“المساء برس” يسلط الضوء على صناعة أول نموذج عملي لأول سيارة يمنية الصنع بمحرك بستون واحد “دبل”
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
تمكن أحد المهندسين الهواة من إنتاج أول نموذج حقيقي وعملي جداً لأول سيارة يمنية الصنع تعمل بمحرك سعته بستون واحد فقط وسعة 250.
السيارة التي قام بصناعتها المهندس كمال عبدالله زيد وهو من أبناء مديرية همدان بمحافظة صنعاء، تعمل بمحرك بستون واحد تم إعادة تأليفه وتحويله إلى محرك “دبل 9 تعاشيق”.
“المساء برس” التقى بالمهندس كمال، الذي قام بصناعة أول نموذج لوسيلة نقل خفيفة محلية الصنع والتي أطلق عليها اسم “كمال” وهي عبارة عن نموذج مصغر من سيارات الدفع الرباعي “شاص” مزودة بصندوق خلفي قابل للحركة واستخدامه كـ”قلاب” حيث ابتكر له المهندس كمال رافعة تعمل بنظام الهيدروليك.
يقول المهندس كمال إن السيارة التي صنعها تحتوي على محرك وسبيد وإطارات تجارية مستوردة، في حين بقية مكونات السيارة من إنتاج محلي وبأدوات بسيطة جداً وليست مكلفة، وهي عملية جداً ويمكن استخدامها كسيارة عائلية أو سيارة نقل خفيفة لصغار التجار أو كسيارة تفيد المزارعين بشكل كبير خاصة وأنها تتميز بحجمها الصغير الذي يمكنها من الدخول في أماكن ضيقة والسير بسهولة في الطرق الوعرة جداً.
بالإضافة إلى ذلك فإن حجم وسعة المحرك الذي استخدمه المهندس كمال في هذه السيارة صغير ولا يستهلك كميات كبيرة من البنزين كالسيارات العادية، مؤكداً إن استهلاك البنزين يعادل استهلاك الدراجة النارية العادية، وذلك لأن محرك السيارة كان محرك دراجة نارية من الحجم الكبير ذو الثلاث عجلات وقد تم تعديل المحرك وتكييفه ليتلاءم مع باقي مكونات المحرك والاسبيد.
ويؤكد المهندس كمال إمكانية إنتاج هذا النموذج من السيارات بكميات تجارية لتغطية جزء من احتياجات السوق المحلي، حيث إن تكلفة إنتاج هذه السيارة بلغت كنموذج أول مليون ونصف المليون ريال يمني مؤكداً إن هذا المبلغ يعتبر كبيراً جداً نظراً لأن إنتاج النموذج الأول فيه الكثير من التجارب والتعديلات حتى تمكن من الوصول إلى الشكل النهائي، مشيراً إن إنتاج كميات تجارية من هذه السيارة بعد أن يتم استخدام ماكينات الخراطة العادية الخاصة بتشكيل الحديد والقوالب المعدنية سيخفض من التكلفة الإنتاجية بحيث تصبح التكلفة النهائية على أعلى تقدير هي مليون ريال فقط وهذا المبلغ هو أقل من قيمة الدراجة النارية ذو الثلاث عجلات المستوردة من الصين.
إمكانية صناعة المحركات في اليمن
السيارة “كمال” تبلغ سرعتها 60 كيلو متراً في الساعة ويمكن إنتاجها بكميات تجارية، بل إن المهندس الذي صنعها يؤكد إنها تمثل خطوة أولى نحو إنتاج اليمن لسيارات النقل الخفيفة، ليس ذلك فحسب، بل إن المهندس يؤكد إن هناك إمكانية لصناعة المحركات داخل اليمن، مضيفاً “لدينا المعدات الكاملة لإنتاج محركات الدراجات النارية والسيارة وهذه المعدات تمتلكها الدولة في المعاهد المهنية حيث يقوم الطلاب الدارسين في هذه المعاهد بالتطبيق عليها، وهذه المعدات هي عبارة عن مكائن الخراطة الموجود بعض منها في ورش الخراطة الخاصة”.
يقول كمال إنه قام بصناعة الهيكل الداخلي للسيارة ثم وباستخدام أدوات بسيطة جداً هي مقص الألواح الحديد وماكينة لحام وماكينة جلخ وجميعها أدوات يدوية صغيرة الحجم، قام بتشكيل الجسم الخارجي للسيارة من الأبواب إلى الجوانب وصالون السائق والراكب والسقف وغطاء المحرك والصندوق الخلفي للسيارة، مشيراً إنه استخدم ألواح الحديد الخاصة بصناعة خزانات المياه لصناعة وتشكيل جسم السيارة.
ولم يدرس المهندس كمال الميكانيكا والهندسة في أي معهد مهني، فهو أوقف دراسته الجامعة في العام الثاني حيث كان طالباً بكلية الشريعة والقانون، واتجه بعد ذلك لممارسة هوايته وهواية والده المرحوم عبدالله زيد الذي استطاع إنتاج ماكينة خاصة لإخراج “غطاسات الآبار الارتوازية” التي تعلق داخل البئر في حال وقوع انزلاقات أرضية، يضيف كمال أيضاً أنه بدأ قبل 15 عاماً بالتفكير في صناعة نموذج مصغر لطائرة مروحية مستخدماً في ذلك إحدى محركات الدراجات النارية وقد استطاع بالفعل تحقيق ذلك.
جدوى إنتاج هذا النموذج من السيارات
يقول كمال إن الجدوى من إنتاج هذا النموذج من السيارات ذات قيمة كبيرة حيث إن تكلفة إنتاجها في حال تم الإنتاج بكميات تجارية لا تزيد عن مليون ريال يمني، وهذا السعر يعتبر مغرياً ومناسباً جداً للمستهلك اليمني.
أما من الناحية العملية فإن هذا النموذج يؤدي الخدمات ذاتها التي تؤديها أي سيارة عادية باستثناء فارق سرعة قطع المسافات، كما أنها آمنة بالنسبة للسائق الذي يقودها على خلاف المخاطر التي يتعرض لها سائق الدراجة النارية ذو الثلاث عجلات، بالإضافة إلى ذلك فإنها تعد سيارة عملية جداً بالنسبة للمزارعين الذين يعملون في مناطق وعرة أو ضيقة، كما أنها وسيلة نقل خفيفة مناسبة جداً لأصحاب المحلات الصغيرة لنقل بضائعهم.
هذه هي البداية وهذا ما استطعنا صنعه بما لدينا من إمكانات بدائية
ينتقد كمال بعض الأصوات المحبطة لأي مبتكر يمني يحاول فعل شيء أو إنتاج شيء بأيادٍ محلية، حينما بدأ المهندس يحدثنا عن السيارة التي صنعها قال “بعض الأشخاص ينزعجون حين تطلق على شيء صنعته أنت داخل بلدك بأنه صناعة محلية، أنا سأسمي هذه السيارة كما يريدون بأنها مجرد تجميع، لكني أريدهم أن يعرفوا شيئاً أساسياً وهو أن ما قمت به أنا أو ما يحاول إنتاجه وصناعته الآخرون غيري، وهم كثيرون، هو وفق قدراتنا وأدواتنا البسيطة المتاحة لدينا حالياً، الأصل أن تعرفوا أن هناك من يستطيع أن ينتج شيئاً فيه منفعة للناس ويؤدي الخدمات ذاتها التي يؤديها المنتج المستورد من الخارج”.
ويضيف المهندس كمال “لدينا ثقافة مغلوطة هي أننا نعتقد أننا لا نستطيع أن نصنع ما نحتاجه بأيدينا ولا نستطيع أن نكون كالغربيين الذين ينتجون آلاف السيارات وبمواصفات عالية وهذه الثقافة يجب أن تُلغى من قاموسنا وعلينا أن نعرف أن الأجنبي حين صنع أول سيارة كان شكلها مثل العربية اليدوية وشيئاً فشيئاً تم تطويرها حتى وصلت إلى الشكل والمواصفات التي هي عليها اليوم، وللأسف نحن هنا في اليمن يريد البعض منك أن تصنع كل شيء بنفسك أن تصنع كل قطعة في المحرك وكل قطعة في الأجزاء الكهربائية وكل شيء في هذه السيارة، ما لم فإن ما فعلته بالنسبة لهم لا يسمى صناعة محلية، وهذا خطأ.. فاليابان تستخدم في سياراتها قطعاً تقوم باستيرادها من دول أخرى وكذلك ألمانيا والولايات المتحدة تفعل الشيء ذاته”.
جميع الإمكانيات موجودة لإنشاء مصنع لإنتاج وسائل نقل خفيفة يمنية الصنع
يقول المهندس كمال إن اليمن مليئة بالمواهب والمبدعين والنوابغ في مجال الإلكترونيات والميكانيكا والخراطة، “وهذه هي الأشياء الرئيسية التي نحتاجها لإنتاج سيارات محلية الصنع من النوع الخفيف”.
هنا يقترح المهندس كمال لو أن جهة ما سواء حكومية أو خاصة “تقوم بجمع هؤلاء المبدعين داخل مصنع واحد ووفرت لهم المعدات الصناعية مثل مكائن الخراطة واللحام وتشكيل الحديد لاستطاعوا إنتاج كميات كبيرة من السيارات وليس من المستبعد أن يأتي اليوم الذي تكون فيه صناعتنا أفضل من الصناعات الغربية”.
تطوير السيارة والمحرك
يؤكد كمال إمكانية تطوير السيارة ومحركها، مشيراً أنه ليس من الضروري أن تكون السيارة ذات محرك يعمل ببستون واحد “حيث بالإمكان أن يتم صناعة محركات ببستونين أو 3 أو 4 وذلك وفقاً للطلب والاحتياج والغرض الذي ستصنع لأجله السيارة”، مضيفاً إن اختيار محرك ببستون واحد لهذه السيارة هو كنموذج فقط، ونظراً لأن حجم وسرعة السيارة لا يتطلب محركاً أكبر، “فقد اخترت هذا المحرك وقمت بتعديله ليعمل بنظام الدبل ويستطيع المستهلك استخدامه بشكل عملي ومشابه لاستخدام وإمكانات السيارات المستوردة”.
عمل مبدع وقابل للتنفيذ والتصنيع بكميات تجارية
المهندس محمد الولي وهو أحد أمهر مهندسي محركات الدراجات النارية تحدث لـ”المساء برس” إن ما قام به المهندس كمال عمل مبدع جداً، مؤكداً إن هذا المشروع يمكن تحويله لمشروع أكبر لإنتاج مثل هذه السيارات بكميات تجارية لتغطية السوق المحلية.
ويؤكد “الولي” إن إنتاج المحركات محلياً ليست مسألة صعبة أو مستحيلة “فبعدد من الأيادي الفنية اليمنية الماهرة من أمثال المهندس كمال وبماكينات خراطة يمكن إنتاج محركات لهذه السيارة أفضل في جودتها وقوتها من المحركات التي تأتي مع الدراجات النارية المستوردة من الصين”.
ويؤكد المهندس محمد الولي “إننا أمام فرصة كبيرة وقابلة للتحقق والنجاح لتحقيق اكتفاء ذاتي في مجال إنتاج محركات الدراجات النارية بل حتى محركات السيارات، فالخبرات موجودة وماكينات الخراطة وتشكيل الحديد يمكن توفيرها والأهم من ذلك أن توجه القيادة السياسية للدولة لديها نية وعازمة على دفع اليمن نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات وبالتالي لم يعد هناك من مانع أو عائق يمنع من مباشرة الإنتاج والتصنيع “.
الاحتياجات اللازمة لإنتاج سيارة يمنية
أعد المهندس كمال قائمة بالمعدات وماكينات الخراطة اللازمة لإنشاء مصنع صغير لإنتاج السيارات ومحركاتها، أبرزها “ماكينات الليتات والفرزات ومكائن السي إن سي والقوالب”، اللافت في الأمر هو تأكيد المهندس كمال أن هذه المعدات تمتلكها الدولة وهي موجودة لدى المعاهد المهنية حيث يطبق عليها الطلاب الدارسون ما يتعلمونه، يضيف كمال “بالإمكان استغلال هذه المكائن لفتح مصنع لإنتاج المحركات والسيارات”.