السعودية تتجه للتصعيد بالساحل الغربي بعد توليها القيادة بدل الإمارات لتخفيف الضغط على الحدود
الأمم المتحدة استشعرت الخطر الذي يتهدد اتفاق السويد حالياً وأصدرت تحذيراً شديداً
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
تصاعدت وتيرة المواجهات المتبادلة بين قوات صنعاء وقوات التحالف السعودي الإماراتي المتواجدة في الساحل الغربي في الفترة الأخيرة خاصة بعد أن تحول جزء من قوات التحالف بالساحل إلى قيادة السعودية مباشرة بدلاً من الإمارات التي بدأت بالانسحاب تدريجياً من المخا والجزر اليمنية في البحر الأحمر وتخلت بشكل جزئي عن بعض المسلحين الذين قامت بإنشائهم خال الأعوام الماضية من الجنوبيين بقيادة الزعماء السلفيين وكذا قوات طارق صالح من أجل القتال ضد قوات صنعاء في الساحل الغربي والسيطرة على مدينة الحديدة وموانئها الاستراتيجية وأوكلت مهمة قيادتهم للسعودية.
بيان مفاجئ للأمم المتحدة
منذ انتهاء مباحثات السويد بين طرفي صنعاء والتحالف السعودي أواخر ديسمبر العام الماضي وحتى يوم أمس لم تصدر الأمم المتحدة أي بيان تحذر فيه من انهيار الاتفاق الذي أفضى إلى وقف القتال في الحديدة وتشكيل لجان رقابة أممية للإشراف على عمليات انسحاب قوات صنعاء والمسلحين التابعين للتحالف من محيط الحديدة وفق خطة تم الاتفاق عليها والقبول بها بين الطرفين رغم أن الطرف الآخر (التحالف) وافق عليها شفهياً ولم ينفذ أي خطوة على أرض الواقع على خلاف قوات صنعاء التي قررت أن تنسحب من جانب واحد من موانئ الحديدة وتسليمها للأجهزة الأمنية المختصة وخفر السواحل الموجودة هناك من قبل الحرب على اليمن.
اليوم أصدرت الأمم المتحدة بياناً حذرت فيه من انهيار اتفاق السويد، ذلك يعني – وفق مراقبين – إن هذا البيان لم يكن ليصدر لولا حصول الأمم المتحدة على معلومات وتقارير دقيقة تفيد بوجود نوايا لتصعيد عسكري قادم في الساحل الغربي قد يقود إلى انهيار الاتفاق وعودة الحرب من جديد.
وحذرت الأمم المتحدة في بيانها الذي أصدره رئيس اللجنة الأممية لمراقبة إعادة الانتشار أبهيجيت جوها، من مغبة عودة المواجهات الشاملة بين الطرفين في الحديدة، مؤكداً أن هناك تحركات وتحصينات جديدة في محافظة الحديدة، معتبراً ذلك منافياً لاتفاقات وقف إطلاق النار.
ودعا البيان الطرفين للاستمرار في الانخراط في العمل بشكل مشترك والاستمرار في العمل على آلية التهدئة وتعزيز وقف إطلاق النار، وكف أي أعمال تتناقض مع اتفاق ستوكهولم.
زيارة غريبة لغريفيث للقاء بن سلمان قبيل البيان بيومين
بيان الأمم المتحدة جاء بعد يومين فقط من لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبحث آخر تطورات الملف اليمني خاصة الجانب العسكري، حيث تحدث غريفيث مع بن سلمان بشأن أهمية الحد من العنف للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن.
وفقاً لما نشر رسمياً في صفحة المبعوث الأممي على تويتر بشأن اللقاء فإن نقاش غريفيث مع بن سلمان كان بخصوص اتفاق الرياض من جهة وأهمية الحد من العنف للتوصل إلى حل شامل من جهة ثانية، ولكن كان بالإمكان أن يصدر غريفيث بياناً يشيد فيه بالسعودية بشأن اتفاق الرياض الموقع مؤخراً بين الشرعية والانتقالي من دون الذهاب إلى الرياض بنفسه من أجل ذلك، لكن تفضيل غرفيث اللقاء ببن سلمان للحديث معه يشير إلى أن هناك موضوع يحظى بأهمية كبيرة لدى الأمم المتحدة ويتطلب ذلك اللقاء ببن سلمان ولعل ما يهم المنظمة الدولية هو استمرار التهدئة في الحديدة التي تعتبر أولوية قصوى بالنسبة للمنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في اليمن.
تصعيد في الخطاب الإعلامي للتحالف يعقبه تحركات عسكرية برية
على أرض الواقع هناك عدد من الإرهاصات التي تقود إلى أن ثمة من يحاول إشعال فتيل المواجهة في الساحل الغربي، فمنذ مطلع نوفمبر الجاري بدأت قوات التحالف في الساحل الغربي بالحديث إعلامياً عن أن هناك تصعيداً عسكرياً من قبل قوات صنعاء، وهو ما لم يحدث وفق شهادات من أبناء المحافظة ذاتها، وتزامن ذلك مع نشر إعلام التحالف وقواته بالساحل الغربي صوراً جوية لا يعرف مدى صحتها، قيل إنها لخنادق وتحصينات تم حفرها من قبل قوات صنعاء في الأونة الأخيرة، وقد صاحب ذلك تصريحات في نبرة تهديدة بالتصعيد العسكري ضد قوات صنعاء.
ميدانياً وعلى مدى أسبوع كامل عملت قوات التحالف على تنفيذ عمليات عسكرية برية بهدف إحقاق تقدم ميداني وكسب مواقع جغرافية وعسكرية في محيط مدينة الحديدة وجنوبها، غير أن هذه التحركات رغم كثافتها إلا أنها لم تنجح وتسببت بسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف قوات طارق صالح وقوات العمالقة والقوات السودانية المتواجدة هناك والتي يطلق عليها التحالف اسم “القوات المشتركة في الساحل الغربي”.
ضرب مخازن الإمداد والتموين بمعسكر ألوية العمالقة في المخا والاتهامات بوقوف طارق صالح خلفها
وبعيد اتفاق الرياض الذي جرى توقيعه بين الشرعية والانتقالي ولم يُذكر فيه طارق صالح أو مصير قواته في مرحلة ما بعد الاتفاق، وهي القوات التي لم تعترف بتبعيتها للشرعية منذ تشكيلها وحتى الآن، جرى استهداف أحد معسكرات ألوية العمالقة المتواجدة في مدينة المخا الساحلية جنوب غرب تعز، وأدى الاستهداف الذي كان دقيقاً وضرب مخازن التموين والإمداد العسكري إلى مقتل وجرح أكثر من 300 من أفراد ألوية العمالقة والقوات السودانية هناك، وحتى اللحظة لا يعرف من هي الجهة التي قصفت المعسكر، لكن وسائل إعلام جنوبية وناشطين محسوبين على المجلس الانتقالي الجنوبي سرعان ما وجهوا أصابع الاتهام نحو طارق صالح وقواته وقالوا إن طارق وقواته تقوم بتسريب المعلومات العسكرية والإحداثيات الدقيقة إلى قوات صنعاء، واعتبروا الهجوم على ألوية العمالقة تصفية حسابات وانتقاماً من طارق صالح من الجنوبيين الذين يُتوقع أن يكونوا بديلاً مفضلاً لدى السعوديين والإماراتيين للسيطرة على الأجزاء الغربية من مرتفعات محافظة تعز المطلة على باب المندب.
ولعل الشكوك ضد طارق وقواته ازدادت وتيرتها بعد الانشقاقات المتتالية للعديد من قواته وعودتها إلى صنعاء خاصة انشقاقات بعض القادة الكبار المطلعين على معلومات عسكرية وتفاصيل دقيقة في غاية الأهمية، وهو ما يراه مراقبون بأنه قد يكون سبباً مقنعاً للتحالف لتغيير الاعتماد على قوات طارق واستمرار استخدام ألوية العمالقة من الجنوبيين بقيادة السلفيين المدعومين من الإمارات لهذه المهمة، وإضافة إلى ذلك فإن عدم وجود ذكر لمصير القوات التي شكلها طارق صالح ضمن اتفاق الرياض واقتصار الاتفاق فقط على وضع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي قد يكون سبباً يدفع بطارق صالح إلى تنفيذ مثل هذه الهجمة ضد العمالقة وهو بذلك يرسل رسالة للسعودية والإمارات (نحن هنا).
اتهام طارق صالح بالوقوف خلف الهجوم قوبل بإصدار قوات طارق بياناً باسم “القوات المشتركة في الساحل الغربي” اتهم فيه قوات صنعاء بتنفيذ هذا الهجوم وهو ما لم تعلنه صنعاء كعادتها عند تنفيذ أي هجوم ضد خصومها من قوات التحالف، ما يضع الهجوم على العمالقة في دائرة الغموض ويعزز من احتمال تصاعد الصراع الخفي بين قوات طارق صالح والجنوبيين في الساحل الغربي خصوصاً بعد نتائج اتفاق الرياض.
هدف سعودي محتمل “تحريك جبهة الساحل لتخفيف ضغط الحدود”
بالنسبة للسعودية فإن مراقبين مهتمين بالشأن العسكري يرون بأن الرياض قد تسعى إلى استخدام قوات الساحل الغربي التي باتت تحت قيادتها بعد الانسحاب الإماراتي الجزئي من هناك، لتحريك جبهة الساحل بهدف تخفيف الضغط عسكرياً على قواتها في حدها الجنوبي، فعلى الرغم من أن الرياض سارعت بعد ضربة أرامكو منتصف سبتمبر الماضي وبعد تقديم صنعاء مبادرة أحادية الجانب بوقف الهجمات على السعودية مقابل رد مماثل، سارعت إلى فتح باب المفاوضات المباشرة مع صنعاء بعد وساطات بعثتها الرياض عبر العراق وباكستان وإيران ونتج عن ذلك تشكيل لجنتين عسكرية وسياسية بين الطرفين يتصلان ببعضهما بشكل مباشر عبر دوائر تلفزيونية حسب تسريبات مصادر في صنعاء مطلعة، غير أن هذه المفاوضات لم يصاحبها أي تهدئة عسكرية على الجبهات الحدودية، فالرياض لا تزال تسعى إلى تحقيق تقدم عسكري في محافظة صعدة شمال اليمن وهدفها من ذلك – حسب اعتقادها – أن التقدم في صعدة سيشكل عامل ضغط عسكري على صنعاء يدفعها للقبول بتقديم تنازلات لم تستطع الرياض انتزاعها لا في مفاوضات ظهران الجنوب ولا الكويت ولا جنيف ولا السويد والتي جرت على مدى الأعوام الخمسة الماضية.
وبالتالي فإن تحريك جبهة الساحل الغربي وفق اعتقاد الرياض سيضع قوات صنعاء في حالة تشتت وارتباك وسيساعد الرياض على تحقيق تقدم في الحدود وحينها ستكون الرياض قد ضمنت أن جلوسها مع المفاوضات مع صنعاء سيكون من موقع القوة وليس من موقع الضعف كما هو حاصل اليوم، غير أن من يقدم الاستشارات لمحمد بن سلمان في هذا الجانب يجهلون أن قوات صنعاء مستعدة لأي سيناريوهات عسكرية محتملة ليس من الآن فحسب بل منذ أن قررت إعلان المبادرة أحادية الجانب الخاصة بوقف الهجمات على السعودية بجميع أشكالها.