صراع إماراتي سعودي على “المخا” وجنوب الساحل الغربي لليمن
تعز – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
على السطح ظهرت مؤخراً بوادر صراع بين الرياض وأبوظبي على منطقة “المخا” جنوب غرب محافظة تعز خاصة وعلى جنوب الساحل الغربي لليمن بشكل عام، وقد بدت مؤشرات هذا الصراع جلية من خلال وسائل إعلام سعودية يقابلها ردود من وسائل الإعلام الإماراتية بالإضافة إلى وجود تحركات على الأرض من قبل الطرفين وأدواتهما المحلية.
لا يُعرف حتى اللحظة ما طبيعة الصراع بين الطرفين وما الذي تريده الرياض ولا تريده أبوظبي والعكس أيضاً، لكن الأحداث الأخيرة تنبئ بأن طرفاً يسعى لفصل المخا وما يليها من مناطق باتجاه جنوب الساحل الغربي عن محافظة تعز، هذه المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي أقصى جنوب الحديدة مروراً بالمخا ووصولاً إلى باب المندب، الهدف من فصل هذه المناطق عن تعز هو استحداث منطقة جديدة على باب المندب لا تكون تابعة لمحافظة تعز أو بالأحرة لا تكون تابعة للسلطة المحلية والعسكرية في تعز أياً كانت هذه السلطة وأياً كان انتماؤها وأياً كانت الجهة المهيمنة عليها.
حالياً تخضع تعز لهيمنة حزب الإصلاح مع وجود مناطق جغرافية تتواجد فيها جماعات أبو العباس المسلحة المدعومة والمحسوبة على الإمارات، بالإضافة إلى هذه الجماعات يوجد اللواء 35 مدرع الذي اغتيل قائده عدنان الحمادي بشكل غامض ولا تزال خيوط جريمة الاغتيال مخفية أو يُراد لها أن تُطمس وتختفي، ووفقاً للمعلومات الواردة من تعز فإن الإصلاح هو المتهم الرئيسي باغتيال الحمادي، فقد كان الرجل يمثل حجر عثرة أمام الإصلاح الذي يسعى للهيمنة على المنطقة الجنوبية الغربية لتعز والتي يتواجد فيها اللواء 35 مدرع وتتواجد فيها كتائب “أبو العباس”.
“المخا” وما يليها من مناطق “كذباب والوازعية وباب المندب” هي مناطق جغرافية سكانية تتبع محافظة تعز، ومنذ العام 2016 وحتى 2017 قادت الإمارات وحدها وتصدرت مشهد المعارك باسم “تحالف دعم الشرعية” في هذه المناطق تحديداً، وكانت قوات “الشرعية” غائبة تماماً عن أي تحركات عسكرية للتحالف في الساحل الغربي الجنوبي لليمن، واستخدمت الإمارات جماعات مسلحة من أبناء المحافظات الجنوبية معظمهم من السلفيين المتشددين وجميعهم موالون للإمارات وشكلت بهم ما سُمي “ألوية العمالقة” وتركز قتال هذه الألوية على الساحل الغربي الجنوبي وتحت قيادة مباشرة من القوات الإماراتية المشاركة ضمن التحالف السعودي.
بعد الأحداث التي شهدتها العاصمة صنعاء في ديسمبر 2017 والتي أدت إلى مقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بعد أن أعلن انشقاقه منفرداً مع عدد من ضباط الحرس الجمهوري عن سلطة صنعاء وانشقاقه عن تحالفه مع أنصار الله، تمكن نجل شقيقه طارق محمد عبدالله صالح من الهروب من صنعاء ووصل إلى مأرب ومنها إلى عدن ثم أبوظبي ثم عاد بعد ذلك إلى الساحل الغربي لينشئ معسكراً بتمويل من الإمارات في مدينة “المخا” ولم يعترف طارق صالح بحكومة عبدربه منصور هادي لكنه عمل منذ ذلك الحين كجندي يتبع الإمارات مباشرة وتحت لافتة “المعركة ضد الحوثيين” قام طارق بتجميع عدد من الجنود الذين كانوا موالين لصالح والمنخرطين ضمن قوات الحرس الجمهوري وأنشأ بهم لواءً عسكرياً بدعم مالي وتسليحي من الإمارات مباشرة، ثم بعد ذلك دمجت الإمارات ألوية العمالقة بقوات طارق صالح التي سُميت “حراس الجمهورية” ليتشكل بذلك كيان عسكري جديد يتبع الإمارات في اليمن هو “المقاومة المشتركة في الساحل الغربي”.
الإصلاح الذي يشكل 80 % من قوات الشرعية وحكومتها ومسؤوليها تنبه منذ البداية لما تريده الإمارات من الساحل الغربي لليمن، فمنذ بدايات المعركة حاول الإصلاح أن يكون موجوداً في معارك الساحل الغربي باسم قوات الشرعية، لكن الإمارات حاولت قدر المستطاع إبعاد قوات هادي والإصلاح عن هذه المعركة وقد نجحت في تحقيق ما تريد، رغم ذلك حاول الإصلاح الإبقاء على وجود عسكري بسيط في الساحل الغربي خارج سيطرة الإمارات تمثل هذا الوجود بما يُعرف حالياً بـ”المقاومة التهامية”، وبموجب القرار الذي صدر من التحالف باسم الشرعية والذي سمى الوية العمالقة وحراس الجمهورية والمقاومة التهامية بأنها تشكل “ألوية المقاومة المشتركة في الساحل الغربي” وعين عليها طارق صالح قائداً، بموجب هذا القرار فقد أصبحت المقاومة التهامية قوة عسكرية تابعة لطارق صالح الموالي للإمارات في حين تحسب هذه القوة على حزب الإصلاح.
المستجدات الأخيرة في الساحل الغربي تشير إلى أن كل طرف بدأ يلعب بالورقة التي بيده لتحقيق مصالحه، فالإصلاح بيده ورقة المقاومة التهامية والإمارات بيدها الأرض والقوة العسكرية الموالية لها وبيدها أيضاً ما تعتبرها ورقة مشرعنة لتدخلها العسكري في أي مكان في اليمن.
بالنسبة للمستجدات الأخيرة فإنها تتمثل في نشر وسائل الإعلام السعودية أخباراً ومواداً إعلامية تندد بالأوضاع المعيشية التي تسيطر عليها أدوات الإمارات، ومن ذلك على سبيل المثال نشر تقرير مصور يتحدث عن الأوضاع التي يعانيها القطاع التعليمي في مديرية المخا وكيف أن الطلاب يتلقون تعليمهم في المساجد وتحت الأشجار لعدم وجود بنية تحتية في المدينة التي يسيطر عليها طارق صالح وقواته بدعم وإشراف من الإمارات، ورغم أن التقرير وجه الاتهامات في ما هو حاصل في المخا إلى جماعة أنصار الله وسلطات صنعاء، إلا أن التقرير أغفل متعمداً الإشارة إلى أن المخا تخضع لسيطرة قوات التحالف السعودي الإماراتي باسم حكومة هادي منذ عامين، ما يعني أن في التقرير ما يشير إلى هجوم مبطن موجه ضد من يسيطرون على المخا منذ عامين ولم يقدموا لها أي شيء، كما تعمد التقرير الإشارة إلى مشاريع بسيطة قدمها مركز الملك سلمان للإغاثة في مقابل عدم ذكر أي مشروع أو أي دور للهلال الأحمر الإماراتي هناك.
مؤشر آخر يكشف وجود صراع بين الرياض وأبوظبي على فصل الساحل الغربي الجنوبي عن تعز، هو ما أصدره النائب العام بشكل مفاجئ من قرار بشأن فصل نيابة المخا عن نيابة تعز وإلحاقها بنيابة الحديدة وبعد أيام قليلة صدر قرار آخر بألغاء القرار السابق وإعادة نيابة المخا لتكون تابعة لنيابة تعز، واليوم يصدر قرار من حكومة الشرعية وتحديداً من محافظ تعز نبيل شمسان بتعيين إحدى الشخصيات المؤتمرية التي كانت متحالفة مع سلطات صنعاء حتى ديسمبر 2017 ثم انشق وانضم لحكومة الشرعية وصدر بحقه قرار ليكون مديراً لمديرية المخا، وهو ما دفع بحزب الإصلاح إلى التنديد بهذا القرار كون من تم تعيينه كان حليفاً سابقاً للحوثيين، علماً أن تنديد الإصلاح لم يكن لكون الشخص المعين حليفاً سابقاً لسلطات صنعاء وإنما لأن من تم تعيينه هو من تيار المؤتمر ومن المحتمل أن يكون من تيار طارق صالح الموالي للإمارات.
الصراع على المخا بدا جلياً أيضاً من خلال ظهور دعوات ومظاهرات نظمها المقاتلون الموالون للإصلاح في الساحل الغربي “المقاومة التهامية” ولأول يطالب مقاتلوا المقاومة التهامية بخروج طارق صالح من المخا ويجاهرون بعدم اعترافهم به كقائد لقوات المقاومة المشتركة في الساحل الغربي.
اليوم يمتد الصراع لتدفع الإمارات بطارق صالح إلى تعمد الظهور على وسائل الإعلام بخطاب موجه للإصلاح ومواليه من المقاومة التهامية وهو في الوقت ذاته موجه للسعودية أيضاً، حيث قال صالح أمام إحدى الدفع العسكرية التابعة له أثناء حفل التخرج اليوم، أن مسؤولية جبهة الساحل الغربي أصبحت بشكل كامل مسؤولية “القوات المشتركة” وهي القوات التي يقودها هو.
وقال طارق أثناء كلمته أنه تسلم كافة معسكرات التحالف سواء معسكرات القوات الإماراتية أو القوات السودانية، وأن الساحل بالكامل اصبح مسؤولية القوات المشتركة، وهو ما فُهم على أنه رسالة تهديد لقوات المقاومة التهامية التي أعلنت تمردها على طارق صالح وترفض حالياً وجوده في تهامة وترفض الاعتراف به كقائد لها.