رئيسة قضاة أمريكا بمحكمة العدل الدولية: قرار وقف الحرب على اليمن في واشنطن واليمنيون لا يتراجعون
-
د. فاطمة أحمد رضا* – وما يسطرون – المساء برس|
حرب اليمن لم يبدأها آل سعود أو آل نهيان ولذلك ليسوا معنيين بإنهائها، قطعاً يتمنون إنهاءها ولكنهم أضعف من ذلك بكثير، فهي حرب بدأت وستنتهي من واشنطن، وبالتحديد من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الجمهوري، لقد اجتمع الجمهوريون عشية إعلانها مع سفير المملكة الجبير وقرروا إعلان الحرب، ليس لوقف المد الإيراني ولا لرفعة ومجد اليمن، بل لتخفيض المديونية النقدية الأمريكية..
معضلة الحروب في مجملها تدور حول “Summary of the situation” أي خلاصة الحرب أو المكاسب الإجمالية، أي أنه: (هل حققت الحرب أهدافها)؟؟.
في الأشهر الأولى لحرب اليمن قمت بعمل دراسة لـ(معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) وخلصت فيها الى أن حرب اليمن سوف تستمر لعشرين عاماً قادمة، وكانت دراستي مبنية على اشياء علمية وبعيدة عن السياسة، نظر لي الكثير بنظرات الدعابة واللامبالاة ولسان حالهم يقول (أصيبت بالزهايمر)، ولم يكن أحد ليتوقع بأن تزيد الحرب عن سنه واحدة فقط أو لربما ستة أشهر.
مالا يدركه الكثيرون أن في الحرب ثمة خطيئة يجب أن تقترفها وهي أن تكون طرف فيها، طرف في القتل، طرف في نزوح الملايين، طرف في تشريد الآلاف، ولذلك فحجم الكارثة يكمن بمدة الحرب، فكلما كانت المدة أطول كان الرصيد الذي تقدمه الدول المشاركه في حرب ما أثقل وأكبر.
في المقاييس العسكرية الحديثة لايوجد لقوة السلاح أي دور فعال في إنهاء أي حرب، ولا للحصار، ولا حتى لعدد الجيوش، وما يحسم الحروب عادة هي السيكولوجيا النفسية للجنود، فهتلر كان قاب قوسين من اكتساح كل جيوش العالم بعتاد كلاسيكي وعدد جيش عادي، وكذلك هولاكو امتدت جيوشه لحوالي ثلثي العالم القديم وهم حفاة عراة لايملكون سوى سيوفهم وقضية قومية يقاتلون عليها، وكذلك في الحروب الحديثة لايمكن للجيوش أن تتقدم شبراً واحداً وهي غير مقتنعه ولو 1% بمشروعية القضية.
في العام 531 للميلاد كانت أراضي واسعة من الارض اليمنية قد احتلها الأحباش ومارسوا أبشع الجرائم، ضاق اليمانيون بالوجود الأفريقي في أراضيهم، لم يكونوا بحاجة شيء سوى قائد يرفع معنوياتهم، حينها ذهب (سيف بن ذي يزن) الى الفرس، كانت مساعدات الفرس بسيطة ولم تكن سوى بمثابة دفعة معنوية للشعب الذي كافح الأحباش بعدها لسنوات استمرت مايقارب 69 عاماً من الحرب راح ضحيتها مايقارب نصف المليون رجل، وفي تلك الأيام كان هذا العدد يمثل ثلث عدد الرجال تقريباً في اليمن ومن ضمن القتلى كان (ذي يزن) نفسه بعد اغتياله بكمين مسلح من قبل الاحباش وليس كما يشاع بالسم، وتعاقب بعد “ذي يزن” ملوك واستمرت الحرب بعد موته وانتهت بطرد الاحباش في عام 599م، كانت دولة الأحباش متمكنة وتمثل إحدى اقطاب القوى في العالم القديم، وحشدوا لليمن مئات الآلاف ولم تكن الحرب سوى للحفاظ على ماء الوجه لكي لا يقال (اليمانيون هزموا الأحباش)، ولذلك فهزيمة اليمانيين صعبه وليست بالشيء السهل حتى لو كانوا يقاتلون مع الشيطان فاليمني أينما تواجد سيكون من الصعب تراجعه للخلف فعقيدتهم القبلية معقدة.
لماذا عشرون عامآ ؟
– لأن المستفيد الأكبر من حرب اليمن هو الحزب الجمهوري الأمريكي (اليمين المتطرف)، بلغت ديون الولايات المتحدة مع نهاية العام 2015 مايقارب 34 تلريون دولار، هذا الرقم في تناقص منذ بداية حرب اليمن، ففي كل عام تقوم المملكة السعودية وحلفائها بشراء مايقارب 90% من إيرادات الولايات المتحدة من الأسلحة، تبلغ ديون الولايات المتحدة حسب تقرير صندوق النقد للعام 2020 مايقارب 22 تلريون دولار، أي بنقص حوالي 12 تلريون دولار، النقص الحاد في مديونية الولايات المتحدة يرجع إلى اسباب كثيرة منها اجراءات التقشف في عهد ترامب وأسباب اقتصادية مختلفة، ولكن مما لايدع مجالاً للشك فإن الحرب الدائرة في اليمن لها عامل كبير في هذا النقص، إذا لم يكن بشكل كامل فسيكون بشكل رئيسي، فالحرب تدر المليارات كل عام على وزارة الخزانة، للأسف تجارة الحروب باتت اغلى من تجارة النفط وأغلى من جميع الموارد لأي بلد ما، أي أن الحرب لن تنتهي سوئ بانتهاء مديونية الولايات المتحدة، فالاقتصاد وحده هو الذي يبني عليه أمراء الحرب تقييماتهم في جدوى أي حرب ليس من اليوم بل منذ بداية نشوء الحياة على هذا الكوكب …. يتبع
-
* د.فاطمة أحمد رضا، هي أستاذة في القانون الدولي، وتعمل حالياً رئيسة قضاة الولايات المتحدة الأمريكية في محكمة العدل الدولية، وتقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وحالياً تعمل لدى منتدى القانون الدولي، وقبل ذلك عملت كمستشارة قانونية لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، كما كانت أستاذة القانون في الجامعة الأمريكية بواشنطن كلية الحقوق.
-
المصدر: من حائط الكاتبة على صفحتها الرسمبة بالفيس بوك