الخوف من وقوعها في أيدي عناصر التنظيمات الإرهابية، تلك التنظيمات التي كانت صنيعة المخابرات الأمريكية ومبررها لفرض تواجد عسكري أمريكي على أي بلد تريده واشنطن.
استجاب نظام صالح للطلب الأمريكي وباشر بالتنفيذ، لكن واشنطن لم تكتفِ بذلك فقررت أن تشرف بنفسها على تدمير هذا السلاح، وبدأت بتدمير صواريخ الدفاع الجوي، هنا أصبحت اليمن بفضل نظام صالح عاجزة بشكل شبه كلي عن التصدي لأي هجوم جوي خارجي على اليمن، وأصبحت أي طائرة حربية تابعة لأي دولة أجنبية قادرة على اختراق الأجواء اليمنية وضرب أي هدف تريد ثم تغادر المنطقة دون أن يعترضها شيء.
خطة واشنطن لتدمير الأسطول الجوي الحربي
يبدو أن العام 2005 كان العام الذي بدأت فيه واشنطن خطتها لتدمير المنظومة العسكرية اليمنية، وهذا ما يتبين من خلال الاطلاع على تفاصيل تدمير الأسطول الجوي الحربي للجيش اليمني والذي بُدء بتنفيذه بالتزامن مع تدمير منظومة الدفاع الجوي، فمنذ عام 2005 وحتى العام 2013 لم يخلُ عام واحد من وقوع حادثة سقوط الطائرات الخاصة بالأسطول الجوي الحربي لليمن، كما أن بعض الأعوام قد شهدت سقوط أكثر من طائرة مثل الأعوام 2005 الذي سقطت فيه 4 طائرات و2006 وسقطت فيه 3 طائرات و2009 وسقطت فيه 3 طائرات.
لكن خطة واشنطن لتدمير الأسطول الجوي تم تعديلها منذ العام 2011 فما فوق، حيث شهدت هذه الفترة سقوط أكبر عدد من الطائرات الحربية اليمنية، ففي العام 2011 فقط وقعت 8 حوادث إسقاط طائرات عسكرية في أماكن مختلفة.
وقبل 2011 لم تكن الصورة واضحة بشكل كبير، حيث كان يُعتقد أن تساقط الطائرات اليمنية سببه الإهمال وعدم الصيانة، وفي عهد هادي – وعلى الرغم من أن عدد الطائرات التي تتساقط هنا وهناك زاد بشكل كبير لدرجة أنه خلال 4 أشهر فقط سقطت 4 طائرات – إلا أن الرأي العام حينها كان منشغلاً بمتابعة مجريات مؤتمر الحوار الوطني بين الأطراف السياسية اليمنية، ولم يكن متنبهاً لكون ما يحدث هو استهداف مدروس وممنهج لتدمير الجيش اليمني وترسانته العسكرية بما فيها الاسطول الجوي الذي كان يتم تدميره بوتيرة متسارعة، في تلك الفترة.
وخلال تسع سنوات فقط دمرت واشنطن وبإشراف مباشر منها وتنفيذ مشترك مع من كانوا يعملون في نظام صالح واستمروا في العمل في نظام هادي، دمرت واشنطن أكثر من 27 طائرة عسكرية ما بين (حربية ونقل عسكري ومروحيات عمودية)، كما خسرت اليمن خلال هذه الفترة 16 طياراً ومساعد طيار و23 مدرباً وفنياً وملاحاً.
وبدأت واشنطن بتدمير الأسطول الجوي لليمن من خلال تعطيل أجزاء داخلية لدى معظم الطائرات الحربية، وهو الأمر الذي أدى إلى تساقط هذه الطائرات أثناء تنفيذها مهمات تدريبية اعتيادية.
رغبة أمريكية بإفراغ اليمن من المعدات الروسية العسكرية
إن العدد الأكبر من الأسطول الجوي اليمني هو ما كانت تمتلكه جنوب اليمن قبل إعادة الوحدة والذي حصلت عليه من الاتحاد السوفيتي، وهنا يبدو السبب منطقياً من دوافع واشنطن لتدمير الأسطول الجوي اليمني، فواشنطن لها استراتيجية تسليحية مع الدول التي تعتبرها تابعة لها وخاضعة لنفوذها وهي أن هذه الدول لا يجب أن تمتلك أسلحة روسية أو تستمر في الشراء من روسيا وما لديها من أسلحة روسية تم شراؤها من قبل يجب التخلص منها، وهذا لا يعني أن واشنطن كان هدفها من تدمير الأسطول الجوي اليمني هو دفع صنعاء لشراء طائرات أمريكية متطورة، بل إن الهدف هو إخلاء اليمن من أسطول جوي حربي أساساً، في سياق خطة ضرب المنظومة العسكرية اليمنية بشكل كامل.
التدمير المعنوي للمنظومة العسكرية اليمنية
خلال فترة تولي هادي للحكم وحتى هروبه من صنعاء في 2014، اشتغلت واشنطن على مسارين لتدمير المنظومة العسكرية لليمن.
المسار الأول تمثل في التدمير المادي للقوة العسكرية اليمنية والذي كان ممتداً منذ عهد علي صالح، والثاني تمثل بالتدمير المعنوي لروح وعقيدة الجيش اليمني من أفراد وضباط وحتى قادة، والذي دشنت واشنطن العمل عليه بعد صعود هادي للحكم.
لقد تمثل التدمير المعنوي الذي قادته واشنطن وخلاياها داخل نظام هادي للمنظومة العسكرية اليمنية بالاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية واستخبارية في معظم المحافظات اليمنية شمالاً وجنوباً.
بالإضافة إلى ذلك فقد مثلت الكمائن التي كانت تنصبها التنظيمات الإرهابية جنوب اليمن لأفراد وضباط الجيش اليمني العائدين من المعسكرات جنوب البلاد ومن ثم إعدامهم ذبحاً وتوثيق ذلك إعلامياً وتعمد نشره وتداوله على وسائل الإعلام بشكل واسع، مثلت تلك الجرائم ضربة معنوية ونفسية لبقية أفراد وضباط وقيادات الجيش اليمني في تلك الفترة من ناحية، وضربة افقدت الشعب اليمني الثقة في قدرات جيشه من ناحية ثانية.
ليس ذلك فحسب فقد كان استهداف قوات الأمن المركزي أثناء تأديتهم عروضاً عسكرية تدريبية في ميدان السبعين، يأتي في سياق مخطط الضربات المعنوية ضد المنظومة العسكرية اليمنية.
ولعل الحدث الأبرز الذي استطاعت من خلاله واشنطن تحقيق أكبر هدف لضرب المنظومة العسكرية اليمنية كان اقتحام مجموعة من الإرهابيين لمجمع العرضي العسكري (المجمع الطبي الملاصق لوزارة الدفاع) وسط العاصمة صنعاء والذي جرى فيه ارتكاب مجازر وحشية استشهد خلالها العشرات من المواطنين الأبرياء ممن كانوا يتواجدون داخل “العرضي”، هذا بالإضافة إلى الأثر النفسي والمعنوي الذي تركه هذا الحدث في نفوس وعقيدة أفراد الجيش اليمني.
لقد بلغ مستوى الانهيار المعنوي للجيش اليمني حداً كبيراً في تلك الفترة واستطاعت واشنطن أن توصل الفرد في الجيش اليمني في فترة هادي لأن ينتقل من محافظة إلى أخرى وهو يحاول قدر المستطاع أن يخفي عن الآخرين أنه رجل عسكري وينتمي للجيش اليمني وذلك خوفاً من أن يقع في كمين لعناصر تنظيم القاعدة أو أن يتم اغتياله من قبل “المسلحين المجهولين” الذين برز نشاطهم في تلك الفترة وكانت مهمتهم تصفية كوادر وشخصيات في الجهازين الأمني والعسكري.
فيما يلي تسلسل زمني لكافة حوادث سقوط الطائرات العسكرية اليمنية للفترة ما بين 2005 و2013.